أريد حلًا لمشكلتي، فأنا أعاني من الاكتئاب النفسي المزمن الذي لم يفارقني منذ صغري، ما يؤلمني هو أن حياتي تسير من سيئ إلى أسوأ، وأنا مكتوف اليدين أراقب أيام عمري تتفلت، وتتساقط كل أحلامي كثيبًا مهيلا أمام عيني، وأنا لا أستطيع فعل شيء حيال كل ذلك. وهو الأمر الذي دفعني كثيرًا إلى التفكير جديًّا في التخلص من كل هذه الآلام بالتخلص من الحياة برمتها، وما يمنعني من ذلك على الأقل حتى الآن هو عمق تعليمي الديني نوعًا ما. غير أني قلق من أن تنتابني نوبة اكتئاب طاغية تدفعني إلى القيام بما يغضب الله في حق نفسي.
وبداية مشكلتي هي في طفولتي البائسة، فمع أن أسرتي ذات أواصر قوية ومتينة، إلا أن المشكلة كانت في عنف والدي وقسوته، ومع أنه قام بكل ما يستطيع من أجل توفير حياة كريمة لأسرتنا؛ إلا أنه كان ذلك النوع من الآباء، وهو الأمر الذي قلب حياتي رأسًا على عقب، فدائمًا ما كان يعود من عمله صارخًا؛ فنفر نحن؛ لنختفي منه، بينما لا نستطيع حيلة لأمنا المسكينة التي يكيل لها السباب والإهانات بسبب وبدون سبب!! ولا تزال تلك الأصوات والمشاهد إلى هذه اللحظة لا تفارقني وتقتلني، طفولتي التعيسة كانت تزداد تعاسة كل يوم..
فبدانتي جعلتني أضحوكة الأتراب وزملاء الدراسة، زاد الأمر سوءًا حساسيتي الزائدة عن الحد، ولقد ازدادت الأمور سوءًا مع كل مقارنة كنت أعقدها بيني وبين المتفوقين في مدرستي.. وقد استمررت في عقد تلك المقارنات -بشكل غير إرادي - حتى تخرجي في الثانوية العامة، ومع تخرجي كنت قد فقدت كل ثقة في النفس، وغلب على إدراكي بأن معنوياتي قد تحطمت تمامًا، وكان انطباعي الشخصي عن نفسي منذ ذلك اليوم وإلى الآن هو أنني إنسان فاشل وعديم الجدوى بكل المقاييس.
الآن أكاد أتخطى عامي الـ 24 وهي أعوام خرجت منها مثقلا ومثخنًا بجراح كثيرة.. بل هي جميعها جراح تقتلني كل لحظة! وأنا لم أعد أنتظر الكثير من الحياة.. ولا أرقب في غدي إلا الموت أنتظره ليخلصني من كل هذا البؤس والشقاء. ومع أن أسرتي محبة لي جدًّا، ولي أصدقاء-على قلتهم القليلة- رائعون، إلا أن هذا الجحيم ما فتئ يتواصل!! وهو أمر يؤلمني كثيرا. فهناك شيء منفر في شخصي، شيء لا أعرفه غير أني أراه في وجوه الناس، فانطباعات الناس الأولى عني كما أخبرني كثير ممن عرفت بعد ذلك هي أنني إنسان بغيض!! وهو أمر لا أعرف له سببًا.. مع العلم أن لي روحًا مرحة وقلبًا طيبًا.
ومما يؤرقني كذلك هو أنني لا أروق لأحد من الجنس الآخر، فمع مرور كل تلك الأعوام؛ لم تبادلني فتاة يومًا ما شعورًا نبيلًا!! ولست أدري لماذا؟؟ قد يكون السبب هو أنني لا أبدو جذابًا لحجمي، وعمق ملامحي التي تظهرني أكبر من سني بكثير.. ربما لأنها -الملامح - جدية أكثر مما ينبغي!! قد يكون هناك شيء آخر، ولقد كتبت إليكم هذا بعد أن بلغ السيل الزُّبى، وما عدت أظن أني أستطيع التحمل أكثر مما فعلت، فبغضي لذاتي وشقائي لا حدود لهما..!! وقد تخبرونني بأن أحاول تغيير حياتي، وقد حاولت وفشلت وازداد الأمر سوءًا على سوء.
الرجاء الرد بأسرع ما تستطيعون.. فهذه أول مرة أتكلم فيها عن مشكلتي مع أحد..
وكذلك هي آخر مرة.. ولكم جزيل الشكر
13/9/2024
رد المستشار
أخي العزيز، أرجو أن تكون الآن في حالة طيبة تنصت فيه إلى كلمات أصدقاء، أو إخوان لك أكبر منك، وأكثر خبرة وتجربة ودراية بالحياة.
إن القمر اللامع في السماء، المتباهي بين النجوم بغزل الشعراء، وخيالات العشاق ليس سوى أرض من التراب والصور تعكس ضوء الشمس وتخفي الحفر والبثور والأخاديد، وهكذا النفس الإنسانية حين تريد السعادة فإنها تختار مما حولها ضوء الشمس لتعكسه مخفية ومتجاوزة عن الجراح التي أصابتها في مسيرتها، التي لا تخلو منها حياة بشر.
يا أخي، الأسرة مهمة فهي بداية العالم، وهي الدائرة الأولى في حياة الإنسان، وينبغي أن يعي كل الناس هذه الأهمية القصوى لتلك الدائرة، وأن يعدوا العدة لها قبل الزواج،وأن يتحسسوا تصرفاتهم، وعلاقتهم ببعضهم؛ لأن كل تصرف سيئ ينعكس، وينطبع على نفسية هذه العقول، والأفئدة الصغيرة كما تفعل بقعة الحبر السوداء الداكنة حين تقع بعنف فوق صفحة بيضاء ناصعة، لكن هب أن إنساناً نشأ في أسرة فيها عيب فادح، أو مر بطفولة يراها تعيسة وشقية، فهل هذه هي نهاية العالم؟! وهل الحاضر والمستقبل هو مجرد امتداد سالب للماضي؟! فأين إرادة الإنسان وفعله؟!
الإنسان يا أخي، هو ما يفعل لا ما يفعله الناس فيه، الإنسان هو خليفة الله في أرضه، وهبه من القدرة ما يستطيع بها إسعاد نفسه بعون الله، كما يستطيع بها إشقاء ذاته، والثانية أسهل بكثير، فقط اترك نفسك نهبًا لحوادث الماضي، وجراحه.
فقط استسلم لدواعي الشقاء -وهي كثيرة– في الماضي والحاضر، في مكانك الذي تعيش فيه، وفي الكون من حولك، فقط انظر إلى عيوبك ولا تلتفت أبداً إلى النعم التي حباك الله بها.. وبسهولة جدًّا سترى الحياة سوداء مظلمة، وسترى القمر مجرد مجموعة من الصخور والحفر.
لا تحتاج الكآبة إلى بذل كثير من الجهد، ولا يحتاج استدعاء الهم إلى عناء، ولكن السعادة تحتاج.
واقرأ أيضًا:
التعامل مع الاكتئاب (1-2)
خطة علاج الاكتئاب الأولية