السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أولا: أريد أن أشكركم على هذا العمل الرائع الذي تقومون به، والذي من خلاله يستطيع الشباب أن يعبر عما في نفسه من مشاكل وهموم.
أريد أن أعرف ما الحب الحقيقي؟ هل الحب هو عبارة عن تبادل مصالح أم هو شيء أكبر من ذلك لا يمكن تخيله؟ أنا أقصد الحب بجميع أنواعه، ومن خلال رؤيتي -ومن الممكن أن ينقصها الخبرة (عمري 19 سنة)- أن الحب هو مجرد تبادل مصالح أيًّا كان هذا الحب.
الزوج والزوجة.. يأتي الزوج لها بالمال والزوجة تقوم بخدمته، ثم يتبادلان الجنس سويًّا، وإذا قصر أحدهما فيما عليه تضجَّر الآخر.
الوالدان والأولاد.. على الوالدين الرعاية (بالطبع ينتظران أن يبلغ الأولاد الأشُد ليردوا لهما الرعاية)، وعلى الأبناء الطاعة، فإذا قصر أحد الجانبين تضجر الجانب المقابل.
حتى حب الناس.. معاملة جيدة انتظارًا لرد الجميل.
وسامحوني إذا تطاولت وقلت:
حتى العلاقة بين العبد وربه (أعلم أن الله هو الغني)، لكن هناك عبادة وكبح نفس مقابل جنة عرضها السماوات والأرض، ألا يوجد عطاء بدون أخذ، أم أن هذا خيال، أم أني تعديت حدود المسموح به، أم أن هذا كله يعود لما تأثرت به قبل؟ وعند بداية المراهقة كنت سريع التعلق بالآخرين، وأود عدم مفارقتهم.
بالطبع هذا شيء مستحيل بالنسبة لهم على الأقل، فشعرت أن هذا المسمى بالحب شيء من الضعف يجب التخلص منه، وأن العلاقة مع أي أحد يجب أن تكون مجرد تبادل مصالح.
أنا وحدي أشارك نفسي همومها، ولا أحب أن يتدخل أحدٌ فيما أعاني منه إلى أن وجدت هذا الطريق (مع العلم أني شديد التأثر بأي شيء.. دموعي أسرع مما يمكن تخيله، ومع هذا أستطيع أن أقول: لم يَرَ أحد من أفراد أسرتي دمعة واحدة ذرفت من عيني من قبل؛ فأنا أستطيع التحكم في مظهري أمام الآخرين إلى حين أخلو بنفسي فتنفجر عيوني بالدموع).
أرجو إذا تفضلتم وأجبتم لي عن سؤالي أن تكون الإجابة عقلية محضة، وشكرًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3/11/2024
رد المستشار
تسأل يا أخي: هل علاقة الحب هي تبادل مصالح؟
وأقول لك:
إن أي علاقة من أي نوع بين أي طرفين هي عبارة عن تبادل شيء ما، وإن لم يكن هناك تبادل فليست هناك علاقة!! حتى في علاقتك مع حوض الزهور في شرفتك... أنت تتبادل الاستمتاع بالرائحة والشكل الجميل مقابل الري والعناية.
وعلاقة الحب -كأي علاقة- هي عبارة عن تبادل شيء ما، وهذا الشيء الذي يتم تبادله يختلف من حب لآخر ومن شخص لآخر اختلافًا شاسعًا يضم مئات الصور والدرجات والأطياف.
طرفا العلاقة هما اللذان يحددان هذا الشيء الذي يتبادلانه، ويحددان أيضًا قيمته ومضمونه وعمقه حسب ما يرتضي كل لنفسه؛ لذلك ليست كل الزيجات كبعضها، وليست كل العلاقات بين الآباء والأبناء متطابقة، ولا العلاقة بين العباد الصالحين وربهم بنفس الدرجة أو الصورة... كل يصوغ بروتوكول التبادل على طريقته الخاصة، وحسب تصوراته وأسلوب حياته... أنت مثلا تنظر للأمور من وجهة ضيقة -أو ربما متشائمة- فترى أن هذا الشيء الذي يتم تبادله هو المصالح.
أنا أختلف معك يا أخي.. فأرى أن هذا الشيء هو الرسالة؛ فأنا عندما أحمل رسالتي في قلبي وعقلي كزوجة وأم وصديقة وكذلك كأَمَة خاضعة لله تعالى فإني أحب هؤلاء جميعًا، أحب زوجي وأولادي وبناتي وصديقاتي، وأحب ربي جل وعلا. ما أجمل أن يكون الحب هو تبادل رسالة سامية، وما أجمل أن يكون كل أخذ وعطاء في الحياة في إطار رسالة.
أنا أرى يا أخي أنك -في الحقيقة- أخذت موقفين من العلاقات الإنسانية:
الموقف الأول:
أنك وضعت كل هذه العلاقات تحت عنوان "تبادل المصالح".
الموقف الآخر:
أنك فصلت تبادل المصالح هذه عن المشاعر، فانعزلت بمشاعرك عن الآخرين، وفضلت أن تحزن وحدك، وتبكي وحدك، وتنسلخ بهمومك بعيدًا؛ فهل تسمح لي يا أخي بأن أصحح هذين الموقفين وأن أدعوك إلى:
أولا: استبدال كلمة "رسالة" بكلمة "مصالح".
ثانيًا: عدم فصل "الرسالة" عن المشاعر.
لماذا لا تتضمن علاقتنا القيمتين معًا: الرسالة والمشاعر؟
وحتى لا أطيل في الكلام النظري فإنني سأضرب لك مثالا واحدًا من ديننا العظيم عندما يتحدث عن "الصداقة" مثلا، وكيف اجتمعت فيها "المشاعر" مع "الرسالة"؛ فنجد أن الله تعالى يسميها "الحب في الله".
كيف يكون "حبًّا" -أي مشاعر- وفي نفس الوقت يكون في الله؛ أي رسالة. ونجد أن هذه العلاقة يباركها الله تعالى، فيتحدث عن المتحابين في الله، ويقول: إنهم يوم القيامة على منابر من نور، يغبطهم الأنبياء والشهداء، كما يقول إن محبته سبحانه وتعالى وجبت للمتحابين فيه، كما يبشِّر بأنهم أحد السبعة الذين يظلهم تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما يخبرنا سبحانه أن هناك ثلاثة يذوقون حلاوة الإيمان، ومن هؤلاء الثلاثة: المتحابون في الله.... هذا هو ما أدعوك إليه.
وهذا هو ما لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونه؛ أن يكون الحب -ذلك الشعور القلبي- مصونًا ومُحَاطًا بقيمة ورسالة من العقل والضمير، أو ربما العكس؛ أي أن تكون الرسالة مغلفة بسياج من الحب والعاطفة.
ربما تكون هذه المعادلة التي أعرضها عليك هي "الإجابة العقلية المحضة" التي طلبتها مني في السطر الأخير من رسالتك:
أن تقبل على الناس بعقلك وقلبك معًا.. فهذا هو الإنسان المتوازن.
إذا أقبلت بعقلك فقط فما أقبح الحياة عندئذ؛ حيث يشبه الإنسان الآلة أو الجماد!!
وإذا أقبلت بقلبك فقط فعندئذ أتفق معك أن الحب "ضعف" كما ذكرت في كلامك.
َ
أقبلْ بعقلك وقلبك معًا... وإن كان ليس عيبًا -بل إنه من الضروري- أن يخلو المرء بنفسه أحيانًا ليحاسبها أو يعاتبها أو يقوِّمها أو يعيد ترتيب أفكاره، ولا مانع أيضًا من أن يحتفظ ببعض همومه لنفسه، حتى لا يثقل على الآخرين إذا كان هذا الكشف عن الهموم يندرج تحت الفضفضة غير المستحبة، وذلك عندما يكثر المرء من الحديث عن همومه ومشاكله، ويعلن عن معاناته للقاصي والداني؛ وهو ما يوحي بسخطه على قَدَره وحظه، وشكواه من الله جل وعلا.
أقول: لا مانع -بل من الضروري- أن يكون هناك قدر من الخصوصية، ولكن هذا لا يعني أبدًا الانفصال التام عن الناس بمشاعرنا وأحاسيسنا وحتى مشاكلنا وهمومنا.
أعتقد أن السؤال الآن هو: كيف؟
وأنا هنا أقترح عليك اقتراحًا عمليًّا بسيطًا؛ هو أن تفهم العلاقات الإنسانية من خلال التطبيق العملي لذلك المعلم العظيم الذي عرفنا منه كيف يكون الحب رسالة ومشاعر.
هذا الرجل كان أفضل أب وأعظم زوج وأرفق أخ وأخلص عبد... ولقد حدثنا عنه الله تعالى فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه أفضل صلاة وأتم تسليم... وارزقنا صحبته في الفردوس الأعلى... آمين...
كيف كان يحب إخوانه ويمتلئ قلبه فرحًا بلقائهم ومجالستهم...
كيف كان يعلمهم ويرشدهم ويؤدي واجبه تجاههم حق الأداء؛ بداية من نداء كل منهم بأحب الأسماء إلى قلبه، ومرورًا بزيارة مريضهم وعون محتاجهم... وانتهاءً بالسير في جنائزهم.
ما أعظم حبه لخديجة؛ يعود إليها متلمِّسًا الأمان والحنان ويقول: "زملوني... زملوني"، فلا تبخل عليه بالتأييد والحب والعون، يقول صلى الله عليه وسلم: "آمنت بي إذ كفر بي الناس"، ويكرم صديقاتها حتى بعد موتها.
كيف كان صلى الله عليه وسلم يحب ربه ويخشاه ويرجوه ويشتاق لرؤيته... اللهم صلِّ وسلم وبارك على معلِّم الناس الخير.
أخي الكريم، تأمل حياة هذا الرجل العظيم... اقرأ عنها وتدبر... وأرجو أن تبعث إلينا بخواطرك بعد هذا التأمل. وأهلاً بك صديقًا للصفحة.
واقرأ أيضا:
عندما يصلح الحب يصلح السلوك!
سيكولوجية الحب: كان غيرك أشطر!!
خطة محكمة ما هو الحب؟!
ما هو الحب؟