بداية جزاكم الله خيرا كثيرا على هذا الموقع الرائع وجعل الله مجهوداتكم هذه في ميزان حسناتكم.
أسرتنا مكونة من أب وأم و5 من الأبناء ـ أربع بنات وولد ـ وأنا الابنة الكبرى أبلغ من العمر 23 عاما، أنهيت منذ عام دراستي الجامعية، وأبي يعمل في دولة أخرى منذ فترة طويلة كنا معه أغلب سنوات العمر إلا في بعض السنوات عندما توجد مشاكل في عمله، فكنا ننزل مع أمي إلى بلدنا حتى لا تتأثر دراستنا ونضطر للسفر في نصف العام الدراسي؛ فتضيع علينا السنة، وكان العام الذي يمر علينا بدون أبي قاسيا جدا علينا جميعا.
المهم منذ أحد عشر عاما انتقل أبي لعمل أكثر استقرارا وقضينا معه هناك 5 سنوات متواصلة، وكانت سنوات جميلة، ولا يلغي ذلك المشاكل الاعتيادية لأي أسرة.
والأسرة في وجود أبي تكون هادئة مستقرة، حيث يكون لنا -في العادة- جلسة قرآن أسبوعية، وخواطر وقراءة في رياض الصالحين؛ لنخرج بعد كل ذلك بواجب عملي، وكثيرا ما كنا نجلس سويا لنقول الأذكار مع بعضنا وأحيانا أخرى كان أبي يجمعنا نتناقش في مستجدات العالم من حولنا، كما أننا تعودنا معه على النقاش والديمقراطية؛ فكثيرا ما كان يجمعنا للتناقش في أمر يخص أسرتنا الصغيرة ويأخذ آراءنا فيما يخص هذا الموضوع حتى أصغر واحدة فينا، ثم بعد ذلك يأخذ بالرأي الأرجح، والأكثر صوابا، ويبرر لنا لماذا اختار هذا القرار.
تربينا منذ الصغر على حب الإسلام، والغيرة عليه والالتزام به، ووجوب الدعوة في سبيل الله، بعد ذلك وعندما كنت سأنتقل للجامعة -أي منذ 6 سنوات- لم ترض أمي عندها أن أرجع لبلدنا بمفردي خوفا علي، وفعلا أخذنا القرار بأن تنزل أمي معي أنا وكل إخوتي إلى بلدنا، وكان العبء كبيرا على أمي حيث إنها مسؤولة عن كل ما يخص الأسرة، وكذلك أبي لأنه يحبنا كثيرا ولا يعتاد على بعدنا عنه والوحدة.
حاولنا أن نكون مع بعض، وكان أبي يتصل بنا يوميا، وكنا نحكي له عن أحداث اليوم ونستشيره فيما نريد، فكان ذلك يقلل من أثر بعده، كما أننا كنا نسافر إليه في الإجازات، وكذلك هو يحاول أخذ إجازة كل فتره ليكون معنا، بالإضافة لإجازته السنوية، ولكن المشاكل ازدادت تدريجيا؛ فأخي أصبح عصبيا، جدا نعم كان عصبيا قبل ذلك لكنه ازداد جدا؛ كل حاجة صغيرة يعمل منها مشكلة، ويصرخ ويشتم، كان عندها في المرحلة الإعدادية.. أعلم أن أمي لم تستطع التعامل معه كما يجب فقد كان التواصل بينهما إلى حد كبير مقطوعا، أو منعدما.
كثيرا ما كانت تهدده بأنها ستشتكي لأبي، وفي كل مرة كان يأتيها الرد: "وهو بابا هيعمل إيه يعني هيكلمنى ويقولي كده عيب إنت راجل البيت وميصحش تعمل كده بس ومش هيقدر يجي أو يعمل حاجه عايزة تقولي له قولي له".. فهكذا كانت تنتهي دائما كل مشكلة وأحيانا بالصراخ، وأحيانا أخرى بالضرب، تعبت أمي كثيرا بسبب هذا الشد العصبي، وكذلك نحن لم نعد نطيق هذا الوضع، كما أن الأمور كانت لا تسمح عندها بنزول أبي، وبقينا على هذا الوضع أربع سنوات فاض بعدها الأمر عن قدرة أمي في التحمل، وكان عندها في الصف الثاني الثانوي.
وبعد نهاية العام الرابع ونهاية هذا الفصل الدراسي حصل على مجموع ضعيف، فطلبت منه أمي أن ينتقل للعيش مع أبي في البلد الذي يعمل فيه؛ حتى يحصل على الثانوية العامة من هناك، كنا مترددين كثيرا في ذلك، وخاصة أنه كان سيضطر إلى إعادة سنة، وهو ما يعني أنه سيكون بعيدا عنا هو ووالدي لمدة سنتين.
جلسنا وتناقشنا كثيرا في هذا الأمر -كما هي عادتنا- وتوصلنا إلى قرار بتحويل أخي لدراسته وعيشه مع أبي هناك، وبقائنا نحن وأمي في بلدنا، وأن هذا الوضع سيبقى لمدة سنتين لحين حصول أخي على الثانوية العامة؛ لينزل بعدها مع أبي إلينا، ونستقر في بلدنا ويدخل أخي الجامعة تحت رعاية أبي وأمي، وكان لهذا القرار خلفيتان، الأولى تحقيق مطلب أخي في أن ينقل دراسته، والثانية -وأنا أرى أنها الأهم وصاحبة التأثير الأقوى- تخفيف الضغط عن أمي لأنها لم تعد تستطيع تحمل مشاكل أخي.
انتهت الآن السنتان، ولكن على ما يبدو لي أنها انتهت بكثير من المشاكل والخسائر؛ فأرى أن أخي تضرر كثيرا من الناحية النفسية؛ فهو يشعر أننا تركناه هناك مع أبي؛ لأننا لا نريد أن نتحمله، وأن وجوده بيننا كان غير مرغوب فيه؛ لأنه سبب المشاكل وتعب أمي، وكان هذا واضحا جدا لنا جميعا حيث كثيرا ما كان يمتنع عن كلامنا في الهاتف كلما كان والدي يحدثنا، بل غالبا ما كان أبي يضغط عليه حتى يحدثنا، ويعلم الله أننا جميعا هنا افتقدنا وجوده بيننا جدا، بما في ذلك أمي، وظهرت قسوته أكثر عندما ذهبنا إليهم في الإجازة السنوية أي بعد انتهاء السنة الأولى من وجوده هناك، فقد كان يثور ويتشاجر معنا جميعا لأتفه الأسباب بما في ذلك أصغر واحدة فينا، ويرى أحيانا أخرى أننا السبب في بعد أمي عنه، بل كان يصرح في أحيان أخرى بقوله: "إن أمي فضلت البقاء معكم وتركتني هنا مع أبي".
حاولنا امتصاصه بأكثر من شكل؛ فكنا نتغاضى كثيرا عن كثير من المشاكل والمشاجرات التي يحدثها، وكنا نصرح له كثيرا أننا نحبه ونشتاق لعودته معنا وكذلك كانت تفعل أمي، بل أحيانا كانت تتركني لأنني الأخت الكبرى مع باقي إخوتي في بلدنا لتذهب إلى أخي وأبي، وتقضي معهما بعض الوقت لتقلل عنهما صعوبات الأيام والغربة.
ثم بدأت مشكلة أخرى، وهو أنه أصبح معترضا جدا على سمت العائلة، وأصبح يريد أن يخالف هذا السمت بأي شكل وكنا نتفهم أنه يمر بمرحلة المراهقة وأن هذا طبيعي، ولكن بدأ الأمر يزداد سوءا منذ أن نزل إلى بلدنا الأصلي، وتعرف على أولاد خالي، حيث قضى معهم إجازة صغيرة لمدة أسبوعين، اكتشفنا بعدها أنهم أثروا عليه كثيرا، فذهب معهم لمشاهدة بعض الأفلام في السينما، وتعلم منهم شرب "الشيشة"، ثم مرت السنة التالية كما كانت الأولى، وأصبح أخي من مدمني سماع الأغاني؛ فأبي دائما كان مشغولا عنه في عمله؛ لذا كان لديه متسع من الوقت لسماع الأغاني والتقليب على الدش؛ حيث لا رقيب، ولا أحد معه في البيت أغلب الأوقات.
وازدادت بعد ذلك الفجوة بينه وبين أبي؛ فأصبح كثير الاعتراض على سلوك أبي ومظهره وأصدقائه، ولا يريد أن يكون مثلنا، وفي آخر شهرين من هذا العام سافرت إليهما كي أخفف عنهما الغربة، ووجدت أن لكل واحد فيهما عالمه الخاص سواء أكان أبى أو أخي، وعندما سألت أبي عن هذه الفجوة قال إنه حاول كثيرا أن يتقرب منه لكن دون جدوى؛ فغالبا ما كان يقطع أخي هذه المحاولات وينهيها، ولاحظت أنه يفعل أشياء كثيرة عندما يخرج أبي من المنزل، حيث يترك المذاكرة ويجلس بكثرة أمام التلفزيون أو الشات، وكان عادة يخرج مع أصدقائه مرة في الأسبوع للعب الكرة أحيانا وأحيانا أخرى إلى حيث لا ندري.
المهم عاد أخي إلى بلدنا الأصلي –مصر- وأبي ما يزال على سفر، وعرفت أنه يتحدث مع فتيات على الشات، وأناس آخرين من كل العالم؛ فهو يتحدث معهم الإنجليزية بطلاقة، وعرفت أنه يتحدث مع فتيات أخريات على الموبايل، وأولاد خالي عرفوه على بنات أخريات وخرج معهم مرة، وكل هذه الأشياء أنا عرفتها بدون ما يعرف أنني أعرف هذه الأشياء عنه، في محاولة مني للم جوانب المشكلة؛ كي نستطيع العلاج.
وبصراحة ليست كل المشاكل التي يقوم بها أخي نبلغ أمي بها؛ فمثلا منذ أسبوع اتصل بي خالي الآخر، عنده ولد في سن أخي، وقال إن ابنه قال له إن أخي يدخن "الشيشة" منذ سنة؛ لأن أولاد خالي يدخنون معه؛ وكان يدخن عندما كان يعيش مع أبي بدون علم أحد، وخالي كان يعرف، وحاول هو وابنه السيطرة على الوضع ويصلحوه، وكلمني وقال لي أخبري والدك عن هذا الأمر، ولا داعي لإخبار والدتك حتى لا تحدث مشكلة أكبر.
منذ أسبوع قال لي خالي إن أخي بعد عدة محاولات قال إنه أقلع عن تدخين الشيشة، وأنا الآن لست أدري كيف السبيل للحفاظ على أخي من الانحراف أكثر من ذلك؛ فسكة التعارف على الفتيات والتدخين سكة خطرة جدا، وعواقبهما وخيمة إذا تطورت الأمور.
حاولنا إيجاد رفقة صالحة له، لكنه أول ما يعرف أن الناس هؤلاء شباب ملتزمون يرفض التعامل معهم أو حتى التعرف عليهم؛ رغم أن مدخل التعارف عن طريق رحله معسكر في الإسكندرية.
كما أنه بدأ تدريجيا يبتعد عن ابن خالي الذي في مثل سنه؛ لأنه لا يوافقه على كثير من الأمور مثل موضوع السينما والبنات، نحن جميعا نرى جانبين مشرقين في الأمر، أولا هو لا يزال يحافظ على الصلاة في المسجد، وإن كان ينزل إلى الصلاة بعد الإقامة بفترة، وهو أيضا يحترم وجود أبي، فهو يستحي في وجوده من تشغيل الأغاني بصوت عال، على عكس الحال في حالة عدم وجوده، وللعلم أخي يتخيل أننا لا نعرف عنه حاجة غير موضوع الأغاني.
كما أنه حساس جدا، ويحب أمي كثيرا فكثيرا ما دخل على الشات باسم Ilove my mum، رغم أنه لا يصرح أبدا بذلك، بل دائما ما يتشاجر معها، ويرفع صوته عليها، تناقشت مع أبي؛ فأنا أرى الحل في أسرة مستقرة من جديد، وأنه يعود إلى مصر الآن وليس بعد الحج كما يريد؛ لأنه حج قبل ذلك عدة مرات، وأرى أن لم شمل الأسرة من جديد أصبح ملحا.
ويرى أبي أنه مع بداية الدراسة سيتغير حال أخي -بإذن الله- للأحسن مع دخوله الجامعة؛ لأنه سيتعرف على أوساط ومجتمعات جديدة، وأنا لست مقتنعة بذلك لأن الجامعة فيها الحلو والحلو جدا كما فيها السيء والسيء جدا، فما الضمان أن يتعرف على الحلو دون السيء، وهو أصلا رافض لأن يتعرف على الحلو كما أن الجامعة تتيح فرصه أكبر للاختلاط، فما الضمان بعد كل ذك أن يتحول للأحسن؟.
أبي ليس على اقتناع تام بأن وجوده سيغير من الأمر شيئا؛ فهو يقول إن أخي كان معه منذ سنتين، وكان أخي يفعل ما يحلو له أيضا! ولكني أرى أنه ربما كان ذلك بسبب بعدنا عنه، وتشتت الأسرة، وأرى أن أفعال أخي هذه منبعها الأساسي يرجع إلى سببين: سن المراهقة الذي يمر به، وتشتت الأسرة رغم أني وأخواتي البنات لم ننحرف هكذا في سن المراهقة، فما زال لي أخوات بنات في سن المراهقة ولكن لم تظهر لديهن إحدى هذه المشاكل... ما الحل؟
هل كلام أبي صحيح؟.. هل فعلا سيتغير بدخوله الجامعة؟ هل يجب أن يعود أبي الآن أم من الممكن الانتظار إلى بعد الحج؟.
أرجوكم أن يصلني رد في أقرب وقت ممكن، وأعتذر مرة أخرى على الإطالة.
09/02/2025
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع وكتابة قصتك بتفصيل وصدق.
في بداية الأمر لم أستطيع العثور في الرسالة ما يشير حقا بان الأخ الفاضل منحرف او ذو شخصية عدائية. لا يمكن الانكار بان سماته الشخصية في مرحلة المراهقة تأثرت بغياب الاب وهذا كثير الملاحظة في مختلف الثقافات. في نفس الوقت الكثير من هؤلاء الشباب تتغير مسيرة حياتهم مع العقد الثالث من العمر.
أسرتكم مرت بتحديات عديدة بسبب البعد الجغرافي والضغوط النفسية على جميع أفراد العائلة. من الضروري أن تحافظوا على حوار مفتوح وصادق مع أخيك. قد يحتاج إلى معرفة أنكم تهتمون به وتهتمون لمصلحته ووجيهه برفق نحو الأنشطة الصحية والمفيدة التي يمكن أن تشغله وتبعده عن المؤثرات السلبية .
في هذا العمر يتم إعطاء النصيحة بتوفير قدوات حسنة في حياة أخيك يمكن أن يكون له تأثير إيجابي عن طريق تنظيم لقاءات مع أشخاص ملهمين وناجحين.لا يوجد حرج في زيارة اختصاصي نفسي أو مرشد تربوي قد يكون ذو فائدة ويمكن أن يساعد في التعامل مع الضغوط النفسية وفهم مشاعره المراهقة.
بالطبع لم شمل الأسرة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير. إذا كان بالإمكان جمع الأسرة في مكان واحد لفترة، فقد يساهم ذلك في تقليل مشاعر الوحدة والتمرد.
بخصوص اقتناع والدك بأن الدراسة الجامعية ستغير الحال، هذا ممكن، ولكنه ليس مضمونًا. يجب التأكد من توفير بيئة تؤدي للتطوير والتغير الإيجابي بدلاً من الاعتماد فقط على تغييرات المرحلة الدراسية.
أخيرًا، قد يكون من الأفضل أن يناقش والدك العودة إلى المنزل في أقرب وقت ولكن القرار قراره فذلك يمكن أن يخفف التوتر الأسري ويحسن من التواصل بين أفراد الأسرة.
رغم كل ما تم سرده أعلاه فأظن بأن الأخ الكريم سيتغير تدريجيا في المستقبل.
وفقك الله.
واقرأ أيضا:
ثمن الغربة.. وتأثيرها على الأطفال
مع الغربة والأهل والنفس.. معاناة مغتربة صغيرة!
في الغربة: قطع الأعضاء أم تغيير العادات؟
حصاد الغربة ..انحراف ابن وتشتت أسرة
آلام الغربة والاكتئاب