أريد أن أعرض لكم مشكلة في بيتنا؛ فأنا أعيش بعيدًا عن أهلي لظروف العمل (أنا في نفس البلد ولكن في منطقة أخرى)، والمشكلة أن أغلب من في البيت لديه مشاكل كثيرة جدا؛ حتى إني اكتشفت مؤخرًا أن نصف البيت يأخذون أدوية لعلاج الاكتئاب.
البيت يتكون من أمي وأبي وجدي وجدتي وأختي الكبيرة وأختي التي تليها وأنا أصغر واحد.
أعرض لكم الآن لمشكلة أمي العزيزة التي أصبحت في حالة سيئة من الاكتئاب، والسبب في ذلك الاكتئاب هم أفراد البيت كلهم أو معظمهم.
فبدءا من أبي الذي زهقت منه أمي بسبب بعض الشغلات (التصرفات) البسيطة، مثل أكله للثوم والبصل دائما، وبعض الشغلات الكبيرة التي عرفتها مؤخرا عن طريق أمي شخصيا، مثل أنه لم تحصل بينهما علاقة حميمة منذ 8 سنوات، علما أنها تبلغ الآن 45 سنة، وأبي في نهاية الخمسينيات.
أمي لم تعرف حتى الآن سببًا لهذا، وأعتقد أن المشكلة لا تتعلق بهذا السبب فقط، ولكن بشكل كبير لعدم وجود عاطفة بينهما بشكل قوي، رغم أن الظاهر لنا أن العلاقة جيدة، ويوجد هناك طلعات لنا وخروجات ولكن جذور العلاقة لا توحي بذلك.
حتى إن أمي لديها شبه يقين أن أبي متزوج بأخرى زواج مسيار أو ما شابه، والعلاقة الآن بينهما قائمة على أن أبي يوفر مصاريف البيت، رغم اقتدار أمي ماليا.
بالنسبة لأخواتي فأمي تحاول أن تقضي معهن الوقت، لكن الذي يحصل حقيقة أنها تنشغل أغلب الوقت بالمكالمات مع صاحباتها؛ ففي الأخير هي لا تجلس معهن وهن كذلك لا يجلسن معها كثيرا، وإذا ما جلسن معا يبدأ الحديث في المشاكل، وإلا فيجلسن فقط أمام التلفزيون بغير معنى.
حتى إني أجزم أن أمي تعاني داخل نفسها من عدم وجودها في حياتهن كقدوة؛ فهي-رغم أنها تملك صفات جميلة جدا كالكرم وحسن التعامل مع الآخرين والعطف على المساكين- لا تطبخ أبدا ولا تقوم بأي واجبات منزلية، حيث إنها غير ملزمة لوجود شغالة لدينا.
ولكني متأكد أن هذا الإحساس يراودها، بالإضافة إلى أنها قد أصبحت (رغم جمالها وأناقتها) سمينة وفقط تجلس أمام التلفزيون، يعني أكيد شعور بعدم تقدير الذات، وأمها وأبوها معنا في البيت قد أصبحا عبئا عليها، لكثرة طلباتهما ولشجارهما مع الشغالة والسواق دائما، وأمي برغم أنها اجتماعية جدا فإنها تأتي عليها فترات تبدو كأنها وحيدة وليس لها صاحبة حقيقية.
حاولت في فترات -خصوصا أوقات الإجازات- أن أقترب من أمي وأشاركها بعض الأنشطة كالرياضة، ومشاهدة أشياء مفيدة، وخصوصا في المواسم الإيمانية، وعند ذلك تتحسن أمي كثيرا وتصبح نفسيتها أحلى، وإيمانها أقوى، وإيجابيتها أعلى.
المشكلة أنها في كل مرة تفتر وترجع محبطة مكتئبة كما كانت.
أرشدوني ماذا يمكن أن أفعل لأساهم في تحسين وضع بيتنا الغالي؟
21/11/2024
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع وتمنياتي لك بالتوفيق.
رسالتك توضح بالتفصيل نظاما عائليا ليس بالغريب في المجتمع الشرقي. هناك الأب والأم والأطفال والأجداد في بيت واحد. هناك أيضاً نمط حياة لا يتذبذب كثيراً والأيام تمر بدون مشاكل كبيرة. لا توجد تحديات أو مسؤوليات تذكر تتحملها ربة البيت ومصدر الرزق هو رب العائلة. مثل هذا النظام العائلي يتميز بتصلبه ولا يتحمل أي تغيير. في نفس الوقت أعضاء هذا النظام العائلي يداهمهم الضجر بين الحين والآخر وذلك بدوره قد يدفعهم نحو استشارة طبية تنتهي بوصفة عقاقير مضادة للاكتئاب. العلاقة بين الزوجين في مثل هذا النمط لا يمكن أن تكون متألقة وخاصة مع وجود الأجداد في نفس البيت ودخول الأطفال سن البلوغ، فعدوى الضجر والفتور تؤثر بالتأكيد على الحياة، وربما هذا ما يفسر برود العلاقة الجنسية بين الزوجين أو في هذه الحالة نهايتها.
لم تذكر في رسالتك أي سلوك للأب يوحي بأنه إنسان متسلط أو قسري السلوك مع أفراد العائلة، وفقط تشير إلى تذمر الأم من أكل الوالد للثوم والبصل دوماً. عند هذا المنعطف لابد من الانتباه إلى عدم وجود ما يثير الريبة في سلوك الوالد، ورواية الأم روايتها هي فقط. ربما سبب فتور الوالد من العلاقة الحميمية هو موقف الوالدة منه وليس فقط شكوكها بأنه متزوج من امرأة أخرى سراً لسد احتياجاته الجنسية. ربما هناك الحاجة لأن تراجع الوالدة موقفها تجاه الوالد وتصحيح ما يمكن تصحيحه من أجل تألق علاقتهما الحميمية مرة أخرى. هناك أيضاً تفسير آخر وهو عدم اندفاع الوالدة جنسياً تجاه الوالد وهذا بدوره أدى إلى نهاية العلاقة الحميمية.
لا يستطيع الموقع إثبات أو نفي إصابة الوالدة بالاكتئاب، ولكن استعمال مضادات الاكتئاب بحد ذاته لا يساعد الحياة الجنسية وخاصة مع وجود اكتئاب طفيف لا يحتاج أصلا إلى استعمال العقاقير. هذه العقاقير هي لعلاج الاكتئاب، ولكن ما تفصل في رسالتك هو إصابة الوالدة بالملل.
لا يوجد أيضاً في رسالتك تفاصيل توحي بأن الوالدة ممنوعة من الاتصال بأصحابها وتغيير نمط حياتها. هناك الحاجة إلى تنظيم إيقاعها اليومي والأسبوعي وأن تبادر إلى تطوير العلاقة بينها وبين والدك. ليس هناك ما يمنعها من تنظيم طعامها وممارستها لتمارين رياضية خارج البيت. أحيانا الحديث مع معالج نفساني حول ضجرها وقلة اندفاعها وتصحيح ما يمكن تصحيحه بدون إسقاط اللوم على شريك حياتها. لا تستطيع أن تعالج اكتئابها ومللها، ولكن تستطيع إرشادها لأن تفعل ذلك بدون الاعتماد عليك.
وفقك الله.