السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد الاطلاع على المشكلة المعنونة بـ : (رغم خطورة العواقب… البعض يتقمص)، والتي تتحدث عن الزوجة التي كثيرا من تتردد على مواقع الدردشة والمواقع الاجتماعية على الإنترنت، وتتقمص دور فتاة في سن العشرين، وهو ما يشعرها بنشوة وسعادة عندما تتحدث مع الآخرين وهي منتحلة هذه الشخصية، بالرغم من خوفها أن ينكشف أمرها أمام زوجها الفاضل، بالإضافة إلى تأنيب ضميرها لها، بعد إطلاعي علي هذه المشكلة،
وجدت نفسي مدفوعًا للكتابة والمشاركة في هذه المشكلة. لقد عانيت من مثل هذه المشكلة، ولكنني كنت فيها الطرف الآخر. فأنا قد تزوجت بفتاة وهي في سن السادسة عشرة، وأنا أكبرها بثلاث عشرة سنة، ولكن ولله الحمد فإن شجرة الحب بيننا نضرة؛ لأننا نتعاهدها دائما ونسقيها بماء الحب والعاطفة المتبادلة ونحرص على إبعاد كل ما قد يتسبب في ذبولها.
مشكلتي باختصار كانت كالآتي: علَّمْتُ زوجتي اللغة الإنجليزية كما علمتها كيفية استخدام الكمبيوتر والتعامل معه. ولتحسين مستواها في اللغة الإنجليزية على مستوى الكتابة والتخاطب سمحت لها بـ(الدردشة عبر الكمبيوتر، وكنا نجلس معا فهي تتحادث باللغة الإنجليزية وأنا باللغة الألمانية لتحسين لغتينا، وتعرفت زوجتي على بعض الفتيات من بعض البلدان الأجنبية، وأصبحت تراسلهن عن طريق البريد الإلكتروني، وكنت دائما أطلع على ما تكتبه وتستقبله من رسائل، ولكن بعد فترة قالت لي زوجتي لا ينبغي أن تطلع على ما أكتبه أو ما يصلني من رسائل فإن ذلك من الخصوصيات)
ووقَرَ في قلبي إحساس غريب، ولكني أخذت الأمر على أنه مداعبة من زوجتي ونفذت ما أرادت، ولكن قلبي الذي لم يكذبني مرة لم يهدأ لهذا الأمر، وأتساءل ما هذه الخصوصية التي قد تكون بين زوجتي وصديقاتها؟ وعندما تكون في محادثة مباشرة أقترب لأرى مع مَن تتحادث وأنصحها بألا تتحادث إلا مع الإناث. ولكن طبع الغيرة الذي جبلنا عليه نحن الرجال وخاصة العرب قد ينغص علينا أحيانا هدوءنا.
ولاحظت مرة اهتمامًا زائدًا من زوجتي بثلاث صديقات وأصبحت تطلب مني أن أمكنها من مطالعة بريدها الإلكتروني عدة مرات في اليوم، علما بأنني لم أطلعها على كلمة السر للدخول إلى الإنترنت ولا حتى كلمة المستخدم أو كلمة السر لبريدها الإلكتروني، فأنا متشدد في هذه المسألة، وأريد أن يكون كل ذلك بحضوري.
ولاحظت أيضًا أن زوجتي أصبحت تقترب أكثر من شاشة الكمبيوتر؛ لكيلا أتمكن من رؤية أي شيء، خاصة عندما تريد إرسال شيء بالبريد الإلكتروني. كان قلبي يخفق بقوة لهذه التصرفات. وكنت أتمنى أن يكون قلبي كاذبا في ظنه، فإنني كنت أشك في صديقات زوجتي، وقلت هن بالتأكيد أصدقاء ولسن صديقات؛ ازدادت شكوكي.
وحتى يطمئن قلبي دخلت مرة دون علم زوجتي إلى بريدها الإلكتروني، ووجدت ما صدَّقَ مخاوف قلبي؛ فقد وجدت رسائل من أصدقاء وليس من صديقات ورائحة عبارات الحب والعاطفة تكاد تنبعث حقيقة من تلك الرسائل. كما وجدت زوجتي قد بعثت واستقبلت صورًا بريدية إلكترونية تعبر عن مشاعر الحب والغزل.
أصدُقُك القول أختي الكريمة، لقد بكيت بكاء الصبي الذي يبكي بغصة، وكنت أكتم ذلك حتى لاتسمعني زوجتي النائمة في نفس الغرفة. نعم رجل في الثلاثين من عمره يبكي بكاء الصبي، إنه بكاء كبرياء الرجولة، فهكذا نحن الرجال؛ فقد طلق رجل في الجاهلية امرأته لمجرد أن نظر إليها رجل آخر، وقال في ذلك: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه، أنا لا أوافقه على ذلك؛ لأن الزوجة غير مذنبة، إنما سُقْتُ ذلك للدلالة على معنى (الغيرة).
وسألت زوجتي إن كان لها أصدقاء تراسلهم من الرجال فأجابت بالنفي، وكنت أسألها عن صديقة معينة كانت تبدي اهتمامًا زائدًا بها وكانت تقول: إنها طيبة وبخير، وكانت زوجتي تستعمل ضمير المؤنث في حديثها عن هذه الصديقة، ولكن قلبي كان يصحح لي هذا الخطأ المطبعي المقصود من زوجتي، ويستبدل ضمير التأنيث بضمير التذكير.
وكنت في حالة نفسية بائسة وفكرت في أنسب الطرق لعلاج هذه المشكلة. ومما زاد الطين بلة أن زوجتي (وبعد اعترافها بما فعلت) كانت تبكي أحيانا وتصارحني بأنها تحب أصدقاءها الثلاثة. كانت الدنيا تظلم في عيني عندئذ، وأود لو ألطم زوجتي لطمة صاعقة أو أخنقها خنقًا يودي بحياتها ويعفي أثرها من الدنيا. ولكن الله سبحانه وتعالى عودني بإنزال السكينة عليّ في وقت الحرج.
وفتحت حوارا هادئا مع الضحية. نعم أنا أعتبر زوجتي في هذه الحالة ضحية. وأتفهم أن ما وقع حالة طبيعية لزوجة صغيرة ترك لها العنان وبالغ زوجها في الثقة بها بتركها مع وحش كاسر هو الإنترنت الذي ذهب حتى بعقول أرجح الناس عقلا.
قد تظنين أيتها الأخت أني مقصر نحو زوجتي. لا والله فأنا قدوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو معلمنا الأول الذي نتلقى عنه (فن) معاملة الناس خاصة أقرب الناس ألا وهي الزوجة. أنا أعرف أن زوجتي صغيرة (علمًا أن هذا حدث بعد عامين من الزواج وهي في الثامنة عشرة من عمرها)، وأن المشاعر العاطفية جياشة في نفسها، ويعلم الله أنني لم أقصر أو أتأخر في تلبية حاجتها النفسية أو الجنسية، وذلك باعتراف زوجتي.
المهم جلست مع زوجتي جلسة اعتراف ومناقشة هادئة وأقنعتها بأن (الدردشة) تمثيل محض إلا مَن رحم ربك وقليل ما هم، وقلت لها ما أدراك أن الطرف الآخر صادق فيما يقول أو أنه شاب وهو في الواقع كهل عربيد يتسلى بتعذيب أمثالك. وتأكدي أن الكلام الذي يقوله أو يكتبه لك يبعث بعشرات النسخ منه إلى أمثالك من الساذجات. واعلمي أيضا أنك وأمثالك من الساذجات تنفقن طاقة عاطفية بلا جدوى.
والمهم اقتنعت زوجتي بما قلت لها وصَحَتْ فيها النفس اللوامة وعانت من تقريعها. وقالت لي: إنك زوج عظيم وأنا زوجة سافلة وحقيرة ولا أستحق أن أكون زوجة لمثلك فطلقني. ولكنني أخبرتها أن ما حصل سحابة عابرة في سماء حبنا الصافية، والحمد لله أنها لم تتجاوز مجرد العبث بالكمبيوتر. وفعلا برهنت زوجتي على توبتها. وزهدت في الكمبيوتر ونسيت كل ما يتعلق به؛ حتى إنني أدعوها (للدردشة) عبر الإنترنت أو دخول الفيسبوك لتتسلى قليلا فترفض ذلك. بل أصبحت تضحك من بعض المغفلات اللاتي يقعن في مثل هذه المصيدة عندما أخبرها ببعض المشاكل التي أطلع عليها في الإنترنت وأخبرها بها، وتقول لي هن يحتجن إلى جلستك ومناقشتك الهادئة مثل ما وقع معي.
أختي الكريمة، إنني أنقل لك تجربتي لأقرب لك مشاعر الزوج في مثل هذه الحالة، إنه لشعور مرير أمر من العلقم عندما يكتشف زوج (غيور) مثل ذلك من زوجته، ولولا تدارك الله عبده بإنزال السكينة لهدمت بيوت وخربت أعشاش الزوجية لأسباب أصغر مما ذُكر.
فأنصحك أختي الكريمة بأن تفيقي من سكرة ما أنت فيه، وأن لا تتسببي في جرح قلب بذل لك كل ما يملك من حب ولا تنتظري اللحظة التي تشتعل فيها النار فتعجزين حينئذ عن إطفائها. إن أثر ذلك على الزوج مرير ولا أكتمك إنني وأنا أكتب هذه الرسالة ترقرق عيني بالدموع عندما أتذكر ما حصل.
أعاذك الله وأمثالك من الغارقين في مثل هذه المشكلة من كيد الشياطين.
الإمضاء: زوج غيور عانى من مرارة هذه المشكلة.
19/2/2025
رد المستشار
الأخ الفاضل: جلست وتأملت في رسالتك طويلاً وسألت نفسي: هل أنشرها لما فيها من فائدة، أم أحجبها وأقتصر على إرسالها لصاحبة مشكلة "التقمص"، ومن ناحية أخرى تمنيت أن ترسل لنا تلك الزوجة صاحبة المشكلة تعقيباً على ردنا، أو رفضاً أو تعليقاً لكنها لم تفعل، ولعل المانع خير.
أود فقط أن ألفت الانتباه إلى عدة ملاحظات منها بعض الاختلاف بين حالة زوجتك، وحالة الزوجة المتقمصة، فاستخدام الشات لدى زوجتك كان هدفاً في حد ذاته بمعنى أنها كانت تمارسه بجزء من عواطفها وشخصيتها الحقيقية؛ لأنه كان يحقق لها بعض التسلية أو غير ذلك.
أما الزوجة المتقمصة فاستخدام الإنترنت بالنسبة لها هو مجرد وسيلة تساعدها على التقمص الذي تحبه، وربما مارسته في الهاتف أو بغير ذلك من الوسائل والمظاهر.
وعودة إلى التقمص أحب أن أؤكد أن خطورته تكمن في عواقبه أكثر مما تكمن في ذاته خاصة إذا كان الإنسان مسيطراً عليه، ومتحكماً فيه، فالنفس الطبيعية تتقلب بين أحوال ومنازل: حزن وفرح، جد وهزل، وقد يتصاغر الكبير، أو يتكابر الصغير في كلماته وتفكيره من باب التدلل أو التغيير، ولا بأس بذلك ما دام يحدث بقدر محسوب، ودافع ذاتي، وحركة آمنة، أما إدخال أطراف أخرى، أو التورط في علاقات بالهاتف أو الشات فمستوى آخر من تصعيد المسألة وإخراجها من الحيز الآمن المفهوم والمقبول إلى ما لا يحمد عقباه.
هذا توضيح أردت إضافته بمناسبة مشاركتك التي أشكرك عليها، وأحمد لك تماسكك وحكمتك وتفهمك للأسباب والملابسات التي أحاطت بالخطأ الذي وقعت فيه زوجتك التي لاحظت أنها كانت، وربما ما تزال خالية الأوقات إلى حد كبير،
ودعني أضيف إلى معارفك أن المشكلة الرئيسية في حياة شبابنا ذكورًا وإناثًا، ليست الفساد المنتشر على شبكته أو هنا وهناك فقط، المشكلة أساساً تكمن في الفراغ الذي نعيشه، وهو فراغ ذهني ومعيشي من الاهتمامات الجادة، والأنشطة النافعة… وهذا حديث آخر…
شكراً لك… وكن على صلة بنا.