السلام عليكم ورحمة الله
سيدي الفاضل، لعل مشكلتي هي مشكلة تخص الكثيرين في المجتمع، فنحن الشباب في سن تحت العشرين يَنظر إلينا الجميع من حولنا ـ إذا لمّحنا بالرغبة بالزواج في هذه السن ـ نظرة ازدراء واحتقار وقصور في العقل والعاطفة، بل إننا نتجاوز حدود الأدب والحشمة بالمطالبة بحق مشروع، بل هو مستحب، كما قال صلى الله عليه وسلم "… من استطاع منكم الباءة فليتزوج…"، وإذا تكلموا لم يتكلموا إلا تجسيمًا للصعوبات وتهويلاً بهذا الأمر، ثم يشعرونك بأن طلبك هذا لن يتحقق دون تجهيز بيت كامل بمفردك بكل المستلزمات قاطبة (وكذلك الكماليات)، فهل هذه هي الباءة التي قصدها نبينا الكريم –صلى الله عليه وسلم-، كل هذه الصعوبات للزواج في تزايد.
والفساد والرذيلة في انتشار متضخم؛ حيث إنني ما أطلب الزواج إلا رغبة في الإحصان والاحتراس من الوقوع في الحرام الذي بات سهل المنال لكل راغب ولكل ضعيف إرادة، فإلى متى سننتظر بهذا الحال؟ وما يضمن لنا ألا تأتي ساعة شيطان ونقع في الحرام ونكون قد خسرنا كل هذا التحفظ؟
علمًا بأننا في حالة مادية متوسطة، بل هي فوق المتوسطة أيضًا؛
فأرشدوني وفقكم الله.
13/12/2024
رد المستشار
الأخ الفاضل، لو تتابع إجاباتنا السابقة فستجدنا قد تناولنا هذه المسألة مرات ومرات، والنفس إن لم تشغلها شغلتك، وإن لم تستعن عليها بالصحبة الصالحة غلبتك بأفكار الرغبة المشتعلة.
يا أخي الكريم، الباءة هي الاستطاعة، وهي نفسية ومادية، واجتماعية أيضًا، ولقد حدثت متغيرات عديدة في مجتمعاتنا جعلت هذه الباءة تتأخر، فمن ناحية تجد العمل والكسب قد أصبح مرتبطًا بالتعليم النظامي: الثانوي ثم الجامعي "غالبًا"، خاصة بالنسبة للطبقة المتوسطة. ومن ناحية أخرى أصبحت "سنوات المراهقة أطول، فالفترة الفاصلة بين البلوغ الجنسي والنضوج النفسي أصبحت أكبر؛ ولذلك أصبح من "النادر" أن تجد شابًا –تحت العشرين- يتمتع بصفات الرجولة من نضج، وتحمل مسؤولية، وقدرة على إدارة بيت. ونفس الوضع بالنسبة للفتيات، فيعز أن تجد من لديها المهارات والاستعدادات للقيام على شئون أسرة، ورعاية أطفال.
وهذا يا أخي، هو سر نظرة الازدراء والاحتقار –كما أسميته- التي تراها في أعين الكبار حين ينطرح موضوع الزواج المبكر "تحت العشرين" هل يعني هذا أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان؟!
أبدًا، ولكن الأمر يحتاج إلى جهد كبير لتصحيح هذه النظرة، وتغييرها بالفعل قبل القول، حين يرى الآباء والأمهات أن الأبناء والبنات قد صار لديهم ولديهن من النضج، وتحمل المسؤولية، والاعتماد على النفس ماديًا ومعنويًا ما يغري بالتفكير في تسليمهم زمام أنفسهم، ومساعدتهم في تكوين أسرهم الخاصة بهم.
قلنا مرارًا: إن الحياة ليست جنسًا فقط، وإن أنشطة الحياة جميعًا من إبداع وتفوق تفتقد للشباب الصالح الذي يشغله جانب الشهوة عن بقية الجوانب.
وقلنا ونكرر: إن الزواج ليس شهوة تُلبَّى، ورغبة تُسَد فقط، ولكنه نظام متعدد التبعات، ثقيل المسؤوليات فماذا أعددت له؟!
وماذا أعد شبابنا الذي يريد الزواج ليعف نفسه؟! نسأل من يريد الزواج: ماذا لديك من متطلبات الزواج؟! ومتطلبات الزواج كثيرة أسهلها النواحي المادية.
أخي الكريم، عندما يكون شباب هذه الأمة رجالاً بحق، والرجولة ليست خشونة صوت، أو شاربًا في الوجه، عندها سيفرضون –أدبيًا- على المجتمع أن يحترمهم ويغير من نظرته لهم، فقل لي بربك: ماذا يفعل شبابنا ليمتلك العقل الراجح، والثقافة الواسعة، والشخصية الناضجة، والمهارات الأساسية التي يتطلبها الزواج فيطالب بها؟!
أذكرك أيضًا أن صعوبة الزواج المبكر لا تبرر لأحد الوقوع في الحرام، وإن كانت طبعًا تكون من دوافعه، ولكن الحرام يظل حرامًا، والله أعلم.
واقرأ أيضًا:
معنى الباءة
الزواج للجميع: الفكرة... الجمعية... التكاليف