الزواج من ملتزم.. هي تسأل ونحن أيضًا
بسم الله الرحمن الرحيم،
الإخوة الأفاضل.. بداية، فإني أشكركم على هذه الجهود العظيمة، ووفقكم الله لكل الخير.. ما أود المشاركة فيه صراحة شيء قد يعجب منه القارئ وهو أني أضم صوتي لصوت أخواتي المغتربات في مشكلة الزواج من ملتزم، ونحن نبحث عن ملتزم كذلك، ولكننا لسنا في بلاد الغربة، بل في بلد عربي، المشكلة ليست في عدم وجود الملتزمين، بل على العكس فهم موجودون والحمد لله، ولكن المشكلة تكمن في توجه هؤلاء الملتزمين، فهم يبحثون عن فتاة بشكل معين، فيجب مثلاً أن تخضع الفتاة لمواصفات معينة، وبعدها قد ينظر لدينها، أو أنه يريد أن تكون الفتاة بتلك الصفات بالإضافة لتمتعها بالدين والالتزام، وما نلاحظه أن سن الزواج ارتفع لدى الشباب الملتزم ليس بسبب ارتفاع المهور، لا بل بسبب هذه التوجهات، حتى إن الشباب وأمهاتهم لا يراعون ذلك،
فلقد حصل معي ومع إحدى أخواتي (صديقتي) أن جاء أحدهم ليراني بعد العصر، وفي المساء ذهب ليرى صديقتي! أهذا يعقل؟! لا أعرف، ألم يكن حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- واضحًا؟ ألم يقل: اظفر بذات الدين تربت يداك؟ هذه المشكلة ليست في بلد غير مسلم أو مسلم.
فيا أختي الألمانية والأمريكية و... هذه المشكلة نواجهها حتى في بلادنا المسلمة التي تحمل ثقافة كذلك ... فليتكم إخواني توجهون كلمة لهؤلاء الشاب، وأود أن أقول: إنني لم أرسل هذه المقالة بحثاً عن زوج بقدر ما هي كلمة نوجهها لإخواننا الملتزمين.
14/12/2024
رد المستشار
الأخت الكريمة، وكأن البحث عن زوج قد صار عيباً!
يا أختي، يطلق البعض على هذا العصر الذي نعيشه عصر "ثورة الاتصالات"، ويُطلق عليه آخرون عصر "ثورة التطلعات".
وأصدقك القول: إنني أتأمل كثيراً في أفعال المسلمين وأقوالهم، وتنوع تطبيقهم لتعاليم دينهم، وتفسيرهم لتوجيهات القرآن، والرسول القدوة -صلى الله عليه وسلم- فأرى عجباً: متناقضات، وسوء استخدام للنصوص، وسطحية، وشكلانية أحياناً في مقابل تأويلات باطنية أحياناً أخرى، وتطلعات مادية تلبس أقنعة دينية، وأطروحات دينية لتبرير مشكلات نفسية.. وهكذا مما لا يخلو منه أتباع دين أو مجتمع إنساني. "بالمناسبة" كل المسلمين يقولون: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه.." فهل تبحثين وأسرتك عن دين الشاب الذي يتقدم لك، فإن كان فاضلاً صواماً قواماً قبلتموه، ولو كان لا يملك إلا خاتماً من حديد؟!
قد يقول قائل: مطلوب الحد الأدنى من الماديات، وهذا الحد الأدنى قد يبدو نسبيًّا و"مرناً" من بيئة إلى بيئة، ومن أسرة إلى أسرة، والأمر نفسه ينطبق على الجانب الآخر؛ حيث كل المسلمات يقلن: "تنكح المرأة لأربع... ويتساءلن أين: فاظفر بذات الدين تربت يداك؟!
ولا أدري ما هو تعريفك وتصورك لمن يمكن أن نصفها اليوم بأنها "ذات الدين"؟!
إنها معايير دقيقة، وفروق يدركها الحكماء من الناس بعقولهم وقلوبهم وضمائرهم، والذين يتجاهلون صوت العقل والقلب والضمير يدفعون الثمن انهياراً في الأعصاب قبل الأسرة، وتعاسة في البيت بل في الحياة، والذين يكذبون على أنفسهم، ويقلدون – ربما – غيرهم، ويتطلعون في غير اتجاه القيم المستمدة من الفهم العميق لتوجيهات الإسلام يحصدون الألم والندم.
أنا أترك لتجارب زوار هذه الصفحة أن تشرح لك أن واقع المسألة ليس بالبساطة التي تعرضينها، وإن كان هذا لا يلغي ثبات المبدأ في أن الدين بالمعنى الواسع الشامل ينبغي أن يكون أساس الاختيار في إقامة العلاقات الاجتماعية جميعًا، وليس الزواج فقط.
وأترك المجال للمستشارة أ. سمر عبده وأحسب أنها تحاول بلورة خبرة صادقة ومتوازنة في الموضوع محل النقاش:
الأخت الفاضلة، أنت تثيرين مشكلة حقيقة تشمل المسلمات شرقاً وغرباً، وقد يكون أحد أهم أسباب تلك المشكلة أننا نعيش لحظة انتشار الثقافة الغربية التي تضع الجسد ومعاييره فوق الدين والأخلاق حيثما ذاعت وحلت، وتلك الثقافة تؤثر على عقولنا واختياراتنا بشكل كبير حالياً.
ولكن دعيني أتوقف عند الحديث الشريف "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". فهذا الحديث رغم وضوحه يفسره الشباب والفتيات كل حسب هواه: فبعض الشباب الملتزم يرى في الحديث مرغبات النكاح من جمال وحسب ونسب ودين، فحينما يختار يبحث عنهن جميعاً، وكان أولى بهؤلاء أن يفهموا مقصد الحديث بأن السعادة في الدنيا والآخرة لمن يظفر بذات الدين.
أما عن البعض الآخر من الملتزمات: فلا يدركن من مرغبات النكاح في الحديث إلا "فاظفر بذات الدين" وأغفلن مرغبات النكاح الأخرى من "جمال، وحسب، ومال.." فلا تحاول كل واحدة أن تصلح من شأن نفسها، أو تعد نفسها كزوجة وأم، فمع الأسف الكثيرات من الملتزمات لا يعرفن من أمور النساء شيئًا، لا تعرف الواحدة منهن كيف تحسن التزين لزوجها!! أو كيف تحسن معاشرته!! ولا كيف تدير منزلها وتدبر شئونه!! أو كيف ترعى أبناءها وتقوم على تربيتهم!!
يا أختي، الجمال يمكن إدراكه بحسن التزين، والمال يمكن إدراكه بحسن التدبير، والحسب يمكن إدراكه بالبر وصلة الرحم والاعتزاز بالأهل. والدين أن تحققي كل ما ذكرنا، وتخلصي فيه النية لله، وهذا هو حسن التبعل للزوج.
يا أختي، "ذات الدين" هي التي تجتمع فيها مرغبات النكاح بحسن إيمانها وتقواها وتطبيقها الفعلي لكل ما حفظته من القرآن والسنة. فالدين ليس صلاة وصومًا وأذكارا ودعوة عامة فقط، وإنما هو حياة كاملة، والحياة فيها الحزن والفرح، وفيها الطبخ والغسل، كما فيها الحب والمعاشرة، و"ذات الدين" ماهرة أو على الأقل مجتهدة في هذا كله بدافع من دينها وتقواها.
أقول لك: مع كل الأسف من خلال خبرتي بالمشاكل الزوجية وجدت هناك نسبة لا يستهان بها ممن حرصوا على الزوج بذات الدين لم يجدوا بعد الزواج زوجات يعرفن عن الدين إلا أقل القليل، ولا يعرفن عن الدنيا وشئون الأسرة شيئاً؛ فهل حقاً هؤلاء ذوات دين؟؟
يا أختي، أنا لا أعمم في وصفي للملتزمات، وأنا لست متحاملة ولكن يهمني أن ألفت نظر النساء والملتزمات لأمور غابت عن الكثيرات منهن، انشغلن بالعلم الشرعي واعتقدن أن هذا وحده هو الدين، وأن ما دون ذلك هباء لا يلتفت إليه!! لذا أقول لكل ملتزمة: أعدي نفسك لتكوني زوجة صالحة حقًّا، ولا تغلبك المتبرجة السافرة حين تجيد فنون الحياة وأنت تجهلينها.
أختي الكريمة، إذا قلنا للشباب عليك بذات الدين فينبغي أن نكون نحن النساء فعلاً ذوات دين بالمعنى الذي شرحته، أما الشباب فأطلب منهم الرجوع لمقالة "جمال مارلين مونرو وزهد رابعة العدوية" للدكتورة نعمت عوض الله، فأحسبها كافية وكوني على اتصال مستمر بنا.