أساتذتنا الفضلاء..
تحية من عند الله مباركة طيبة، والله نسأل أن يديم عليكم موفور الصحة والعافية وبوركتم جميعا، ونفع الله بكم.. اللهم آمين، أما بعد:
فمن خلال السطور القليلة القادمة، سوف أقوم بالسرد على أعينكم –قراءة- بمشكلة أظنها وأحسبها أنا المتهم الأول فيها، ولا يعني هذا أن الطرف الآخر غير متهم، ولكن يتعين أن أكون المتهم الأول فيها لكوني أنا ربان السفينة، ولهذا يتوجب عليّ أن أكتب ما أراه في نفسي أولا، آملا أن أجد بغيتي عندكم، وأن يكون لي من الحل ما يثلج صدورنا جميعا، ونسأل الله سبحانه الهداية والتوفيق...
سيدي الفاضل..
أما عني فأنا كالآتي: رجل اجتماعي محبوب على مستوى المجتمع المحيط بي، طيب وحسن الخلق، لدي من العمر 33 عاما أستكملهم في شهر يونيو القادم إن شاء الله تعالى، ومتزوج أكبر من زوجتي بقرابة 6 أشهر، ولدينا بنت عمرها سنة ونصف، أحبها حبا كثيرا؛ حتى إنني أتمنى أن تكبر ابنتي وأعلمها ما لا أراه في زوجتي.
وزوجتي، امرأة عاملة، أُجلها وأحترمها كثيرا، وأحبها كثيرا، ولكن في كثير من الأحيان لا أجد براعتي في التعبير عن هذا الحب، تتأثر بحالي، تفرح لفرحي، وتغضب لغضبي وحزني، تسعى جاهدة لإرضائي، إلى غير ذلك من الكثير والكثير...
أحسب أنني، أحب نفسي -وإن جاز اللفظ "أناني"- فمثلا إذا ما ذهبنا لشراء أشياء أنا وزوجتي، أشتري أنا أكثر، وهي تشتري بالقليل، وهذا يكون لشقين شق أني أريد المزيد والمزيد، ولا يقف الأمر عند حد ما، خاصة لو تيسر من المال، أما إذا لم يتيسر فأصبر، ولكن هي قنوعة بفطرتها، وترضى بالقليل. ولكن إذا ما حدث خلاف، تذكر ذلك الأمر، أني أشتري لنفسي الكثير، وهي القليل...
إذا ما نظرت لأي امرأة أعجبتني، سواء كانت منتقبة، أو ذات بنطال، أو ذات عباءة، أو ذات أي شكل أراه جميلا، أود امرأتي على هذه الشاكلة، بمعنى أريدها المنتقبة وأريدها صاحبة البنطال وأريدها صاحبة العباءة، وكل ذلك في آن واحد، وأحسب أن هذا الأمر لا يكون إلا لخلل في نفسي.. إذا ما جلست مع أختي وتحدثنا في الدين، وتطرقنا لأمر ما، قلت في نفسي، لماذا لا تكون زوجتي أولى بهذا؟ فهي الأحق والأولى أن تتناقش معي في أمور ديننا، ونتعلم ما ينفعنا عند ربنا سبحانه وتعالى -لله الحمد على قدر لا بأس به من أمور وتعاليم ديني- فهذا من الأمور التي لا أجد لها حلا...
إذا طلبت مني أن تذهب في أمر ما، لا أمانع، ونحدد موعدا ما، أجدها لا تلتزم بالموعد المحدد، وهذا مما يكون محط خلاف بيننا -للعلم هي تعول ابنتنا، من رضاعة وكل ما يتعلق بالطفل في هذا العمر- ولا أدري كيف يكون علاج هذا الأمر؟
زوجتي امرأة عاملة، ولها راتبها الخاص بها، وهي دائما تسعى جاهدة لتعمل على أن رواتبنا ذات هدف واحد، وذلك هو الأصل؛ حيث إن أهدافنا تكاد تكون واحدة، ولكن إذا ما حدثت مشكلة -وإن كانت على سبيل الهزار- وتفوهت بلفظ يوحي أو يشير إلى ذمتها المالية، انقلبت رأسا على عقب، وقررت ألا أقرب راتبها، فهل هذا من الصحة بمكان، لا أدري؟!
كثيرا ما طلبت منها أن تبحث عن مكان للدروس الدينية، كي تزيد من علمها ونفعها، حتى يعود بالنفع عليها أولا، ثم باقي أفراد أسرتها؛ فأجدها تتكاسل، حتى إن وصل بنا الأمر إلى طلبي منها لحفظ خمس آيات على مدار الأسبوع لا يتم هذا الأمر؛ فلا أدري كيف يكون علاج أمر كهذا؟ هذا ما وددت التركيز عليه؛ لأني أراه هو القيمة الحقيقية في المشاكل التي تدور بيني وبينها، والله سبحانه هو الهادي لطريق الهداية والصلاح.
وودنا أن يتسع صدركم للرد علينا، بما ترونه مناسبا لمثل هذه المشكلة، ونفع الله بكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
30/9/2024
رد المستشار
الحقيقة يا ولدي، لقد قدمت توصيفا لطيفا لمشكلتك، لدرجة أنني لم أعد أعرف من هو صاحب المشكلة، أنت بدأت بالإشارة إلى نفسك أنك المتهم لأنك ربان السفينة.. وهذه مقدمة رائعة وعاقلة وناضجة..
ولكني لم أجدك تقود السفينة ولكن تتركها للموج ولاتجاه الريح، حسبما اتفق تحب زوجتك وتحترمها ولكنك تحب نفسك أكثر منها... هي امرأة تتفانى في إرضائك بكل الوسائل المتعارف عليها تتأثر بحالك، تفرح لفرحك، وتغضب لغضبك وتحزن لحزنك، تسعى جاهدة لإرضائك، وهي قنوعة لا تطلب لنفسها لتقديرها للاحتياجات والضرورات.
هذه مواصفات نادرة ويبحث عنها أي رجل عاقل في زوجته التي ستشاركه أيامه؛ فالبعض يجد بعض الصفات، ولكن أن تجتمع القناعة وحسن التقدير مع المشاركة والتفاعل التام هذا نادر الحدوث.
ظللت طوال المشكلة أنتظر سؤالك حتى وجدته في النهاية كما نقول irrelevant أي غير ذي اتصال أو علاقة بالمشكلة: إنها لا تحضر أي درس دين ولا تقوى على حفظ خمس آيات قرآنية في اليوم.
ومع عظم وجمال المطلب فلا علاقة له بحالك وحالها؛ فالناس إنما تذهب لحضور الدروس لتصبح أو تتعلم أن تصبح مثل زوجتك... تطيع زوجها... تشاركه أحلامه وآماله وطموحاته وسعادته وأحزانه... لا تكلفه فوق طاقته ولا تضغط عليه بكثير الطلبات المترفة... تراعي بيتها وأولادها...
المشكلة فيك أنت يا سيدي... انتقلت عن نفسك إنك أناني ولكنك لست أنانيا بما هو متعارف عليه بين الناس، أي ليست القضية أنك تفضل الحصول على كل شيء وتمنع منه الآخرين.
أنت مدلل يا ولدي... ولم تذكر عن سبب تدليلك أي دليل... هل أنت طفل واحد؟ لك أخت إذن لست وحيدا... هل اعتدت في بيت أهلك أن تحصل على كل ما تريد ويتبارى الكل لإسعادك؟ وتصبح سعادتك هي مصدر إلهام الجميع بالراحة والهناء؟
أنت تريد كل شيء... ولا تفعل شيئا، أنت تريدها منتقبة وببنطال ومطربة ومغنية ومقرئة وكاتبة ومفكرة وأديبة وأم ومرضعة ومربية.
وأنت ماذا تقدم في المقابل؟ لا تبثها حبك ولا تقديرك ولا شوقك ولا سعادتك؛ فأنت لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرك... عادي فكثير من الرجال بهذه الصورة وزوجاتهم تتقبل هذا العجز اللساني وتتعايش معه.
تشتري لنفسك وتخصها بكل جميل وجديد وتراها بعينك تقتصد في مشترياتها وتعجبك قناعتها، ولا تحاول أن تهاديها أو أن تجبرها على الشراء؛ فإذا ما تجرأت وطرأ في الكلام ما يشير لذلك غضبت!!!
تقوم بمصروفات ابنتكما الصغيرة من رضاعة وطعام وملبس من راتبها الخاص... فإذا ما ورد ذكر ذلك عرضا في أي مناقشة أو حوار انقلبت رأسا على عقب، وبعد كل ذلك يا ولدي أنت من يشكو... وأنت من لا يشعر بالسعادة وهي تحيا بهدوء وتتأقلم مع كل متغيرات الحياة.
يا ولدي تحتاج إلى أن تكون ربان السفينة بحق فتقودها إلى الأمان والسعادة... وتهتم بكل راكب فيها قبل أن تهتم بنفسك لدرجة أن تنقذ الجميع قبلك وصدقني لو فكرت أن تعلم ابنتك وتربيها فلن تجد خيرا من أمها لتصبح مثلها.