السلام عليكم
أحييكم على هذا الجهد الجبار، والموقع المتميز وإليكم استشارتي
أنا متزوجة منذ نحو ثلاث سنوات، ولدي من زوجي طفلة، وزوجي "ملتزم" جدًّا كما كنت أتمنى دائمًا، ولا يهينني مطلقًا، وكريم معي جدًّا، باختصار رجل ذو خلق ودين، ويحب ابنته جدًّا بالإضافة إلى أنه من أسرة كريمة ووسيم، وكل هذه الصفات تتمناها أية زوجة أخرى؛ مشكلتي هي أن زوجي لا يحبني فهو يصارحني بذلك وأنه تزوجني لأن أهله قد رشحوني له، وقد رأى هو أنني مناسبة، وأنا أشعر بذلك في كل تصرفاته معي..
على سبيل المثال يوم وضعي لطفلتي ذهب إلى المنزل؛ لينام ثم أتى بعد الوضع ليرى طفلته وخرج مرة أخرى؛ ليقابل صديقًا، وفي شهور الحمل الأولى (شهور الوحم) كان يرى وأنا في قمة الإعياء أني "بدلع" ولك أن تتخيل ماذا يحدث إن طلبت منه الخروج معه أو شعرت يوما بإعياء فلا أجد بجواري زوجًا ولا سكنًا، ولا أسمع ما تحب أن تسمع الزوجة من زوجها حتى في لحظات الجماع، أما الجماع فله وقته المحدد، أي ليس لحب أو رغبة في زوجته، ولكن لأن الحاجة الجسمية هي التي تعلن عن ذلك، وربما تكون هذه المشكلة ليست ذات أهمية بالنسبة لأخرى غيري، ولكني لكي تعلم رومانسية جدًّا، وأتعذب من ذلك حقًّا!
فقد أصبحت وأنا الإنسانة المتدينة أشعر بسعادة كبيرة إذا نظر إليّ أحد في الطريق، بل أتمنى ذلك لكي أشعر بأني أنثى، وأصبحت عصبية جدًّا عليه وعلى ابنتي، وفقدت ثقتي بنفسي لإحساسي بأني لست المرأة التي كان يتمناها زوجي، وقد حدثته في هذا الأمر كثيرًا فيقول: إن هذا ليس بيده، حتى إني أصبحت لا أحبه كما كان في السابق، أفكر في الانفصال عنه كي لا أنحرف.
ولكني أنظر إلى ابنتي فأتراجع عن هذا الأمر، وأخاف أن أصبح مطلقة.
ولكن هذه الحياة تؤذي نفسيتي وأخلاقي، فما رأيكم؟
2/2/2025
رد المستشار
الأخت المرسلة، هوّني عليك واعلمي أنه ليس كل البيوت تبنى على الحب، وقد يكون هناك أهداف أسمى تكتب لهذا البيت البقاء والاستمرار، والله سبحانه وتعالي يقول في هذا الأمر: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا"(النساء: 19)
وقال تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"(البقرة: 216)
وأنت وإن كنت الآن في محنة فإن العين تحب الجمال الظاهر، وهذا الحب قد يأتي سريعًا، ولكنه يزول سريعًا حين تذهب نضارة هذا الجمال، ويألفه الإنسان.
والنفس تحب وتألف الصفات والأخلاق الحميدة، وهذا الحب قد لا يأتي سريعًا، ولكنه إن أتى يزداد ويستمر ويبقى مع الأيام، وعندها يكون الحب عميقًا وثيقًا ويا حبذا لو تكامل حب النفس مع حب العين.
حقيقة أنا أشفقت عليك، وأنت المتدينة التي تشعرين بسعادة كبيرة إذا نظر لها أحدهم في الطريق، بل وتتمنى ذلك!!
يا ألله كم هو القلب يتقلب، وكم يكون قاسيًا حتى يعجز عن مجاملة بسيطة لأقرب الناس، وكم يمكن أن يكون متسعًا لكل الخلق!!!
أنا يا أختي مع عدم تبرئتي الكاملة لك لا أستطيع أن أغض الطرف عن أفعال زوجك "الملتزم"، تلك الكلمة التي أصبحت لا تعني لنا شيئًا على الإطلاق في فريق المستشارين، ولعلكم تقصدون بها الالتزام بالطقوس العبادية وبعض الأخلاق الشكلية وعدم ارتكاب الكبائر!!!
الالتزام يا أختي هو السير على طريق المصطفى الذي كان خلقه القرآن والاجتهاد في تتبع هديه قولاً وفعلاً، سنة وسيرة وهو في حسن خلقه قدوة لنا رجالاً ونساء. ورسولنا المصطفى المختار، صفوة الخلق، الرؤوف الرحيم بالمؤمنين- بل بالعالمين جميعًا- كان أرق الناس، وألطف الناس… عاد من سفره مرة، وأحضر لكل زوجة من زوجاته خاتمًا هدية، وأعطاه لها في السر، وقال لها: اكتمي عن الباقيات أمر هذا الخاتم، ثم جلس وسطهن فسألته إحداهن: أينا أحب إليك يا رسول الله؟ قال: التي معها الخاتم.. فأي قلب هذا القلب؟!
وهو الذي تخاصمه زوجاته إلى الليل فلا يتذمر، ولا يشكو وشغله هداية البشرية، وهي أثقل مهمة، ولم يحتج بصعوبة إيجاد وقت لمجاملة كل زوجة، ومداعبتها والقيام بحقها، وإشعارها بأنوثتها، وكن تسع زوجات، ولكنه كان خير الناس لأهله صلى الله عله وسلم.
والذي يظن نفسه ملتزمًا فليقارن نفسه برسول الله، ويقيس على هذا المقياس؛ ليعرف أين يقف، ومن نواحي العظمة في هذا الدين أن قدوة المؤمنين به بشر، وليس ملاكًا، ولا إلهًا ولا نصف إله، بل عظمته تكمن في بشريته التي سمت حتى وصلت إلى الذرى.
وأعرف أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأن كف الأذى من معالم الإيمان، ولكن الالتزام مستوى أعلى وأرفع، وأرجو أن نتحفظ في إطلاق هذه الصفة حتى لا تفقد معناها أكثر!!
لا يا أختي.. الملتزم كما أعرفه لا يصارح زوجته بأنه لا يحبها وأنه تزوجها لأن أهله رشحوها له، فهذه "جَلْيَطَة" -كما يقول المصريون في أحسن الأحوال- وعنف مستتر وشديد في أسوأ التفسيرات، وبعض الرجال – عديمي الخبرة– لا يعرفون نفسية المرأة وحاجاتها، والملتزم حقًا يتعلم هذا من مدرسة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي مدرسة الحياة، ومعاملة النساء، والبشر جميعًا فن وعلم فيه دراسات ونظريات وأدبيات كثيرة.
أما أنت فأقول لك: إن تَحَقُقَ "المرأة" يتم في ميادين كثيرة، وليس في ميدان واحد. فهي تتحقق كأنثي في بيتها مع زوجها، وهي تتحقق كأم في تربية أولادها، وفي حنانها وإشرافها على غيرهم بحسب الظروف والأحوال، وهي تتحقق كإنسان في أدوار وأنشطة متعددة أرى أنك لم تذكري أيًا منها. فإذا كان زوجك "ملتزمًا" كما تقولين، فلعل له أنشطة دعوية أو ما شابه ذلك، فهل لك أنشطة مشابهة؟!! وهل تتشاركان الاهتمامات والحوارات حول أنشطة مشتركة؟!
لماذا لا تفكرين في عمل مناسب خارج البيت، أو داخل البيت؟!
أسلوبك في الكتابة مثلاً لا بأس به، فلماذا لا تستفيدين به في علم مناسب ليس الهدف منه مجرد كسب المال، ولكن التحقق في ميدان المساهمة في النشاط الثقافي والاجتماعي.
إن الإنسان حين تكون في حياته قضية يخدمها بوسائل عملية، وبرامج يومية يشعر بالثقة في ذاته، وبالتقارب مع من يشاركه قضيته هذه، وبالبحث عن طرق خلفية للتحقق لأنه بالفعل موجود على مستويات متعددة.
وبعض الأزواج يكون له اهتمامات معينة، وتدريجيًّا لا يجد لزوجته أي تواجد على خريطة هذه الاهتمامات من قريب أو بعيد، وقد لا يجد لها أثرًا في أي بقعة من مساحة حياته إلا فراش الزوجية، والبعض لا يعطي الفراش حجمًا كبيرًا، ولا يفهم أنه يعني عند أغلب النساء الحب والعاطفة والتحقق الأنثوي أكثر مما يعني الشهوانية البحتة.
والنتيجة مفارقة مضحكة مبكية، الزوجة تجلس في ركن قصي تنتظر الحبيب، وهو يصول ويجول في ميادين كثيرة تغيب هي عنها بغفلة أو كسل أو عدم اكتراث، ولو تشاركا الاهتمام بقضايا ودوائر حركة لتعمقت العلاقة واتخذت أبعادًا أخرى أشمل وأوسع وعندها تختفي الشكوى بشأن العواطف، وبشأن الفراش.
وأرى أن عليك عاملاً كبيرًا في تجديد حياة بيتك، وتملكين من مقومات وأدوات هذا التجديد الكثير، والنجاح على بعد خطوات يحتاج إلى قليل من الجهد والفهم والتركيز، فإن هذا أقرب وأولى من الاستسلام لهواجس الطريق وغواية الانحراف.
فاصبري يا أختي الكريمة، واعلمي أن أبغض الحلال عند الله الطلاق، وأن الطلاق له تبعات جسيمة كما أن الاستمرار في هذا الزواج له تبعاته أيضًا؛ فما عليك إلا تختاري أخف الضررين، ولن يستطيع حساب ذلك أحد سواك. وفقك الله..وتابعينا بأخبارك.
أخيرا نرجو منك مراجعة مشكلة: لعلها امرأة.. أسمته "ممارسة الحب" وذلك لأن الإجابتين متكاملتان.