"رفض الأهل يزلزل قرار الاختيار".. مشاركة
السلام عليكم ورحمة الله.. أسرة أكثر المواقع تميزًا، الأخ محمد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف.
أحب المشاركة في مشكلة: رفض الأهل وزلزلة قرار الاختيار، الأخ محمد لدي مشكلة هي طبق الأصل تمامًا لمشكلتك، ولكن يوجد اختلاف واحد وهو أن الفتاة محجبة، إضافة إلى أني في بداية مشوار غربتي لإكمال دراستي.
أنا أحترم كثيرًا رأي الموقع، ولكن لي رأي مختلف بالنسبة لي بعد أن حاولت إقناع أهلي بشتى الوسائل الممكنة، ولم أنجح في ذلك، قارنت بين أمرين أن أتزوج الفتاة التي اختارها عقلي وقلبي، لكن أهلي الذين لا أحبهم فحسب بل أعشقهم ولا أريد أن أحيد عن طاعتهم قيد أنملة يرفضون أو لنقل لا يحبذون هذا الارتباط، وبين أن أنسى هذه الفتاة مقابل رضا والدي عني الذي هو كنز لا يمكن التفريط به.
أخي محمد وقعت مثلك في نفس الحيرة ونفس القلق خاصة في شهور الغربة التي أقضيها حاليا، لكني تذكرت قول الله تعالى: {وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم} البقرة 216، وقوله: {وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}، أنا متأكد أن والديك يرفضون هذا الارتباط من منطلق محبتهما لك وحرصهما على مصلحتك.
صحيح أن قرار الزواج هو قرارك، لكني مختلف مع قول إخوتي الأعزاء في الصفحة لن أتزوج غيرها، وأنا متحمل نتيجة اختياري، أنا مدرك تمامًا أن الأمر صعب جدًّا؛ لأني أعيش حاليا المشكلة نفسها، لكن الله يختار الخير لعباده المؤمنين.
بالنسبة لي أركز حاليًّا في دراستي ومستقبلي، وبعد أن أنهي ذلك وكما فعلت أنت وإذا لم تكن فتاتي قد ارتبطت بأحد فسأفاتح أهلي وأناقشهم مرة أخرى، فإذا بقي الرفض قائما فأنا من وجهة نظري أفضل والدي على أي شيء آخر.
حاول أن تقنع أهلك بالمنطق خاصة إذا تحجبت فتاتك، وهي كما قرأت من رسالتك من جو مؤمن والحمد لله، وإلا فسأدعو الله لك أن يرزقك بالفتاة التي ترضيك وترضي أهلك وتكون لك سترًا وعونًا في الدنيا والآخرة، وفقك الله،
وأتمنى أن أتواصل معك، وإن شاء الله يوفقك الله للخير ويسدد خطاك، وينير دربك دومًا،
والسلام عليكم.
8/10/2024
رد المستشار
الأخ الكريم، نشكرك على إيجابيتك؛ فكل مساهمة منكم تفيدنا وتعيننا على مزيد من التوضيح ومزيد من التحاور ومزيد من المشاركة، ورسالتك تسلط الأضواء على قضية فيها الكثير من اللبس، وهي قضية الخلط في أفهامنا جميعا، سواء كنا آباء وأمهات أو كنا أبناء، بين الأمر الإلهي بوجوب بر الوالدين وتصور أن هذا الأمر ينطوي على وجوب الطاعة العمياء لهما. ففي فهمنا أن للوالدين أن يختارا لأبنائهما مجال الدراسة والعمل وشريك الحياة، وأن يفرضا اختياراتهما؛ لأنهما الأقدر على الاختيار والأعلم بما يصلح أحوال الأبناء والأكثر خبرة، وبالطبع فقد يكون للوالدين اعتباراتهما ورؤاهما وتصوراتهما وكذلك تقاليدهما التي لا تناسب الأبناء، فإذا حاول الأبناء ممارسة حقوقهم في الاختيار رفع في وجههم السيف المشهر وهو وجوب بر الوالدين والتهديد بعواقب عقوق الوالدين.
وهذا هو الشائع في فهمنا رغم أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أرشد الوالدين عن الأسلوب الأمثل في معاملة الأبناء فقال: "لاعبه سبعًا وأدبه سبعًا وصاحبه سبعًا، ثم اترك له الحبل على الغارب"، ورغم أن الثابت أن إحدى الصحابيات زوجها والدها بدون إذنها فجاءت لقائد هذه الأمة وقدوتها مستنكرة، ولم ينهها الحبيب المصطفى ولم يتهمها بعقوق والدها، ولكنه أتى بوالدها وأنكر عليه ذلك وطلب منه أن يطلقها إن أرادت، فمتى نفقه ونفهم سيرة الحبيب المصطفى، ومتى يطابق قولنا فعلنا ونحن ندعي ليل نهار أنه إمامنا معلمنا وقدوتنا، ورغم ذلك نمارس قمع الحريات ليل نهار، نمارس قمع حريات الأبناء والزوجات والمرؤوسين و... و...، متى ندرك أن الإسلام ما جاء إلا ليقر مبدأ الحرية والعدل؟!!
وبالطبع أنا لا أعني أن يخرج الأبناء رافعين راية العصيان على والديهم، ولكن ما أتمناه أن يكون لهم الحق في مناقشة أمورهم، وعلى كل طرف أن يطرح وجهة نظره، فإما أن يقتنع الأبناء، وإما أن يقتنع الوالدان، فإذا لم يفلح الطرفان في الوصول لنقطة اتفاق يكون الخيار لصاحب الشأن وهم الأبناء، فإما أن يضحوا باعتباراتهم الشخصية نزولاً على رغبة الوالدين.
وعلى الابن هنا أن يدرك أن التضحية غير مفروضة عليه حتى لا يظل العمر كله ينقم على والديه؛ لأنهما ضيعا من بين يديه فرصة السعادة، وإما أن يختار أن يتم الأمر حسب ما يراه هو على أن يتحمل نتائج وعواقب هذا الاختيار، وهذه هي الطريقة الوحيدة لبناء رجال (ولا أقصد هنا جنس الرجال بقدر ما أعني صفات وسمات الرجال) قادرين على حمل الأمانة والمسؤولية، وغير ذلك سيؤدي وينتج لنا أشباه رجال مترددين وغير قادرين على اتخاذ قرار في أبسط أمور حياتهم.
ويحضرني هنا قصة أهديها لك وللأخ صاحب المشكلة الأصلية، وهي قصة أحد الرجال جاء اختياره لشريكة حياته مخالفًا لاختيار والده، حاول بكل السبل أن يقنع والده باختياره، ولكن الوالد كان عنيدًا جدًّا في رفضه، حاول وحاول وحاول، ولكنه أبدًا لم يؤذ والده، وفي النهاية استعطفه أن يمنحه فقط موافقة وألا يحرم والدته وإخوته من مشاركته الفرح.
وبدأ الشاب حياته في ظل ظروف غاية في الصعوبة (وكانت عيشته رغدة ومرفهة في منزل والديه)، ولكنه جاهد وكافح كفاح الأبطال حتى يسير أمور أسرته الصغيرة في ظل الأنواء، لم يقطع والده أبدا رغم جفائه، ولم يتغير قلبه ولو للحظة واحدة رغم كل ما كان يعانيه من شظف العيش، وظل على هذا الحال والله يفتح عليه بابًا كلما ضاقت به الأبواب حتى جاء الفتح العظيم فرق قلب الأب لابنه ولزوجته ولحفيده ففاض من حبه ومن كرمه على أسرة ابنه، واجتمع شمل الأسرة التي حرص هذا الابن البار على أن تظل الوشائج بين أفرادها موصولة رغم كل الظروف.
والنظرة إلى مشكلة الأخ السائل وردنا عليه توضح أننا التزمنا بما نؤكد عليه دائمًا لكل السائلين والقارئين، وهو أننا لا نختار لأحد، وما نحاول أن نفعله دائما أن نرسم صورة متكاملة لكل الخيارات المطروحة أمام السائل، وعواقب كل اختيار وذلك حتى يتمكن من الاختيار على بينة، وكما تلاحظ فهذا الأخ رغم ابتعاده لسنوات عمن تعلق قلبه بها، ورغم اغترابه ومقابلته للكثيرات غيرها، فإنه ما زال يريدها، ولا يجد سعادته إلا معها، مع تأكيده على طيب منبتها وأصالتها.
وهذا بالنسبة لأخينا السائل، فماذا عن أهله؟ من الواضح أن مبررهم لرفض هذه الفتاة هو الحرص على ابنهم وذلك بالبحث عن أفضل الخيارات، وكل اعتراضهم على الفتاة نابع من عرف سائد (وهو أن فارق السن لا بد أن يكون لصالح الزوج)، وهذا العرف ليس له ما يسانده من الشرع ولا من التجربة الواقعية والتي تشهد الكثير من النماذج الناجحة لزيجات كان فيها فارق السن لصالح الزوجة، فهل يحق للأهل أن يجبروا ولدهم على التخلي عما يجد فيه سعادته ومن أجل سبب واه كهذا (ولاحظ أن فارق السن عام واحد فقط)، ولاحظ أن الأهل يريدون مصلحة وسعادة ابنهم من وجهة نظرهم، وأن الابن يجد سعادته في سلوك سبيل آخر.
فهل من الصواب أن نقول للأخ السائل اسمع كلام والديك بغض النظر عن اعتباراتك الشخصية، ويقدم هذه التضحية وهو غير مقتنع بها وغير مطالب بها (والشرع كفل للشاب وللفتاة اختيار شريك الحياة)، ويتزوج هذا الشاب ممن يختارها والداه رغم عدم اقتناعه بها، ويعيش العمر كله نادمًا على أنه ضيع من بين يديه فرصته الحقيقية للسعادة، ويظلم زوجته بالمقارنة الدائمة بينها وبين حبيبة القلب التي تخلى عنها تحت ضغط الوالدين، ويعيش منفصلا عنها فكريا ووجدانيا، ويظل يحلق في آفاق الخيال حالما بالطيف الجميل (وجماله وروعته تكمن في أنه طيف في الخيال) الذي ضاع من بين يديه؟
أم أن الأفضل أن نعرض الخيارات المختلفة، وعلى السائل أن يختار منها ما يناسبه، مع التأكيد على أهمية مراعاة عدم تجاوز الحدود مع الوالدين، والأخ السائل له أن يختار بين أن يترك هذه الفتاة إرضاء لوالديه، وذلك بالطبع بعد سلوك كل سبل الإقناع، وله أن يطلب منهم أن يمنحوه موافقة أو أن يخففوا من اعتراضهم، ولن يختار غيره؟ وأدعو الله أن يوفقه لحسن الاختيار، ومرة أخرى شكرًا لك، ولا تتردد في أن تتابعنا بالمشاركات.