الطلاق.. والفجوة بين الشرع والواقع..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد، فإنني أشكركم على هذا الموقع الرائع والملجأ الذي أقبل عليه عندما يضيق صدري "لأفضفض لكم" ولأجد الجواب الشافي بإذن الله.
أساتذتي الأعزاء، أنا صاحبة المشكلة التي بعنوان "الطلاق.. والفجوة بين الشرع والواقع" التي بعثتها لكم قبل أكثر من سنتين حيث كنت غارقة في بحر من المشاكل التي لم أجد لها أي مبرر أو هدف سوى تدمير حياتي.
وعندها نصحتموني أن أتقرب من والدي لعل وعسى أن يرق قلبه ويعود جسر المودة والتواصل الذي قطعه بيننا منذ سنين، وقد عملت بنصيحتكم (وكسرت نفسي) -اسمح لي بهذا المصطلح- اتصلت به هاتفيا وتوددت إليه وذهبت إليه وقبلته وصالحته وأهديته الهدايا وبت عندهم في بيتهم مع إخوتي وأخواتي الذين توددت إليهم من كل قلبي والله، وحسنت العلاقة بيني وبينه وبينهم حتى إن أخواتي صرن ينتظرن مجيئي بفارغ الصبر.
سافر أبي إلى قطر حيث إنه يعمل هناك مع إخوتي، بعدها جاءني شاب وتقدم لخطبتي وأنا حينها كنت أوافق على أي شاب دون أي شروط فقط لأتخلص مما أنا فيه. وبعثت لأبي وأخبرته بذلك ووافق في البداية، وبعدها وبعد أن فتح الشاب بيته وأثثه واتفقنا على كل شيء غيّر أبي رأيه بدون أي مبرر، وأخذ يعاملني معاملة سيئة جدا (عن طريق الهاتف حيث إنه مسافر) ورفض المجيء لكتب الكتاب، مع أننا كنا متفقين على ذلك، ورفض أن يكتب عمي كتابي، وعامل عمي (أخاه) معاملة سيئة حيث إن الولي في الزواج شرط في بلدنا، وعامل الشاب معاملة كلها استحقار وأخذ يطلب منه طلبات غير معقولة أبدا للتعجيز و"لتطفيشه" ورجع لعادته التي تعذبني.
(أبي وأنا أعرفه فهو كل همه الانتقام من أمي وأهل أمي) وعشت فترة لا أستطيع أن أصفها من الدمار النفسي والجسدي، وبعدها كتبت كتابي بنفسي بعد أن أصدرت المحكمة حكم نقل الولاية لسفره، وبعد أن عانيت معاناة شديدة لإصدار هذا الحكم، وتزوجت مع غضب جميع أهل أبي وحقدهم غير المبرر أبدا.
حالتي بعد الزواج
أنا كما أخبرتكم كنت أوافق على أي شاب دون أي شروط، وقد تزوجت بأرخص المهور بناء على طلبي؛ حيث إني خجلت جدا من تصرف أبي مع زوجي وأهله ولم أطلب أي شيء، مع أن هذا الشيء كان يحرق قلبي بصمت، فكم كنت أتمنى أن عيش كما تعيش كل عروس فترة خطوبة والفرحة الغامرة والسعادة بالزوج الذي تحبه.
نعم يا سيدي أنا تزوجت زوجي دون أن أكن له مشاعر الحب، فقد كنت أريد الزواج فقط، وبعد الزواج تعرفت على زوجي أكثر فهو عصبي للغاية ويضربني أحيانا عند تعصبه (مع إنه مش ناقصني هموم).
حياتي معه ليست سهلة فأنا أكابد كثيرا حتى أعيش وأربي طفلاي، ويشهد الله أنني أسعى لإرضائه ما استطعت، وها نحن نعيش في هدوء، لكن لا يوجد عندي مشاعر حب نحوه، وما يعذبني أكثر أن كثيرا من الشباب الممتازين دينيا وماديا تمنوني زوجة لهم، حاولوا قبل أن أتزوج طبعا التقرب مني بهدف الزواج إلا أنني كنت "أطفشهم" وأهرب منهم بسبب ظروفي الصعبة وخجلي منها، ومنهم ابن خالتي الذي رأيته قبل فترة مع خطيبته وهي تغمرها السعادة بقربه، ومن يومها وأنا أعيش في حزن واكتئاب، لدرجة أنني توقفت عن الأكل فأنا أعرف كم كان يرغب بي زوجة، لكنني ابتعدت عنه كثيرا، وصدقوني أني لم أكن أستطيع أن أعرض أحدا من هؤلاء لأبي ومنهم ابن خالتي الشاب الخلوق الهادئ، ولا أستطيع أن أعيش المعاناة التي أتوقعها من أبي حتى أتزوجه.
أرشدوني بالله عليكم ما العمل؟! فأنا كلما رأيت زوجين سعيدين أبكي بحرقة لحالي وعلى الطريقة التي تزوجت بها، وأبكي على قريبي الذي أضاعه أبي وحكم علي بزواج غير سعيد من شخص لا أشعر أبدا بأنني أحبه (زواج حزين).
يعلم الله يا سيدي أن نفسيتي محطمة، ولا أدري ماذا أفعل،
واعلموا أنه لا أحد يشعر بهذا الحزن العظيم في قلبي إلا الله وأنتم.
4/12/2024
رد المستشار
ابنتي:
تُرى من المسؤول عمّا وصلت إليه؟ وعلى من نلقي اللوم؟ وهل فعلا لا نستطيع التخلص من سلبيات التربية في الصغر أبدا وتظل عالقة في نفوسنا وعقولنا؟
كيف ذلك وقد تأدب بالإسلام شباب ورجال شبوا على العهر والفسق، بل الفجر والقتل، ثم تغير هذا في نفوسهم وصاروا رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
لا تقلقي أو يقلق سواك ممن يقرأ الرد، فأنا لا أنوي أن أدخل معك في درس وعظة، أنا فقط أضع خطا تحت نقطة أراها هامة وتساؤل أتمنى من صفحتنا العزيزة أن تطرحه فعليا كورقة عمل أو كملف للمناقشة لعلنا به نستطيع حل بعض المشكلات، ألا وهو إلى أي مدى يستطيع الإنسان إذا وصل إلى سن التمييز الفعلي وبداية النضوج الذي أعتبره يبدأ مع المراهقة ويتبلور تدريجيا حتى نصل للعشرين... أقول: إلى أي مدى يستطيع أن يرى حاله الحقيقي ويحاول إصلاح ما أفسدته الظروف أو النشأة أو التربية أو أيا كان السبب.. سواء طلاق أو جهل أو اختفاء لأحد الأبوين أو حتى محيط مجتمعي تحت مستوى الشبهات؟
ما هذا الذي فعلتيه بنفسك يا ابنتي؟ ممن كنت تنتقمين حين قررت الزواج من رجل لا تحبينه؟ رغم موقفي الثابت من العلاقات قبل الزواج من زمالة أو جيرة التي تجعل أصحابها يرتبطون ببعضهم البعض بالحب كما يسمونه... والذي أعتبره معصية لأن فيه تخطيا للحدود التي رسمها لنا الإسلام في العلاقات بين الرجال والنساء، لكني على العكس تماما لا أنصح فتاة أو شابا أن يتزوج من لم تستطع فترة الخطوبة أن تجعله قريبا من القلب بدرجة مقبولة، درجة تجعل صاحبها سعيدًا بالطرف الآخر ويتمنى التلاحم معه ومشاركته الأفراح والأحزان.
هل تزوجت فقط نكاية في والدك وأقاربه؟ لماذا؟ وأنت تقولين إنه حين تقدم لك هذا الشاب كانت علاقتك طيبة بأبيك الذي يعمل في قطر وإخوتك؟ لماذا طبقت عليه فكرتك (أتزوج لأتخلص مما أنا فيه)؟! وما الذي أنت فيه إذا كانت دنيا أهلك بدأت تبتسم وأصبحوا ينتظرون مجيئك؟! ثم أين كانت أمك التي تحبك وتحميك وضحت بحياتها من أجلك؟! كيف لم تنصحك برفض العريس؟! أين أقارب أمك؟! أليس لك خال؟ زوج خالة؟
أبوك لم يحكم عليك بالزواج غير السعيد، بل أنت من حكمت به على نفسك.. لقد قبل والدك العريس مبدئيا حين حدثتيه عنه، ثم عدل عن موافقته ليس نكاية ولا انتقاما بل حين اكتشف أنه لا يصلح لك زوجا، وأنت تمسكت به وأعلنت الحرب على أبيك، وحاول أبوك أن يجعل الشاب هو من يتركك بتعجيزه كما تقولين، فقمت أنت غير مشكورة بترخيص نفسك وتنازلت عن حقوقك بنفسك، ثم ختمت الأمر بقضية أخرى على أبيك، وكأن البحر كان ينقصه جدول.
ابنتي، أنت المستجير من الرمضاء بالنار، ولذلك تساءلت على من تقع مسؤولية ما آل إليه حالك؟
رغم نصيحة د. سحر طلعت لك في إجابتها على رسالتك الأولى فأنت لم تفهميها ولم تقرئيها، وكل ما لفت نظرك أنه عليك أن "تكسري نفسك" وتعتذري لأبيك، مع أنها قالت وبكل وضوح وأشارت بما لا يجعل هناك مجالا للشك أن أمك رغم كل صفاتها العظيمة قد زرعت كراهية أبيك والشك فيه وفي نواياه تجاهك بداخلك... وفي هذه الإشارة دعوة من الدكتورة سحر لك لمراجعة تصرفات والدك معك من منظار آخر غير منظار أمك.
ولقد أثبتت الأيام أنه لا يتصرف معك من منطلق النكاية بك وبأمك؛ فلقد ثبت أن اعتراضه هو وأقاربه على العريس الذي تزوجتيه كان في محله.
لقد أحرقت كل سفنك يا ابنتي ولم يتبق لك سوى سفينة الزوجية، ربما عمك يستطيع أن يشكل لك دعما بما أنه كان وليك في الزواج، لا يجب أن تتقبلي الضرب بكل هذه البساطة، ليس من حق الرجل أن يمد يده لضرب امرأته، هذا ليس في ديننا الحنيف، وبما أنك قطعت كل الحبال بينك وبين أبيك فليس أمامك سوى هذا العم... حاولي أن تجعليه أهلك وسندك وعزوتك ليخبر زوجك أنه لن يقبل منه أن يضربك أيا كان السبب.
فإن لم يفعل عمك ذلك -وأنا أتوقع منه هذا الرفض- فليس هناك من يقبل فكرة الدخول في مشاكل وتحمل مسؤولية خلافات بين زوجين بهذه البساطة إلا الأب والأم.... عموما إذا لم يقبل أن يساندك في طلبك هذا فقفي مع زوجك وقفة في وقت يكون فيه هادئا ولطيفا واشرحي له عدم جواز ما يفعله بك.
آتي للنقطة الأخيرة وهي بكاؤك كلما شاهدت زوجين سعيدين.
عليك يا ابنتي أن تحاولي أن تحبي زوجك، أو على الأقل انظري إلى جوانبه الإيجابية، انظري إلى صفاته الطيبة ومن المؤكد أنه يحمل بعضها، وحاولي شغل نفسك في عمل أو في خدمة المجتمع أو حتى في دراسة ولو من على الإنترنت، وركزي في حسن تربية أبنائك، وحافظي على حبهم لأبيهم حتى لا تتكرر المأساة، وأبشرك بأنك ستنالين ثواب قطع الدائرة المفرغة من السوء والإساءة في هذه الأسرة.