السلام عليكم ورحمة الله
الدكتور الكريم أحمد عبد الله:
إنه لمن دواعي سروري أن أتقدم إلى سيادتك بالشكر -بعد الله تعالى- على مساعدتك القيمة بمشكلة "شرق المتوسط وجنوبه.. نظرة شمالية ومتاعب"..
سيدي، أتمنى أن تكون هذه الكلمات المتواضعة يدا صغيرة تساعد في دفع مركبكم الحضاري العظيم، ذاك المركب الذي يتبنى الإسلام العظيم، لا كديانة صوفية تعبدية فحسب، بل أيدولوجيا شاملة تعالج الأوجه الحضارية والغزو الفلسفي الإمبريالي.
إنك، وطاقم الخبراء والخبيرات بموقع مجانين، لا تقومون بحل مشاكل شخصية لهذا وذاك، بل أنتم تبنون نهضة يا أحبتي. أنتم تؤججون ثورة خضراء، تعبدون طريقا ذهبية، تحفرون بئر وجدان نقية وتغسلون قذى التخلف من المقل.
شخصيّا، لا أرى فرقا بينكم وبين مفجري الثورة الفرنسية الكبرى، بغض النظر عن أهدافهما، ولا أجد فيك إلا رينيه ديكارت آخر، ولا أرى بالدكتورة سحر طلعت إلا المفكرة "آمنة الصدر" الجديدة التي تمد يديها بفيض الحكمة والعقلانية.
نريد إسلام ثقافة قوية، نريد إسلام فلسفة ومنطق، نريد إسلام حرية ومسؤولية، نريد إسلاما لا يلجأ لترديد النصوص أمام قوى الاستكبار العالمي، بل إسلاما يحيي النصوص بقوة العقل ويؤكد صحتها.
أنتم تقومون بعمل عظيم، بل عظيم جدّا، ولأثبت لكم عظمته هاكم ما طرأ على حياتي من تغيير بعد ثلاث سنوات من مطالعة صفحتكم:
لقد تعلمت من صفحتكم أن أعامل من ستكون شريكة حياتي بأدب وتحضر، وتعلمت أن قوامتي على زوجتي ليست سلطوية بل شورى وتفاهم مهذب. تعلمت أن كوني شيعيّا ليس جريمة وكون خطيبتي سنية ليس بالفارق المهم أيضا، وسيان عندي لو كان أولادي سنة أو شيعة؛ فكل المذاهب هي رحمة للمسلمين كما يقول المفكر محمد قطب.
صارت النساء أشد المخلوقات قدسية عندي، وصار الإسلام أقوى مرجعياتي الفكرية. لم أعد إنسانا دوغمائيّا بديني، بل شخص على "اطلاع ثقافي" بدينه.
اعذروني يا سادتي وسيداتي، فلست ابن جهالة، ولكني لا أدرس هذه الأفكار بمجال الفلسفة أو العلم السياسي. ولكنكم ربطتم بينهما بداخلي، ولم يعد محال علي أن أساهم في تطوير الفكر السياسي الإسلامي بمعاني أقوى وكتابات أكثر عصرية أستقي علومها من دراستي.
أما خطيبتي فقد التمعت عيناها بالدموع وهي تقرأ كلماتكم، بل إنها ابتسمت ودعت الله أن يحقق ما عزمنا على فعله بفضلكم؛ إذ قررنا أن نعمل معا بمجال السينما، فأنا من خلال مقدرتي الروائية وهي من خلال مقدرتها الإخراجية. قررت أن أكون زوجها الصدوق وأن أرعاها بكل ذرة في كياني.
سأتكلم عن أحلامي للحظة، فلعلني أحطم ضعف الضعفاء وأطرد لجاج البؤس عن البؤساء. إنني أحلم -وأعمل لذلك- بأن أكون مدرسا جامعيّا لمادة الفلسفة وكذلك العلوم السياسية. أريد نشر الوعي بين أفراد المجتمع وبناء مستقبل أفضل بقلمي وفكري وعملي.
إياك أن تحسب للحظة أن صوتك لا يصل إلينا، ولا تظن بأن "مجانين.كوم" مجرد موقع إلكتروني. أبدا يا أستاذي، فنحن نتابعكم ونلتهم مقالاتكم ونطارد أبوابكم ونقتنص أفكاركم بجنون، لا بل نحن لم نكن نحن من دونكم.
سيدي، يا من أنت غني عن تذكرتي، تذكر أن سقراط العظيم قد أعدم بالسُم وهو ابن واحد وسبعين عاما، وكل تهمته كانت أنه مفسد لشباب أثينا ومهرطق رجيم.
بلى، شرب سقراط السم وانتصر السوفسطائيون الماكرون مؤقتا، إلا أن التاريخ أحيا سقراط لقرون مديدة، فكلمة الحق لا تموت.
وهذا الحُسين بن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) يقف بسبعة وسبعين رجلا أمام ثلاثين ألفا فيقتلونه ويسبون عياله، إلا أن منهج الفداء انتصر وقام دين محمد من نكسته، واستمر ينجب لنا أبطالا يؤمنون بعقلية التضحية والجهاد كحماس وحزب الله.
وهذا حمزة بن عبد المطلب يستقبل بصدره حربة وحشي، وظلت دماؤه تلاحق ضمير هذا العبد المتوحش حتى استيقظ فيه الإنسان وصار مسلما.. نعم، انتصرت دماء حمزة على شر قاتله، وإذا بالقاتل –مؤمنا- يصلي خلف ابن أخي المقتول. هذا العملاق الذي مد يده للمخطئين والأشرار والذي بدأ بدعوته وحيدا ضعيفا وانتهى كأعظم رجل عرفه التاريخ.
أحببت أن أذكركم بأننا خلفكم، جيلا فتيّا وعنيدا ومؤمنا بدينه وقضايا أمته الشريفة. لسنا من النائحين أو أولئك المتراشقين بالشتائم عابسي الوجوه.
نحن متفائلون بنهضة (والنهضة هي الولادة الجديدة كما تعلمون) جديدة تعطي للإنسان كرامته وحقوقه الإنسانية من القرآن الكريم ومن تعاليم ديننا الحنيف. نعم للحضارة الإسلامية، نعم لأيدولوجيا القرآن، نعم لثورة العقل على الانحطاط، نعم للعقل الخاشع لصانع العقل، نعم لكرامة الإنسان، نعم لحقوقنا التي أهدرها الاستكبار العالمي وتهرطق بها فاسد مُفسد.
بارك الله فيكم واحدا واحدا، فردا فردا، قلما قلما، وتحية إجلال لكل جهودكم يا أحبة.
وعذرا لطول رسالتي.
26/12/2024
رد المستشار
وأنا أيضا لمعت عيني بالدموع وأنا أقرأ سطورك، وأود لو ننتهز الفرصة لبناء مجتمعنا، والمهام التي نريد إنجازها معا كما فصلت أنا في إجابتي:
عن التكوين.. مشاركتان وبرنامج عمل
ليتنا نكون كما تصف بمشيئة الله تعالى، إذا كنت وخطيبتك الكريمة قد قررتما الاتجاه للعمل السينمائي، فإن عندي بعض ما أفيدكما به من اتصالات، وربما أفكار، فكن على صلة مستمرة بنا.
وحبذا لو تفكرا معا بالحضور إلى مصر في أقرب فرصة، وأنت لم تخبرنا عن موعد زفافكما.
وربما يكون مناسبا لكما أن يكون "شهر العسل" هنا في مصر التي حباها الله بعدة وجوه وأماكن نادرة في جمالها، علاوة على الفرصة التي ستتاح أمامنا لمقابلتكما... زوروا مصر وزورونا، فنحن نقول للضيف دائما: "نحن الضيوف وأنت رب المنزل".