السلام عليكم ورحمة الله
سيدي العزيز، أولاً أشكركم على هذا الموقع، والشكر لله، فهو يجتذب الكثير من الانتباه، وثانياً: أقدم مشكلتي كما يلي:
أنا مسلم اضطررت بسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية أن آتي إلى أوروبا مهاجرًا بطريق غير شرعي للعلم والإقامة، وحتى يكون وضعي قانونيًا تزوجت من فتاة أوروبية تعرف ظروفي، وهي التي طلبت مني أن أتزوجها، ولو دون حب.
وفي الحقيقة زوجتي هذه مؤدبة وذات حياء، وتحاول حالياً أن تساعدني بالتوقف عن شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، والمشكلة تكمن فيّ أنا!! والحقيقة أني أهتم بها، ولكنني لا أحبها، وما زلت أعتقد أن المسلمة العربية هي التي سترضي حاجاتي العاطفية.
وأنا ضائع ولا أعرف ماذا أفعل؟!!
سوف أكسر قلبي إذا قمت بطلاق زوجتي؛ لأنها لطيفة وعطوفة، وبدون معونتها لم أكن لأظل في هذه البلاد بشكل قانوني…
أرجوكم ساعدوني.
29/9/2024
رد المستشار
الأخ الكريم، العالم أوسع من أن تكون فيه وصفة واحدة للسعادة لا تتحقق إلا بها، والاختلاف بين البشر يمكن أن يكون مقدمة للتكامل والتفاعل، كما يمكن أن يكون سبيلاً للتناحر والتضارب بحسب المرونة والقبول وسعة الأفق، وأحسب أن زوجتك هذه –إضافة إلى ما ذكرته عنها– امرأة محترمة، ومن الأوروبيات اللائى يردن الستر في بيت تشارك فيه، وفي كنف زوج يخشى الله، ويرعاها، ويقوم على بيته، وهي تريد الأسرة وتعرف حقوق هذه الرابطة عليها والواجبات المطلوبة منها كامرأة أصبحت زوجة ثم أما بعد ذلك، والمتحدثة بالعربية أيضًا.
وكم من أوروبية مسلمة تعربت حتى أضافت بشرة الغرب وروحه إلى سحر الشرق ونكهته، وكانت في سلوكها مزيجاً من عالمين، ولكن التعميم باطل. وأنت تتحدث وكأن العربية المسلمة ستحقق لك السعادة؛ لأنها عربية ومسلمة.. هكذا بمجرد الوصف والانتماء، ومن العربيات المسلمات من يتمنى أزواجهن لو أن الإسلام أحل الرهبنة واعتزال النساء فيتوجه إلى أقرب دير أو صومعة عازفاً عن صنف الإناث كله مما رأى في حياته الزوجية!!! وأنت مستمر في غربة قد لا تتكيف معها الناشئة خارجها، بقية عمرها.
وأحسب أن زوجتك لو كانت تتجه تدريجياً إلى الإسلام بمعناه الواسع في الآداب والإيمان والعربية لغته، وركن ثقافته –ولو أنها تترك ما تترك من خبائث طهر الله عباده المؤمنين منها، ونزه أجسادهم وجوارحهم عنها، لو أنها تقبل على الترك والفعل لإرضاء الله، ومن أجل طاعة الله، ولو تأخر نطقها بالشهادة، فإن هذا يُبشِّر بالخير، ويعد بالمزيد خاصة وهي تحبك كثيراً فيما يبدو، وتحرص على رضاك.
وقد تندهش حين أقول لك: إنها لو كانت مسيحية ملتزمة فإن ذلك ربما يكون مقدمة لمسلمة جيدة، وأنا هنا أتحدث عن الضمير الإيماني المستيقظ، والحس الروحاني العالي، والسلوك الأخلاقي القويم، إضافة إلى تقديس رابطة الزواج ورعاية الأسرة.
لا أسرة مستقرة بغير قيم ثابتة راسخة، وأهم مصدر للقيم من هذا النوع – هو دين متين، وبالتالي فإن الأسرة المسيحية الملتزمة أكثر تماسكاً من الأسرة المسلمة المنحلة، والمرأة ذات الدين بالمعنى النفسي والأخلاقي والروحاني هي زوجة أفضل من المتفلتة المنحلة وإن صلّت وصامت وزعمت أنها مسلمة.
وخلاصة القول: إن الفيصل في المسألة هو ما لم تذكره لنا عن نفسية هذه الزوجة وإيمانها بالمعنى العميق والواسع للكلمة، فهذا الإيمان هو العاصم من الأخطاء، والدافع لكل بذل، والأسرة تحتاج إلى كثير بذل.
تأمل في أحوال زوجتك فإن وجدتها مرشحة في قادم الأيام لتكون الزوجة الصالحة، والأم الراعية، والمؤمنة والواقفة عند حدود الله تخشاه وتحبه، فإن أسهل شيء بعد ذلك أن تتعرب، وتنطق الشهادتين، وإن وجدتها ضاربة بجذورها في ثقافتها الأم على النحو الذي ترضيك فيه اليوم، وتوشك أن تقلب ظهر المجن لك غدًا، فأنت أمير نفسك إن شئت أمسكتها محاولاً إصلاحها، وإن شئت تزوجت عليها، وإن شئت فارقتها بإحسان.
وفي كل الأحوال ستحتاج إلى معرفتها ودراسة أحوالها أكثر، وستحتاج إلى معاونتها بحكمة على السير قدماً في طريق الخير إن كانت ترغب في ذلك، وتمنياتي لك بالسعادة في كل الأحوال، وهو ما لا يتحقق إلا بالعدل والحكمة، وهو ما يعجز عنه الكثير من الناس.
والمسألة في زاوية منها تفاعل بين ثقافتين، وتحتاج أنت كما تحتاج زوجتك إلى تعرف أعمق على ثقافة الآخر، وروح حضارته، وهو ما رأيته غائباً عن الكثير من العرب والمسلمين المستقرين بالخارج، فلا هم كانوا رسل تعريف وتبشير بثقافتهم ودينهم، ولا هم يتعرفون على الثقافة والمجتمع الذي يعيشون فيه، وهذا موضوع آخر يطول.
واقرأ أيضًا:
زواج الثقافات : جدل الشمال والجنوب
زواج الثقافات: أهم من لون الجلد
زواج الثقافات ورضا الوالدين!
زواج الثقافات: التعميم مضلل، والناس معادن!
زواج الثقافات، ونظرات الشك المتبادل!