بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وبعد، أنا شاب متزوج منذ سنتين، ورزقني الله بطفل هو الآن كل حياتي، مشكلتي تتلخص مع زوجتي حيث إنها شخصية طيبة جدًّا إلى درجة عدم النصاحة، مشاكلي دائمًا معها على نظافة البيت وترتيبه ووضع الأشياء في أماكنها، ظننت في أول الزواج أنها طباع وستتغير، ولكن الأمر أصبح الآن مشكلة؛ فلم تتغير، وتتصرف بعض التصرفات غير المرضية بالنسبة إليّ، وهي تشعر أنها لا تفعل شيئًا.
فهي مهملة في أكلها وفى طعام ابنها، وأصبحت غير محتمل لتصرفاتها، تحدثت مع خالها عن هذه المشكلة؛ فأبدى لي أنه لا يرى مشكلة، وأصبحت لا أجد أحدًا يوجهني؛ ماذا أفعل معها ومع تصرفاتها مع أني حاولت معها الكثير من توجيه ونصح وهجر ولا فائدة؟ كما أن أعصابها في منتهى البرود، ودائمًا شاعرة أنه ليس هناك مشاكل وأنني أنا الذي "بتلكك" وأصطنع المشاكل.
هذا جزء من المشكلة بقية المشكلة أني ساكن في بيت أهلي في شقة منفصلة، ودائما لا تُشعر أهلي باهتمام، تنزل وتجلس عندهم كأنها ضيفة، لا تعاون والدتي في عمل البيت، رغم أن أمي لا تطلب منها هذا، ولكن زوجتي لا تشعرها بأنها تريد معاونتها، منذ فترة والدتي تشكو من آلام بالظهر وفى قدمها، والمفروض أن زوجتي في هذه الأيام تساعدها وترعاها وخصوصًا أننا نسكن معهم في نفس البيت، ولا يسكن معنا أحد آخر، وأنا أقضي معظم وقتي خارج المنزل لظروف عملي، ولكني دائمًا أتابع زوجتي وأسألها: هل ساعدت أمي؟ فتكون الإجابة بنعم، ولكني أشعر بداخلي أنه ليس هناك مساعدة، وإن كان هناك مساعدة، فهي مساعدة لا تذكر، أدخل عند أمي في شقتها فأجد أبي ينظف الصحون في المطبخ، مما يثيرني ويغضبني، ولكن حجة زوجتي أنها تعرض عليهم المساعدة، ولكنهم يرفضون ويقولون لها: لا؛ من أجل ابنك الصغير.
وفي يوم ومع شدة ألم قدم والدتي، وجدت أبي غضبان، ويريد ألا ننزل أنا وزوجتي عندهم، ولا نجلس معهم، وسألته عن السبب فقال لي: اعتبرونا سكانًا، وكل واحد في حاله، ورفض أن يبلغني السبب، ولكني كنت أشعر بالسبب، ألا وهو زوجتي وعدم تعاونها مع والدتي في هذه الظروف المرضية، سألت والدتي: لماذا يفعل ذلك معي على غير العادة؟ فقالت لي: لا أعرف انتظره حتى يهدأ واسأله؛ سألت زوجتي عن السبب، لماذا يفعل ذلك؟ هل حدث شيء بينكم وأنا في العمل؟ فقالت لي: لا، لم يحدث شيء، ومضى أسبوع ونحن على هذا الحال، لا أحد منا يكلم الثاني، أصبحت ضائق الصدر من البيت، لا أطيق دخوله، ووالدي ووالدتي متأثران من ناحيتي، وأصبحت محبطًا، وغير قادر على التركيز في عملي، وسمعت والدي يتحدث مع أحد أقاربنا في التليفون عن هذه المشكلة، وأن زوجتي لا تشعر بهم، وأن أم زوجها مريضة وتحتاج لمساعدتها، وأن زوجها ـ يقصدني ـ ليس عندي نظر، وإني لا أوجه زوجتي لهذه المسألة، مع أني والله دائم التوجيه لها.
أصبحت أكثر ضيقًا من زوجتي، لا أريد التحدث معها، ولا الجلوس معها غير أن هذا الإحساس معي منذ فترة طويلة، ولكنه زاد في هذه الأيام، هذه مشكلتي التي هي كل شغلي الشاغل هذه الأيام، أرجوكم كونوا عونًا لي في حلها؛ لعل الله يفرج كربي على أيديكم، وجزاكم الله خيرا.
19/12/2024
رد المستشار
أخي الكريم، قبل أن أتحدث إليك عن تفاصيل مشكلتك، دعني أنبهك إلى بلوى قد شاعت في بنات ونساء اليوم، في الماضي - وحتى وقت قريب – كانت الفتاة تتلقى تدريباً متدرجاً ومنتظماً في بيت أسرتها على كيفية رعاية شئون بيتها حين تتزوج، ثم في مرحلة تالية كان هذا التوجيه هو مهمة مشتركة بين البيت والمدرسة عبر مادة وحصص كانت تسمى "التدبير المنزلي"، ثم تاهت هذه القضية وسط الفوضى الاجتماعية، والقصور التربوي الذي يسود حياتنا، وأصبحنا أمام أجيال كاملة من البنات لا تستطيع حتى أن تجهز كوبًا من الشاي، ولا تدري من فنون الطهي والرعاية شيئًا، والأدهى أنه قد سيقت مبررات كثيرة؛ لتكريس هذا واستمراره، ومن هذه المبررات ما توسل بالإسلام نفسه فقيل: إن المرأة ليست مكلفة بالخدمة في بيت زوجها، وإن من واجبات الزوج أن يحضر لها من يقوم بهذه الشئون... إلخ.
وكان هذا من قبيل الحق الذي يراد به باطل، فمع تسليمنا بواجب الزوج "القادر" في أن يكفل من تعين زوجته أو تقوم عنها أو معها بشئون بيتها، أي أن هذه ليست القضية محل التناول، إنما القضية في أن الزوجة أصبحت لا تعرف، أو لا تستطيع أن تقوم بشئون بيتها، حضر الخادم أو غاب، وهذه طامة تنضم إلى بقية الطامات التي نعيشها.
المهم أردت أولا أن أقول لك: إن العيب الذي تشكو منه في زوجتك هو أكثر انتشاراً مما تظن، وبعض النساء يتداركن هذا سريعاً بالتدريب والتعلم؛ لتصبح في شهور معدودة على خير ما يرام، وبعضهن يتأخر في اللحاق بركب "الأمهات الماهرات"، ويبدو أن زوجتك من النوع الثاني رغم أن سنتين ليستا بالزمن الطويل، وتتفاقم المشكلة حين تتناقض الطباع: ففي الوقت الذي تبدو فيه غير منتبهة لتقصيرها، تبدو أنت متعجلاً في علاج هذا القصور إلى الدرجة التي خلطت معها بين حقوقك عليها، وواجباتك تجاه أهلك، زوجتك يا أخي، ليست مكلفة شرعاً ولا عرفاً بخدمة والدتك المريضة، أو والدك كبير السن، وإذا قامت بهذا فإنما تقوم به تفضلاً منها، ومن قبيل التعبير عن حبها لك، وبالتالي رعايتها لمن تحب أنت، ويجب عليك برهما.
ولقد كنت مبالغاً في طموحك وتطلعاتك حين ظننت أن زوجتك ستكون في عون والدتك ووالدك، وهي الخائبة في بيتها!!
وكننت مخطئاً حين ظننت أن اللوم والهجر يصلحان من هذا العيب الذي تبدو فيه زوجتك ضحية لتربية قاصرة، كما تبدو فيه مستسلمة لبلوى شائعة.
وإقامتك في شقة بمنزل واحد مع أهلك لها ميزاتها كما أن لها عيوبها، وأعتقد أن والدك كان حكيماً حين لم يشكُ إليك مباشرة مما يراه تقصيراً من زوجتك تجاهه، وتجاه والدتك، ويستحق مثل هذا الوالد التحية على أنه ـ كما يقول زميلنا وليد ـ لزم الصمت، وعندما أوشك على الانفجار أغلق الباب دونكما حتى لا تؤذيكما الشظايا.
يا أخي الكريم: رفقاً بنفسك وبزوجتك، وعليك باتباع التالي:
(1) اجتناب اللوم، والعتاب، والنصح المباشر الذي يشبه الأوامر في الثكنات العسكرية، واستبدل بهذا التشجيع والثناء على الإيجابيات، ولو كانت بسيطة، وتذكر أن المديح والشكر من الزوج هو روح الحياة الزوجية السعيدة، وقليل منا يفعله، والمرأة غالباً لا تحب ولا تتقبل التوجيه أو النصح المباشر من الزوج لها ولو كان حقاً، هل أبالغ إذا قلت: إن كل البشر هكذا؟!
(2) كن محدداً في طلباتك، متواضعاً ومتدرجاً في طموحاتك، ولكن متعاوناً معها في تنظيم وقتها، ورسم خطط مناسبة لأداء المهام المطلوبة، ولا تنس دوامًا التشجيع والشكر.
(3) كف تماماً عن هجرك ولومك وعدم جلوسك أو تحدثك معها، فلن يؤدي هذا إلا إلى المزيد من التقصير علاوة على شعور متزايد بالظلم من طرفك، وضياع للقضية الأساسية في غمار الشكوى من فتور الحب، وجفاف المشاعر، وتذكر أن الإنضاج يحتاج إلى لهب، وكلما زاد حبك لها، وتعبيرك عن هذا الحب كان ذلك أدعى لتمام نضجها، وتغيرها إلى الأفضل.
(4) بالنسبة لرعاية والدتك ووالدك، فيمكنك أن تحضر لهما من يقوم على شئونهما - ولو لبعض الوقت – بأجر تدفعه لترفع عن نفسك الضغط النفسي، والشعور بالذنب، وترفع الحرج عن زوجتك حتى ينصلح حالها، وتنطلق كما تطمح.
(5) ليس عيباً أن تساعد في المنزل على قدر وقتك، فحين تغسل أنت الصحون بدلاً من والدك، أو تخدم والدتك في مرضها فإن هذا لا يعيبك كرجل، وكان الرسول الأعظم في خدمة أهله، وسيكون هذا أدعى إلى أن تقوم به في منزلك أو منزل والدك، ويشيع في الرجال شيء من التعالي عن هذه الأمور رغم أن قدوتنا في النبي الكريم كانت على خلاف هذا.
(6) من حسن التوجيه غير المباشر أن تصطحب زوجتك لمنازل الأسرة والأصدقاء لترى بنفسها – دون توجيه منك لو سمحت – كيف حال النساء في بيوتهن؟!، وربما تجد حولك من تستطيع أن تكفلها لخدمة البيت، أو من يمكنها أن تكون لزوجتك بمثابة المرشدة الأمينة إلى مهارات البيت والأسرة.
وأخيراً أنتهز الفرصة للتذكير بأن مهام البيت والأسرة ومهارات القيام بواجبات الأبوة والأمومة هي مسألة لا تأتي اعتباطاً أو مع الزمن، ولكنها تحتاج إلى تعلم وقراءة، كما تحتاج إلى تدرب وجهد، وحري بالشباب والفتيات ممن تلح عليهم الشهوة، ويستعجلون الزواج لقضاء الوطر، أن يعرفوا أن في الزواج أموراً أخرى غير الفراش، كما أن في البيت غرفاً أخرى غير غرفة النوم. يا أخي، تسلح بالصبر فإنه مفتاح الفرج، وشكراً على رسالتك التي فتحت هذا الملف الهام وأعلمنا بالتطورات.
لا تيأسن وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبر أن ترى الفرجا
واقرأ أيضًا:
أمي وزوجتي.. ملكتان على عرش واحد
بين الزوجة والأم.. الشكوى الشائعة
كيف أتعامل مع حماتي؟
أنا وحماتي: أم الزوج مشكلة
أنا وزوجي وأهله.. معارك ومشاحنات
أعاني من زوجي وأهله
زوجتي ذات وجهين أو أكثر!