السلام عليكم ورحمة الله،
جزاكم الله كل خير، وأعانكم على فعل مزيد من الخيرات.. مشكلتي هي مشكلة أغلب أفراد عائلتي، حيث نعاني من انعدام الثقة في النفس، وعدم القدرة مواجهة الآخرين إذا أساءوا إلينا، فجدتي وخالتي وأمي وأنا وأختاي الأصغر مني كلنا نعاني من نفس المشكلة، كما نعاني من الحساسية المفرطة. رغم أن أبي يملك ثقة قوية في نفسه، ولا واحدة منا ورثت هذه الثقة، على فرض أنها تورث في "الجينات".
منذ صغري وأنا أعاني من عدم الثقة في النفس، ظننت أنني عندما سأكبر ستختفي هذه المعاناة، لكنها ازدادت. كان احتكاكي من قبل فقط مع صديقاتي وزميلاتي في المدرسة، وكنت أظن أن الجميع أحسن مني في الدراسة، وفي الكلام وفي الجمال..
أما الآن فقد أنعم الله عليّ بالهداية فارتديت الحجاب، وأصبحت متدينة، ورزقني الله زوجًا رائعًا، وابنًا جميلاً، وعملاً. كما اكتسبت شيئًا من الثقة في النفس، فقد حقق لي ربي له الحمد والشكر كل ما تتمناه أي بنت في هذه الدنيا. لكن المعاناة ما زالت موجودة عند احتكاكي بالغير.
ففي عملي رغم أنني صاحبة العمل لا أستطيع مواجهة البنت التي تعمل معي إن أخطأت، أتكلم معها عن الخطأ حتى تتخطى حدودها، وعندما أتكلم معدتي تلتوي وتؤلمني، نبض قلبي يزداد، يحمر وجهي، تعرق يدي وجسمي.. فأكره نفسي؛ لأنني لا أستطيع أن أقول لها لماذا تأخرت مثلاً، لا أتحمل أن ترى ضعفي وتحس به. فأتغاضى عن عدة أشياء لكي لا تغضب البنت، المهم أني لا أغضب الناس المحيطين بي، رغم إساءتهم لي أو رغم تجريحي بكلمات مؤلمة، لا أرد لا أمتلك الشجاعة لكي أدافع عن نفسي.
عندما أتكلم مع شخص له ثقة في نفسه تتزعزع ثقتي، لا أتمكن من الدفاع عن رأيي رغم أنني متأكدة أنه الصواب، فأفضل السكوت وألا أدخل في الجدال، لكن المشكلة هي أنني أتعذب من الداخل. أما عندما تكون كلمات موجهة لي من شخص ما "من بين السطور" فلا أفهمها ولا أستوعبها بسرعة. أفهم أن الكلمات الناقدة أو الجارحة كانت موجهة لي بعد مرور الوقت، حينها لا أستطيع الرد أو الدفاع عن نفسي حتى إذا فهمتها بسرعة لا أتكلم، لا أملك الشجاعة، أقول مع نفسي لا داعي للنقاش الآن، نترك هذا المساء يمر بسلام. لكن ما إن أختلي بنفسي يبدأ العذاب وأقول ليتني قلت كذا وكذا، وألوم نفسي وأحطمها وأبكي لأنني أظن أنني بلهاء.
وإذا فوجئت بكلمة موجهة لي تختلط الأفكار في رأسي، يحمر وجهي وأتعصب وأتلعثم فأفضل السكوت لكي لا يحس الغير بأنني لا أثق في نفسي.. بالله عليكم ما هو الحل؟ كيف أستطيع أن أنظر في عيني البنت التي تعمل معي وأقول لها امسحي الغبار من فضلك، أو لا تتأخري عن عملك. هذه بعض الأمثلة فقط. فهذه معاناة جميع أفراد أسرتي، فجدتي انعزلت عن الحياة الاجتماعية؛ لأنها تتعذب أيضًا فهي تفضل المكوث في بيتها عن الذهاب لحفل عرس أو "عزومة" أو أي اجتماع به غرباء، وأجد نفسي بدأت أسلك طريقها.
إذا دخلت إلى مكان فيه أناس كثيرون أرتبك وأرتعش، ويحمر وجهي، فأفضل الدخول مختبئة وراء أمي، وألا أنظر إلى أحد، أدخل بسرعة متجهة نحو الكرسي الذي سأمكث فيه إلى حين ساعة الخروج. لا أتحمل أن أقف وسط الناس والجميع ينظر إليّ، أحس كأنني عارية وسطهم، فأتمنى أن أختبئ وراء شيء أو لا أذهب وأريح نفسي من العذاب.
كذلك أعاني من سرعة البكاء، فإذا جرحني أحد أبكي، ولا أستطيع التوقف، كلما ألمني أكثر كان البكاء أطول، فأحس كأنني طفلة صغيرة، مع أنني أم ويجب أن أكون قوية حتى لا يراني ابني ويصبح مثلي... فهل انعدام الثقة في النفس وراثي؟ أخاف كثيرًا أن يكون ابني مثلي، مع أن أباه ما شاء الله له شخصية قوية.
ما هو في نظركم حل مشكلتي؟
جزاكم الله كل خير.
1/11/2024
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
توحي النظرة الأولى لكلماتك بأنك تعانين حالة من "الرهاب الاجتماعي" والتي يمكنك مراجعة العديد من الروابط حولها من على صفحة الاستشارات تحت التصنيف: نفسي عصابي رهاب اجتماعي Social Phobia، وهي حالة عزيزتي تحتاج منك لمتابعة مباشرة مع مختص نفسي يدربك على التعبير عن نفسك، وقد تحتاجين لتناول بعض الأدوية إن كانت درجة معاناتك مرتفعة، وكلما أسرعت في طلب المساعدة كان وصولك للراحة التي تسعين لها أسهل.
من الغريب انحصار انخفاض الثقة حولك في الإناث ليس فقط في جيلك، ولكن لجيلين سابقين! وهذا في الحقيقة أمر لافت للانتباه.. فهل كان والدك صارمًا وشديدًا في التربية والتعامل، حيث تكون معاناتك نتيجة لعدم اكتساب مهارات التعامل المطلوبة، أو طرق التعبير "التوكيدية" بسبب التعرض للعنف الأسري أو الإساءة في الطفولة أم أنه كان جدك وهذه شخصية والدتك التي تعلمت أساليبها من والدتها ونقلتها؟ ولكن لو كانت شكواك بسبب سوء طرق التربية لا بد من التخلص من آثار هذه المرحلة وتعلم ما فاتك من خبرات ضرورية، ويمكنك طلب المساعدة من مختص لتعديل الأفكار اللاعقلانية من الحرص الزائد على رضا الآخرين، فلا أحد يستطيع عزيزتي أن يرضي جميع الناس مهما بذل وسعى.
وحتى يحين وقت ذهابك للمختص ابدئي بمساعدة نفسك بالتعرف على محتوى الأفكار التي تمنعك من التعبير عن عدم رضاك للموظفة لديك، فاسألي نفسك مثلاً ماذا سيحدث إن وجهت لها ملاحظة، وتدربي مسبقًا على عبارة تعبر عنك وكرريها، تكرارك لمثل هذه الجمل سيمكنك من توجيهها للموظفة. استخدمي إستراتيجية تعرف باسم "الحديث الإيجابي مع الذات"، عزّزي فيها ثقتك بنفسك وبقدرتك على المواجهة، واختاري في البداية مواقف بسيطة عبّري فيها عن نفسك وعن غضبك، ويمكنك نقلها تدريجيًّا إلى مجالات أوسع، ذكّري نفسك بتبعات تعبيرك عن نفسك.. فقولي مثلاً في أسوأ الاحتمالات ستترك الفتاة العمل، ويمكنك عندها توظيف أخرى قد تكون ملائمة أكثر، كرّري لنفسك أنك الآن كبيرة وراشدة لن يضرك لو غضب منك البعض.
أنت محقة في خوفك من نقل أسلوب تعاملك وتفاعلك لأطفالك، وهذا يزيد مسؤوليتك بضرورة تقويم هذا الجانب من شخصيتك وطلب المساعدة المباشرة، وهو الأفضل أو الاعتماد على نفسك في التدرب على زيادة ثقتك من خلال القراءة والتدريب الذاتي، فرغم ما تشيرين له من معاناة هناك إنجازات واضحة في حياتك قد تمكنك من حل مشكلتك إن كان يصعب عليك الوصول للمختص.
واقرئي أيضًا:
الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق الاجتماعي
النظريات المعرفية للرهاب الاجتماعي
احمرار الوجه بين الخجل والرهاب!
لينا واحمرار الوجه!
ملف تأكيد الذات
الرهاب الاجتماعي: سجن داخل النفس!