أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة تزوجت منذ بضعة أشهر، وبحكم عاداتنا في بعض مناطق الجزيرة والخليج لم أرى زوجتي قبل الزواج، ولكن فقط أرسلت من يأخذ رأيها، وبلغني أنها موافقة فتوكلت على الله، مع العلم أنني متعلم على أعلى مستوى، ومثقف، ولكنها العادات!.
بعد أيام من الزواج أخبرتني زوجتي أنها تعرّضت لحادث وهي صغيرة فقدت بكارتها على إثره، وأنا بطبيعتي مسالم ولا أحب المشكلات، وتغاضيت عن الأمر في حينه، وحاولت التخفيف عنها حتى تحسنت كثيرًا، وفي يوم من الأيام كنت أبحث في أغراضي وأوراقي الموضوعة في أحد الأدراج في المنزل فوجدت دفترا تكتب فيه زوجتي بعض الخواطر واليوميات، ومن باب الفضول قرأت فإذا بي أجد في بعض الصفحات ما يشبه حديثًا للنفس يتضمن عتابًا ونقمة ولومًا؛ لأنني حرمتها من شخص كتبت أنها تحبه!
وأنها لم تخبر أهلها بشأنه، وأنهم أرغموها على الزواج مني، وأنها كانت تكرهني، ولكنها أصبحت الآن "مجبرة" على حبي بسبب حبي لها، وكرمي معها… إلخ، وكتبت أنها تفكر بالطلاق!.
ومن وقت قراءتي لهذه الأوراق، وأنا أتعذب؛ لأنني لا أريد أن أجبر أحدًا على العيش معي دون رغبة حقيقية منه، كما أنها تفتعل الكثير من المشاكل معي دون سبب، وتعاملني دون الاحترام المطلوب في أحيان أخرى.. أنا حائر أرشدوني.
11/4/2025
رد المستشار
أخي الكريم، كنا نحب ألا ننشر قصتك لما تحوي من تفاصيل حساسة وخاصة، ولكننا آثرنا نشرها مع تجهيل بعض البيانات والمعلومات.. فلماذا فعلنا ذلك؟!.
قصتك يا أخي الكريم مثال واضح على ما نتحدث عنه هنا في هذه الصفحة، وهي بعض الثمن الذي ندفعه نتيجة للانغلاق الاجتماعي، والتخلف العقلي الذي نعيشه، والكارثة أنه يحدث باسم الإسلام، بينما الإسلام والعقل والطبع السليم وحسن التمييز منه براء!.
ضحايا الخبل وقصور التدبير يظنون أن حبس المرأة والتضييق عليها هو الأفضل لدينها وفطرتها وحيائها وأخلاقها!.
ويظنون أنه من الممكن أن يحدث هذا الحبس حتى تخرج الفتاة سليمة إلى بيت زوجها، ويعيشون في هذا الوهم الأسطوري الذي يريحهم، ولكنه ينتج ما نراه في قصتك وغيرها.
ولو حشدنا مئات القصص فإن الذي يريد أن يتعامى ويتغافل، ويظل متمسكًا بالأوهام والأكاذيب لن يجدي معه نص شرعي واضح، أو دليل عقلي ناصع، أو خلاصة تجربة متكررة ورشيدة؛ لأن الاستسلام للأوهاما اللذيذة أفضل- عند البعض- من مواجهة الحقائق الأليمة.. والذين تجارتهم المخدرات يتناولونها، ويتداولونها، يفيقون دومًا على القارعة حين تحل بهم، أو قريبًا من دارهم، ونحن نرثى لهم، ونشفق عليهم على كل حال.
وفي هذه الصفحة كان لنا اختيار آخر، وندعو الله أن يكون لنا نعم العون فيه، ويبقى بعد ذلك تعاونكم معنا بوصفه وقود النجاح.. اخترنا الصدق والمصارحة، والعلم المستهدي بالشرع الحنيف سبيلاً للتواصل مع شئون حياتنا جميعً، وعاهدنا الله ألا تكون المخدرات هي بضاعتنا، ولكن فتح كل الملفات والجروح لمعالجتها بإذن الله.. وعود إلى قصتك:
خطأ فادح يا أخي الكريم، لا يقره شرع ولا عقل، أن تتزوج فتاة لم ترها ولم تجلس حتى إليها!.
وابحث عن المجتمع الذي تلك هي عاداته ليدفع معك اليوم الثمن!
وإذا كنا قد عدنا إلى أيام الجاهلية الأولى؛ فيلزمنا التبشير بأن محمدًا –عليه الصلاة والسلام- قد بعث إلى الناس ليضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ولينطق بحكم الشرع، فيذهب الهوى المنحرف والعرف الفاسد إلى الجحيم، وويل للذين يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو منه.
وويل للذين يسكتون على تبديل كلمات الله، ويتواطئون مع دعاة العودة إلى الجاهلية، وكأن الرسول لم يُبعث، والكتاب لم ينزل، والإنسان لم يتحرر من كل سلطان أرضي، فاللهم عفوك..
أخي، لقد أخطأت حين لم تتمسك بحقك الشرعي في رؤية الفتاة التي ترغب في نكاحها، وأخطأت هي حين لم تتمسك بنفس الحق، وأخطأ المجتمع من حولك حين تعامى عن حقائق الحياة بما جعل زوجتك تفقد بكارتها ثم لا تريد أو لا تستطيع أن تتكلم إلا بعد ليلة عرسها واضعة زوجها أمام الأمر الواقع؛ فإما أن يكون عطوفا "متفهما" كما يقولون، أو يرفض الموقف بأسره، ويقلب العرس على رؤوس الجميع.
والنتيجة يتحملها الجميع، والحصاد يصيبنا جميعًا، والأصل أن الاغتصاب جريمة شنعاء، ولكنها شائعة.. وبسبب نفس الذهنية البدائية التي نعيش بها والجاهلية التي نرتع فيها، تعيش الضحية تدفع ثمن جريمة لم ترتكبها، بينما تفلت الكثيرات من المنحرفات بجرمهن أو عبثهن، ولا نستطيع الآن أن نحكم من أي صنف كانت زوجتك!.
فهل منع الانغلاق من فض بكارة زوجتك اغتصابًا أو غير ذلك؟! وهل منعها أن تكون في حياتها علاقة – لا ندري حدودها – بشخص آخر، كما قرأت في مذكراتها؟!.
إننا حتى لا نعرف هل زوجتك ساذجة حتى تكتب هذه الاعترافات الخطيرة، وتضعها في المتناول، أم أنها لئيمة قد تعمدت أن تفعل هذا لغرض في نفسها؟!
إن المناخ الاجتماعي الجاهلي يخلق نوعًا من الازدواجية في السلوك والتفكير؛ فهناك الظاهر الملائكي للجميع "الأطهار"، "الملتزمين"- إلى حد التشدد أحيانًا- بكل المظاهر والسلوكيات الحميدة، وهناك الباطن الحقيقي ينخر فيه السوس، وتعشش فيه شياطين الخوف والعواطف الممنوعة، والمشاعر المقموعة، وهو كلما انفجرت فيه فضيحة تجاهلها، وقال: إني حالة فردية لا يقاس عليها.. وعاد يدفن رأسه في الرمال، ويكذب على نفسه وعلى الآخرين.
وسأترك لك ولجميع أصدقائنا العنان لنتصور مسار قصتك في مجتمع مؤمن مفتوح تتعرض فيه فتاة للاغتصاب فتبلّغ عن الجاني لينال عقابه، ويصبح عبرة لغيره، ثم حين تحب تفعل ذلك في العلن؛ فتمارس حقها ومسئوليتها، وتتحمل نتائج اختيارها حين تتزوج بمن تحب، أو تحول دون ذلك الاعتبارات المعقولة من عدم تكافؤ أو غير ذلك..
ما كان لمشكلتك أن تنشأ أصلاً، ولكن قدر الله وما شاء فعل.
الأخ الكريم، هل تتصور أننا- نحن وأنت- نعلم شيئًا نبني عليه حكمًا قاطعًا- أو شبه قاطع- بالنسبة لمستقبل علاقتك الزوجية؟! أخشى أن تكون الإجابة بالنفي:
- فنحن لا نعلم- مثلاً- هل كان زواجها منك فحص استجابة لضغوط أهلها، أم كان لها فيه مآرب أخرى؟!.
- ونحن لا نعلم هل كان حبها للآخر حبًا حقيقيا، وإلى أين وصل؟! أم أنه كان حبا وهميًا بالهاتف أو الإنترنت، أو غير ذلك من الأشكال الناقصة الممسوخة التي تنتشر في البيئات المنغلقة؟!
- والفترة التي مضت على زواجكما ما تزال قصيرة لتحكم أنت: هل تفعل هي هذا الذي تفعله لأنها ناقمة على أهلها الذين أجبروها على الزواج منك وحرموها من حقها في الاختيار؟! أم أنها تفعل هذا بدافع من ترددها بين حبها القديم وأسلوبك الذي أجبرها على أن تحبك على حد تعبيرها؟
ولو كنا في مجتمع مؤمن مفتوح لقلنا لك: تناقش معها بهدوء، وصارحها برفق لتختار ما تريد، ولكنني أخشى ألا يأتي هذا بالنتائج المرجوة، بل ربما لا يفيد شيئًا!.
ولو كنا في مجتمع مفتوح لقلنا لك بأن تراجع أنت وزوجتك استشاريًا للعلاقة الزوجية، فيعرف ما وراء الكواليس، ويدير معكما دفة المسألة بما يصلحها على أية وضع كان، ولكن…!
وتجاوبًا مع ما هو متاح من معلومات وهامش محدود للحركة، نوصيك بما يلي:
أولا: تأجيل الإنجاب إلى أجل غير مسمى؛ فالحمل والإنجاب يقود قصتنا إلى مسار آخر تمامًا، واستعد لحسم الموقف بينكما بعد فترة اختبار وتدقيق.
ثانيًا: اقترب من زوجتك أكثر وأكثر لتعرفها وتعرفك أكثر، وتتضح أمامك وأمامها وأمامنا الحقائق عن تضاريس المسألة برمتها، وأعطها الفرصة للبوح والحديث وتبادل الآراء، والتشارك في الاهتمامات والمشاعر.
ثالثًا: واجه تصرفاتها المختلة -في حقك- بصرامة وحزم بما يصلها معه أن الاحترام المتبادل من أهم الأسس الزوجية الناجحة، وأن افتعال المشكلات لا يفيد، وأن حبك لها يمكن أن يزول إذا لم تحافظ هي عليه.
رابعًا: اربط تعبيرك عن حبها لك بتحسين سلوكها معك؛ فإذا أحسنت هي مرة – مثلا – تحصل على دعوة للعشاء معك أو هدية معقولة، وإذا أساءت قاطعها حتى تعتذر.
خامسًا: دون الإفراط في استخدام سلاح المقاطعة للتأديب، عليك أن ترد الصاع صاعين في الحالات الزائدة عن الحد.
سادسًا: إذا كان لديك أخوات - أو عن طريق الوالدة - استطلع من طرف خفي حقيقة مشاعرها تجاهك، وسعادتها أو تعاستها معك، ويكون السؤال منهم بأسلوب غير مباشر، ودون أن تروي لأختك أو لوالدتك شيئًا من أمرك.
سابعًا: بعد فترة يمكنك أن تدل زوجتك -بطريق غير مباشر- على صفحتنا هذه لعلها تتشجع وتبوح لنا، فنقوم نحن بدور الاستشاري الأسري "عن بعد".
ثامنًا: خروج زوجتك لاستكمال دراستها، أو لعمل أو نشاط اجتماعي مناسب يفيد في إنضاج شخصيتها، وفي إعطاء قدرة أكبر على حسم قرارها بشأنك.
تاسعًا: إذا أعطينا هذا البرنامج عامًا من التطبيق الدءوب المتواصل يمكن أن نصل بعد -إن لم يكن قبل ذلك- إلى قرار واضح بشأن استمرار هذه العلاقة، ونأمل أن يكون لديك وقتها صورة أوضح ومعلومات أكثر، وتحديد لمشاعرك تجاهها، ورغبتك بناءً على ما تقدم في الاستمرار أو الانفصال عنها؛ فلا تتسرع باتخاذ قرار نهائي أيًا كان، فالأمر برمته يحتاج إلى فرصة وجهد، وبعض الوقت؛ لتنضج المسائل وتتضح، ويكون القرار بعدها بريئًا - قدر الإمكان - من شبهة التسرع، أو رد الفعل غير المستبصر، أو الخبط على غير أساس واضح، وتابعنا بأخبارك.