أنا شاب أتممت الـ 23 سنة منذ يومين.. أعاني ما يؤرقني.. لقد عشت حياة في طاعة الله، ونشأت على الأخلاق الحميدة، ولكن في نفس الوقت حرمت من أشياء تعتبر اعتيادية فيمن هم في مثل سني، وتم دفعي في أشياء لا أريدها، وعندما كنت أنسجم في الأمر يتم سحبي فجأة.. (من أجل الحرص الزائد كل ما في الأمر)، بمعنى أني عشت حياة أشعر فيها بالعزلة والوحدة وعدم الأمان في نفس الوقت، لم أكن كثير الشكوى والإصرار؛ فما يقوله أهلي يمشي علي؛ فلم أكن أحب أن أراهم يحزنون أو يغضبون أو أن يجدوا أن ابنهم عاص لكلامهم.
وما زاد من سوء الأمر أني وبالرغم من كوني طفلاً فإني كنت عاطفيا ورحيما رقيق القلب (الأمر الذي لا يزال مستمراً معي) وأدرك جيداً ما حولي وأستوعب ما يجري من سخرية بعض الأقارب واستهزاء أقراني وما قد يجرح أهلي إذا علموا وكنت أحزن وأسخط من معاملة وسخرية غيري لي، وبالتالي كنت أدعي رباطة الجأش وأني أنا الذي لا يريد فعل ذلك الشيء أو الذهاب في تلك الرحلة (مع علم الله شوقي لفعل العديد من الأمور).
والمشكلة الأخرى أني لا أجد التشجيع على أعمالي وإنجازاتي، بل حين أخطئ أشعر أنه كله بسببي.. مع العلم أني قد ألفت كتاباً عن علم المناعة السنة الماضية ولم أجد الفخر الذي ظننت أني سأستحقه من أهلي، بل بالعكس حتى إن أستاذا في الجامعة شده البحث، وقال لي أنت طالب كيف أمكنك هذا؟.. وتركني...
آسف إذا أطلت المقدمة، ولكني أظن أنه من الضروري معرفة خلفيتي، المهم أني الآن في سنتي الدراسية الأخيرة، وقد كنت طالباً متفوقاً طوال سنوات دراستي إلا أني قد تعثرت قليلاً في سنتي الأخيرتين؛ بسبب مرض أمي وبعض الظروف العائلية الأخرى، مع العلم أني أنجح كل سنة من الدور الأول وإن كان بمجموع وتقدير ضعيفين بعض الشيء.
تبدأ مشكلتي بأني قد واجهت منذ 3 سنوات من أحكمت على قلبي بعذوبتها وجمال روحها؛ الأمر الذي جعلني أسير هواها ولكن مع هذا لم أتخط حدود الله معها، حتى أني لا أصافحها.. وكم من مرة أود البوح بما في قلبي ولكن كوني أدرك أني لا أزال طالباً ليس لي مصدر رزق، وأن هذا الأمر قد يجرح الحياء والدين وأني لا أرضاه لأختي فلا أنبس ببنت شفة مع أن وجهي يحكي ما في قلبي.
وتستمر الحكاية حتى تخبرني بخطبتها الأمر الذي جعلني في وضع لا يمكنني وصفه بعد أن ظننت لوهلة أني قد أخرج من الوحدة التي عشت فيها، واستمرت الأيام حتى بدأت أراها كصديقة (مع أن قلبي ينبض بها في بعض الأوقات) المهم بعد هذا الحادث استجمعت قوتي ورباطة جأشي (ملاحظة: إني لا أنسى ما مر بي من خير أو شر في نفس الوقت "لدي القوة بفضل الله أن أبدأ من جديد").
المشكلة أنه بعد ذلك توالت الأحداث والمشاكل في بيتي وعائلتي، الأمر الذي جعلني أضعف كثيراً وقد أثر بي سلباً كما وصفت سابقاً.. كل هذه الأمور جعلتني أفقد الثقة في نفسي بشكل كبير وأصبح ضعيفا وخائفاً أن أبدأ من جديد؛ فأقول ستتكرر الظروف والمشاكل كما في السنوات الماضية، وسأفشل مرة أخرى في تحقيق هدفي.
أضف إلى ذلك شعوري بالوحدة ولا أكذب عليكم، ولكن أود أن أرتبط من فتاة أعجبتني (وإن لم تأسرني كالأولى.. فلا يلدغ مؤمن من جحر مرتين).. القصة وما فيها.. بغض النظر عما أراه فيها من تدين وحسن الخلق لا أعلم هل أسألها هل تقبل وضعي وظروفي، حيث أني أسلفت سابقاً بأن لي أماً مريضة تحتاج إلى العناية في كبرها وليس لها إلا ابنها الذي بإذن الله لن يتركها لغيره.
أضف إلى ذلك أن لي أختا مريضة هي أيضا تحتاج إلى زوجة أخ ترعاها كأنها أختها بالضبط.. كل هذا الأمر يجعلني متقاعساً.. أخشى السؤال وأبقى بعيداً في وحدتي لا أعلم أأتبع قلبي أم أتبع ما يمليه عليّ عقلي.
هذا وصف موجز لمشكلتي وحياتي.. آسف إن أكترث الحديث.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
19/9/2024
رد المستشار
ولدى، رغم حبي للأدب والكتابة الأدبية أجدني أتيه حين تكون المشكلة مكتوبة بأسلوب يحتوي على كثير من الاستعارات والكنايات المرسلة، رغم أنها تفصح عن جزء آخر من شخصية صاحبها ومن مشكلته لم يكتبه.. ولكنه يظهر جليا في استعاراته ورموزه.
ولكن هذا الأسلوب الأدبي يجعل المشكلة تبدو وكأنها بشخص غائب يتحدث عنه أحد أصدقائه.. عموما أعجبتني المقدمة -تقدمتك لنفسك- فتى منع نفسه عن كل ما يشتهيه من أجل أن يحصل على رضا أهله وإعجابهم، ولكنه لم يحصل عليه وتحمل فوق هذه الجفوة سخرية أقرانه من أفعاله البعيدة تماما عن متطلبات سنه ورغبات عمره.
ولهم الحق يا ولدى.. فالصغار لا ترحم ولا تعرف المجاملة.. وغيرك ربما كان له تصرف آخر غير ادعاء رباطة الجأش؛ غيرك ربما استعمل سلاح الهجوم عليهم بأنه أفضل منهم لأنه يطيع والديه أدبا وقربى وهم عديمو التربية والبر، وطبعا أنت شخص رقيق وحالم وشديد الحساسية.
ورغم قوتك التي تتحدث عنها في أنك تبدأ دائما من جديد فإنها ليست قوة، إنما هي مخزون طاقة لديك استعملته ونفد.. ولذلك أصبحت قلقا وغير قادر على اتخاذ القرار وما أسميته أنت فقدان ثقة بالنفس.
هي ليست فقدان ثقة، ولكن تردد ورغبة في السلامة ربما اعتدتها منذ الصغر فلأول مرة لا يسير الأمر بنعومة كما كان يسير أيام اتباع أوامر الوالدين.
أنا حتى لا أدري أين مشكلتك التي تريدني أن أساعدك في حلها.. هل هي الفتاة التي تتمنى أن تتقدم إليها؟ وتخشى أن يحدث معها ما حدث مع الأولى؟؟ وما الذي يمنعك أن تصرح لأهلها برغبتك في الارتباط بها؟؟ الدراسة؟؟ إذن اطلبها وأعلمهم أن الزواج لن يتم قبل انتهائك من الدراسة.. إما أن تقبل ظروفك الخاصة أو لا فهذا سؤال تجيب عنه هي وليس أحد غيرها.
ولن يلومها أحد إن رفضت أن تبدأ حياتها بخدمة حماة مريضة، وأخت زوج لها ظروف خاصة.. ربما من الأفضل أن تجعل أمك وأختك يرشحان لك من يريا أنها ستقبل الحياة في خدمة الأسرة، فإن هذا النوع من الزيجات يا ولدي ليس بسيطا ولا متاحا بكثرة.
هذا لا يعيبك ولا ينقص من قدرك، بالعكس هذا يرفع من شأنك عند رب العباد بصفتك ولدا بارا وواصلا لرحمك وخادما لأهلك ولكنهم أهلك أنت، وأي فتاة قد تجد غضاضة أن تبدأ حياتها، وهى تئد أحلامها في السكن المستقل والحياة المرحة مع شريكها، وتجد نفسها مضطرة للقيام بمتابعة امرأة كبيرة وأخرى شابة.
إذن لا تقسُ على نفسك يا ولدي ولا تحرمها حقها في الأليف والشريك.. ولكن كن عاقلا وواقعيا عند الاختيار، ولا يحزنك إعراض البعض، فلديهن من الأسباب والمسببات ما هو وجيه ومقبول.. وأعلم الناس بمن يستطيع القيام بالدورين دور الزوجة ودور الابنة البارة هي والدتك أكرمها الله وأطال عمرها، فهي حتما تعرف من الأقارب والأصدقاء من يمكنها أن ترشحها لك زوجة، لأنه عادة يحوم حول الأسر والبيوت أسر أخرى تظهر استعدادا للقرب والمصاهرة.. والنساء تفهم هذه الرسائل جيدا وتعيها.
إذن، توكل على الله ولا تغلق بابك على وحدة قلبك.. وإن شاء الله ربنا يوفقك إلى شريكة تنسيك كل أحزان العمر الماضي.