السلام عليكم، تحية طيبة.
أودُّ أن أشكركم على هذا الموقع الرائع، فقد راسلتكم منذ سنين في مشكلة أني أعجبت بفتاة ذات خلق ودين وكان ردها غريبا، فكان ردكم بأن لا أفكر بالموضوع والأيام ستبين لي الرد، فأصبح اتصالي بها يكاد يكون معدوما وهذا ما قد تم.. ولكن قبل تخرجها في الجامعة فتحت معي الموضوع، واعترفت بمدى حبها لي وأنها تريدني بالحلال، وتكلمنا بحدود لفترة من الزمن حتى تأكد كل منا من قراره، وأصبح واجبا علي -وأحسست أنها تريد هذا- أن يكون الموضوع رسميا.. وهذا حقها.
فقررت أن أطلب من أهلي ذلك، وواجهت صعوبة مع أهلي بحكم ما كان منها في أيام الجامعة، وبعد إقناعهم فتحت الموضوع مع والدي، وقلت له إنني لا أريد أن أكلفه شيئا خصوصا أن أخي يريد الخطبة وأنا أقدر ظروفه، وإنني ادخرت المال لكي أقوم بالخطبة، فكان جوابه بأن هذا واجبه، وكما سيقوم به تجاه أخي سيقوم به تجاهي، فقلت له أنا أقدر الظروف وأنا ابنك ولا أريد من أحد أن يعرف بموضوع المال فقال لي توكل على الله، وأحسست حينها بمدى السعادة التي أنا بها وفضل الله عليّ.
ولكن اليوم التالي تفاجأت بأبي يريدني أن لا أفكر بالموضوع لأنني ما زلت في الرابعة والعشرين، وأن أعطيه ما أدخر من مال؛ لأنه يريد أخذ قرض من أجل أن يقيم عرسا في أفخم الفنادق لأخي بناء على طلبه هو وخطيبته، ناهيك عن المصاريف والمباهاة والأشياء غير المنتهية التي يطلبونها، وهو البكر ويجب عمل المستحيل من أجله، وإن لم يحدث تصبح المشاكل والخلافات أمرا مفروغا منه في المنزل..
فقلت له إن لكل أناس مقدرتهم وإن واجبك توفير الشيء المعقول وليس الاستدانة، ومن المفروض أن لا يطمع أحد بالآخر، واحتد النقاش وأصبح والدي لا يريد لأمي الذهاب، وبعد الإلحاح ذهبت أمي وأختي وكان رأي أختي أنهم أناس طيبون وبسطاء، ولكن أمي كان رأيها أنهم لم يصدقوا أن أحدا طلب يد ابنتهم، وناقشتها وقلت لها إنهم طيبون جدا، فقد سألت عن عائلتها ووالدها، وقلت في نفسي إن الأيام ستبين لها ما أقول، وبالطبع والدي كان يريد أن لا تعجبهم، وبحجة أنني أستحق أفضل من ذلك، حتى دون أن يكلف نفسه عناء رؤيتها والتعرف على عائلتها، مع ملاحظة أنه عندما سألته عن عائلتها قال لي: إنهم ممتازون وأصحاب دين، حتى إنه كان لا يريد مني مجرد النقاش مع أمي وشقيقتي بالموضوع.
واتصلت والدتي بأم الفتاة وأخبرتها أن الظروف تحكم أن نأتي بعد عام وكل شيء نصيب، وقد كانت هذه الواقعة بمثابة الصدمة للفتاة ولي فلم التأجيل؟! فأنا لا أريد أن أكلمها دون علم أهلها، ولكننا استمررنا وأحسست بها، ولكن ما باليد حيلة، مع أني كنت عندما أحاول مناقشتها بالموضوع تقول لي إن لكل أناس ظروفهم، وهي مستعدة للانتظار، وزادت المشاكل بسبب بعدنا، والضغط عليَّ يكاد يقتلني، فأنا أحبها وأريدها ولا أريد لها أن تتعذب، وأصبحت تحس بي و تحاول أن تساعدني، ولكن لا أستطيع أن أحدثها بشيء، وإن استطعت فلا يمكن لها أن تستوعب الظروف وهي بعيدة، وأصبح أي نقاش مع أهلي خصوصا والدتي يدخل فيه سيرة الفتاة، ولا أعرف ما الذي يجعل أهلي يقحمون اسم فتاتي وأنها أسوأ وأنها... وأنها... والله لا أستطيع سماع هذه الكلمات ولا تحمُّلها، ولا جدوى من النقاش فعشت أسوأ أيام وحين أتكلم مع فتاتي طبعا بين الحين والآخر تصر أن تعرف ما يقلقني، فأقول لها إنها مشاكلى في العمل مع أهلي لأني أعمل مع والدي، فتقول لي إنهم أهلك وواجب عليك طاعتهم وأن لا تغضبهم مهما حدث ولو على حساب نفسي أو على حساب علاقتنا، وأن لا أطلب منهم فوق طاقتهم.. وكم هو جميل ردها، وأهلي يقولون عنها إنها... وإنها... وكم هي إنسانة رائعة حتى إنها كانت تقول عن والدتي إنها أمها لأنها واثقة بأن أمي رائعة، وكم تحب أن تعاملها كابنتها، وإن غضبت مني ستشتكيني لأمي، وكم أحبت شقيقتي..
وكثر كلام أهلي حيث لا يمر يوم دون سماع كلام أفقد أعصابي بسببه، فأنتم لا تعرفون ما أنا فيه.. وأصبحت لا أتحمل شيء حتى نفسي وليس هي فقط، حتى عرفت من إحدى صديقاتها ببداية ظهور الحب على وجهها بسبب الضغط الذي أسببه لها، ولكني لا أستطيع التقدم لها ولا فعل أي شيء، وزادت المشاكل فطلبت مني أن نبتعد قليلا عن بعضنا، حيث إنها لا تريد أن تزداد الأمور سوءا، ورفضت لأنها هي التي تعطيني أملا بالحياة ولا أستطيع البعد عنها حتى انفصلنا، ولكننا رجعنا بعد فترة.. فأنا لا أستطيع البعد عنها وتكرر أمر انفصالنا حتى أرجعتها، ولكن حدثت مشاكل أخرى بيننا وانفصلنا من جديد.
وكم كنت بحالة سيئة بعدها ولكن لم أستطع إرجاعها، وحالتي تسوء وأضعف، وتتولد عندها قناعة بتركي بحكم كل ما حدث.. تدخَّلت إحدى رفيقاتها بمحض الصدفة، وقلت لها إن ما حلمنا به سيأتي قريبا، وهي تقول إننا لسنا لبعض وحاولت معها، ولكنها قالت لي أنساها، وكلما حاولت أن أكلمها تقول لي أن أتوقف؛ لأن كل مرة أضغط عليها.. حتى تفاجأت بعد أن أرسلت لها رسالة -بعد مرور أربعة أشهر من العام الذي اتفقنا عليه- بردها على رسالتي بأن لا أكلمها وبأنها ستخطب لشاب تقدم لها!
حاولت أن أهدئها وأن أتكلم معها، وهي تقول لي إن كل شيء انتهى، ولا يمكن لها أن تنسى ما فعلته بها وقد صلت استخارة، فوجدت نفسها مرتاحة أكثر للشاب الآخر، لم أصدق وجن جنوني وأجبرت والدتي على التكلم مع أمها وكم كاد رد أهلي يقتلني.. فوالدي يقول لأمي لا تكلميها، ووالدتي تقول لي إنه ترتيب بيني وبينها حتى أخطبها، فوالله وأنا أسمع هذا الكلام تمنيت أن تنتهي بي الحياة ولم أستطع النوم من كلامهم، وتحدثت والدتي مع والدتها، وكان ردها أنهم قاموا بإعطاء كلمة للناس وكل شيء نصيب وقد انتظرناكم.
وتأكدت من موضوع الخطبة ولم تكذب لأنها لم تكذب علي ولو لمرة واحدة شعرت بالندم الشديد، فها هو أهم أهداف حياتي الذي سعيت إليه منذ سنين قد تبخر فتحدثت مع صديقتها وتكلمت معها، وكان رد صديقتها إن هذا اختيارها وصارحتني أن فتاتي أخبرتها أنها تشعر أن أهلي لا يريدونها وأهم شيء عند الأهل هو سعادة أبنائهم وليس العكس، وهي كانت مستعدة لفعل أي شيء حتى يغير أهلي فكرتهم عنها.. وبقيت أحاول مع صديقتها حتى قالت لي ألا أكلمها؛ لأنها خسرت صديقتها بسببي وكم كان كلامها جارحا، وأصبحت أشعر أنني إنسان تافه ليس لدي أية أهداف وأن كل أهدافي مصيرها الفشل؛ لأني لا أستطيع القيام بأي شيء وتحدثت مع صديق لعائلتهم وحاول مساعدتي، فقال لي إن الأمور منتهية وستكون الفاتحة خلال اليومين القادمين.
وقررت البداية من جديد ومحاولة التعلم من أخطائي و دعوت الله أن ينسيني إياها كما نسيتني هي وأن يرزقني، وأن يزوجني بأخرى وأن يجعلني لا أفكر بأحد غير هذه الزوجة؛ لأن ذلك يعتبر خيانة لها.. ولكني لم أستطع النسيان.. أصبحت كالمجنون أذهب إلى منزلها وأرى خطيبها عندهم؛ فأزداد حسرة وأحاول دائما مقاومة عدم الذهاب إلى بيتها، ولكني لا أعرف لماذا كل هذا الغباء عندي، فأنا بيني وبين نفسي دائم القلق عليها، فلماذا أنا قلق عليها وهي الآن تعيش أسعد أيام حياتها وهي لا تطيقني ولا تطيق سماع أي شيء مني.
سبحان الله.. كيف تحول كل هذا الحب إلى كره شديد.. وها قد مر قرابة الشهر على خطبتها من الشاب، ولم نتحدث منذ شهرين وأموري تزداد سوءا ولا أستطيع نسيانها بالرغم من أنها الآن حلال لشخص آخر.. أحيانا أقول لنفسي إنه لا يجب أن أنظر لنصيب غيري وحينما يحين نصيبي سأنساها، ولكني لا أستطيع تخيل نفسي مع امراة أخرى و خصوصا أن ابنة شقيقتي تشبهها كثيرا، وذلك ما أكدته لي والدتي فستبقى صورتها للأبد عندي، وإن حدث وتزوجت لن أكون عادلا مع زوجتي؛ لأني حتما سأقارنها بالماضي، وحتما سأفضل الأولى لأني لا أرى فيها عيوبا بالرغم من أنه لا يوجد شخص بلا عيوب..
وبعد كل هذا التعلق أصبح النسيان حلما، وحتى هذه اللحظة ليس لدي الرغبة في العمل أو أي شيء.. وأما المشكلة الأخرى فهي أنني أصبحت لا أطيق الجلوس مع عائلتي ولا أحتمل أية مواضيع منهم فهم أهم شيء عندهم هو أن أخطب فتاة لديها من المال الكثير، وأن لا تكلفهم شيئا لأن زواج أخي قد كلفهم الكثير، وأن تكون جميلة.. حاولت إقناعهم بأني أريد ذات الدين وهذا أهم شيء؛ لأني بصراحة لا أعتبر نفسي متدينا جدا وأريد زوجتي أن تثبتني أكثر، ثم أن تكون جميلة في نظري وأن تحكم عقلها في كثير من الأمور، وهذا بصراحة ما وجدته في تلك الفتاة، فكان ردهم عليّ أن تكون ذات مال وجاه وأن أجعلها أنا ذات دين.. ياالله كم شعرت بالضيق منهم ولكني لا أريد أن أعق والديّ.. سابقا عندما كنت أشعر بالضيق من والدي أقول في نفسي إن الله قد عوضني بالزوجة (الفتاة السابقة) الصالحة وإن أغلق باب أمامي فإن الله قد فتح لي بابا آخر أما الآن فأنا لا أستطيع التفكير بأي شيء.
فكرت بمراجعة طبيب نفسي ولكني ترددت كثيرا، خصوصا أني لا أرى في ذلك حلا، وكم يضايقني أنني شاب في الخامسة والعشرين وأبكي كل يوم حتى إنني الآن أبكي وأنا أكتب لكم.
بصراحة لست متأكدا من أنني سأجد الجواب الشافي عندكم أو أنكم ستعطون رسالتي الاهتمام الكبير لأن ما بي الآن هو ما فعلته في نفسي وكم أنا تافه؛ لأنني الآن أشعر بالخوف والقلق على تلك الفتاة التي تأكدت أنها خطبت فعلا منذ بضعة أسابيع لشخص متدين، وأذهب أمام منزلها وقد جُنَّ جنوني وأنا أتخيل السعادة التي هي فيها الآن... حتى إنني في يوم رأيت خطيبها خارجا من منزلهم وكيف استقبلته هي ووالدها.. فرحت لأجلها ولكنني تمزقت لأنه كان يمكن أن أكون أنا مكانه، وقررت ألا أذهب إلى منزلهم ثانية.
بعد كل ما حصل فأنا طفل وأقولها لأن ما حصل يؤكد لي أني كذلك، فأنا لا أتعلم من أخطائي وأرجوكم على الأقل أن تدعوا لي.. أعتذر عن الإطالة ولكنني حاولت الاختصار ما استطعت..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
30/9/2024
رد المستشار
هل يوجد إنسان غير قابل للتغيّر؟ سألت هذا السؤال كثيرا لنفسي بعد قراءتي لمشكلتك.. الأحداث والتحديات التي نتعرض لها في حياتنا تدفع بشخصياتنا نحو التغيير.. ولكن هل هناك نوع من البشر لا تؤثر فيهم التجارب والأحداث؟ هل أنت بالتحديد من هذا النوع؟
أنا عندما أرصد التطور الذي حدث في شخصية الفتاة التي أحببتها أجده تطورا مذهلا؟ فهي صارحتك بحبها، ثم رحبت بخطبتك لها، ثم قابلت صدمة التأجيل بإيجابية شديدة؟ وحرصت على الإحسان لأهلك؟ ثم حاولت أن تحثّك على أخذ خطوة في طريق زواجكما، ثم في النهاية عندما لم تجد فيك أملا عدلت مسارها.
وأخذت قرارا بقطع علاقتها بك والارتباط بمن هو أكثر منك جدية وقدرة على تحمل المسؤولية، ألا ترى معي التطور المذهل الذي حدث في شخصيتها؟ وكيف أنها تزداد قوة وعقلا ومسؤولية مع مرور الزمن؟
أما أنت فأنت تقف مكانك؟ لم يتغيّر فيك شيء برغم العواصف والأعاصير التي تقتلع أحلامك وسعادتك!! تأدبك مع أهلك تحول إلى سلبية؟ لم تستطع أن تدافع عن حبك وفي الوقت نفسه تحتفظ ببرك لهما وحسن صلتك بهما.. أنت دائما تنتظر ما تأتي به الأيام، وليس ما تختاره أنت وتحسن الكفاح في سبيل الوصول إليه.. على أية حال.. أنا لم أقصد من هذا الكلام أن أجلدك وأزيد من ألمك، ولكني فعلا قصدت أن أطرح هذا السؤال: هل أنت إنسان غير قابل للتغيير؟ والإجابة التي أؤمن بها هي:
بالتأكيد لا.. لا يوجد إنسان غير قابل للتغيير.. ولكن بعض الناس تحتاج صدمات من الوزن الثقيل حتى تحثهم على تغيير أنفسهم.. هذه الصدمة التي آلمتك كثيرا ربما يكون لها عليك فضل عظيم لأنها لقنتك درسا قاسيا، وهو: أن السلبية والضعف والتخاذل تجعلنا نخسر أحلامنا.. لعل هذه الصفعة المؤلمة تدفعك لتكون أكثر إيجابية وإصرارا.
الحياة ليست طريقا مفروشا بالورود.. فهذا الحلم الذي تمنيته قد وقف في طريقه أبواك، وأنت لم تستطع أن تكون قويا وحكيما وبارا وتدافع عنه.
هناك أحلام أخرى ستأتي في حياتك وسيقف في طريقها أناس آخرون أو ظروف أخرى.. فهل ستقف دائما مكتوف الأيدي تكتفي بالبكاء على الأطلال، وبالطواف حول ديار الأحبة؟
أخي الكريم.. أنت ما زلت في بداية حياتك، قد تعلق قلبك بشيء ثمين، ولكنك لم تستطع شراءه؛ لأنك لم تمتلك ثمنه.. وهذا الثمن هو القوة والحكمة وتحمل المسؤولية. فإن ظللت على هذا النحو، فستضيع منك كل أحلامك.. أما إذا أفقت من ضعفك وقررت أن تكون أكثر قوة وتحملا للمسؤولية، فإنك ستكسب الكثير في المستقبل، وسيعوضك الله عما فاتك ويبدلك خيرا منه، فالحياة أمامك رحبة واسعة تفتح لك ذراعيها بكل البشر والأمل. أخي الكريم، تذكر قول الله تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُون" (216-البقرة) وأكثر من قول (إنا لله وإنا إليه راجعون) يبدلك خيرا مما فقدت.. وأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها تزيل الهم.
والتفت لمستقبلك وأحلامك وعباداتك وصحبة الخير وعمل الصالحات لعلها تخفف عنك من ناحية، وتساعد في بناء شخصيتك وقوتك من ناحية أخرى.