السلام عليكم
أخي في الله الدكتور أحمد عبد الله، أجبت حضرتك ووضعت الحلول لمشكلة إنقاذ ضحايا الشات، وللأمانة فقد حللتها بشكل رائع جدا، ولكن لاحظت أنك لم تتطرق أبدا لمشكلة الشباب والفتيات غير المتزوجين مع الشات والماسنجر والحوار النتي بشكل عام.
نعم يا دكتور، ماذا نفعل نحن خاصة في المجتمعات المغلقة كمجتمعاتنا الخليجية؛ فنحن طلبة وطالبات الجامعة نستفيد من هذه الشبكة في تبادل المعلومات والخبرات عن طريق النت؛ نظرا لممانعة المجتمع لأي طريقة أخرى للتواصل مع الجنس الآخر، وأنت تعرف طبعا طبيعة المجتمع الخليجي في هذا الأمر، قد تقول وتسأل عن طبيعة الفائدة التي نتبادلها؛ فأقول لك: في جامعتنا الأسئلة والمناهج موحدة، ولكن الدكاترة في كثير من الأحيان مختلفون فنستفيد من بعضنا في هذه الأمور.
لا أنكر أن الحوار قد يخرج أحيانا إلى أشياء أخرى مثل الحديث عن رأي في شرح الدكتور الفلاني، ومن أي كتاب أذاكر هذه المادة، وعن مستواي الدراسي في المادة الفلانية، وهكذا، ولكن لا يتعداه إلى أمور شخصية.
وسؤالي: ماذا نفعل؟ وكيف نتصرف؟ وما المبادئ التي يجب أن نلتزم بها عند حديثنا مع أناس غرباء على النت سواء كانوا إناثا أو ذكورا؟ هل تتوقع أن قطع كل العلاقات وإلغاء الماسنجر من على كمبيوتراتنا وتحريم الشات على أنفسنا أفضل؟ أم الأفضل وضع أسس ومبادئ أضعها أمام عيني وهو ما أفعله دائما، مثل أن "النت عالم خيال لا أعرف فيه حتى جنس المتحدث؛ فقد يكون ذكرا وهو أنثى وهكذا، أي أضع أمام عيني إمكانية الخداع في أي وقت، وألا يخرج الحديث عن دين أو علم، وأتجنب تماما المواضيع الشخصية، وأعتبرها في حكم الحرام أمامي حتى لا ينجرف بي التيار"؟ هل تعتقد يا دكتور أن ذاك أفضل أم التوقف تماما هو الأفضل؟
أنا فعلا محتارة جدا في هذا الأمر، ولقد ناقشته كثيرا مع من حولي، وبصراحة لم أصل إلى حل في هذا الأمر. عن نفسي وصديقاتي الجادات لا ندخل الشات أبدا، وإنما فقط بالماسنجر، ونتحدث فقط مع من نستفيد منه، وفي الأمور العامة العلمية أو الدينية، ولا ندخل في الأمور الشخصية، مع الأخذ في العلم أننا لسنا مراهقات بل جادات وفي كلية علمية من كليات القمة.
قد تقول: إن ما نفعله خلوة، أسألك كيف يكون خلوة وهو لم ير شكلي ولم يسمع صوتي وأحيانا كثيرة لا يعرف حتى اسمي؟ أنا لا أناقشك لأحلل لنفسي، ولكن أبين لك أنني فعلا أشبعت الموضوع حوارات وأسئلة مع أصحاب الرأي ممن حولي، ولم أصل إلى نتيجة،
لا أدري هل تساعدنا وتفصل لنا الموضوع؟
وشكرا.
20/8/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة، أشكرك على ثقتك ومشاركتك.
أكتب إجابتي هذه وأمامي بحر الشمال على ساحل مدينة لاهاي؛ حيث وجدت أنني سأكون أصفى ذهنا، وأوسع نفسا لأتفاعل مع رسالتك الهامة، وبالمناسبة فإن كلماتي هنا مدينة لسؤالك أكثر مما هي ردود مباشرة أو مجرد تعليقات عليه، إنما هي أفكار تداعت ردا على سطورك، أو بالأحرى على هامشها.
* تعودنا في ثقافتنا المعاصرة السائدة حاليا أن نخلط بين التحليل والتفسير والنقد، والرفض والإدانة أو المطالبة بالترك أو المقاطعة؛ فكل نقد هو بالقطع -في عامة تفكيرنا- مقدمة للتحريم أو التخويف أو النصح بالابتعاد، وهذا بعيد عن الحقيقة، وعن المنطق، ولكنه الشائع عندنا للأسف، وتأملي معي:
1- عندما أضع عنوانا لإجابة إنقاذ ضحايا الشات، وأكتب عن الأوضاع النفسية، والأحوال التي تنتاب من يتعامل مع هذه الطريقة في التفاعل بين الناس، وكمثال الحديث عن ضحايا الحوادث على الطرق السريعة؛ فهل الحديث عن إنقاذ هؤلاء الضحايا يمُت بصلة إلى المطالبة بإغلاق الطرق السريعة أو تحريم أو تجريم السير فيها؟!
2-تقولين: إنني وضعت "حلولا" لـ"مشكلة" ضحايا الشات، وعفوا أنا لم أحاول مطلقا وضع "حلول"، وأنا لم أعتبر الشات "مشكلة".... هكذا بإجمال.... وبالتالي هي محتاجة إلى حل!!
الشات وسيلة اتصال، وطريقة تواصل حاولت أنا تفسير النواحي السيكولوجية أو النفسية والشعورية المصاحبة لاستخدامها، ومن فرط التفصيل والتحليل بنى البعض وجهة نظر سلبية، وذهبوا يقولون: إذن.... وداعا للشات!!
وذهب آخرون يقولون:
ولكننا لا نستطيع الاستغناء عنه، وذهب فريق ثالث ليقول: أصبتنا بالحيرة يا دكتور، هل ننقطع تماما عن الشات رغم فوائده؟! والجميع هنا في هذه الأصناف لم يفهمني!!
3-تقابلني مشكلة أخرى في الكتابة لكم، وفي قراءة البعض لما أكتب؛ فأنا رغم محاولتي إشباع الجانب العام في المشكلة المعطاة لي؛ فإنني أظل محكوما بسؤال أتفاعل معه، وأجيب ردا عليه، وبالتالي أؤكد دائما -وأرجو أن يكون هذا واضحا- أنني وزملائي إنما نُنتج على هذه الصفحة نوعا من "الفتاوى" الاجتماعية والنفسية، ولمن لا يعرف الفارق بين الفتوى والفقه أقول: إن الفتوى تتحدث عن حالة معينة، والفقه يحاول وضع قواعد لها صفة العموم للتعامل مع الحالات المشابهة طبقا لقواعد التنظير الفقهي.... "أصول الفقه".
إذن لدينا مستوى الفتوى ومستوى الفقه ومستوى الأصول، والخلط بين هذه المستويات يصيب بالبلبلة. وللتوضيح أقول: إنني إذا قلت في إجابة ما: إنك يا فلان أو أنت يا فلانة عليكما الانقطاع عن الاتصال بالشات مع فلان، أو عليكما الانتباه لأضرار هذه الوسيلة وسلبياتها؛ فإنني لا أعني بالضرورة أن ينقطع الجميع عن الشات رغم وجود السلبيات، ولا أعني أبدا تحريم الشات رغم الجو النفسي الذي يخلقه، ولا أقصد إلا أن أشرح وأبين طبيعة أو جوانب خافية من طبيعة هذه الوسيلة في التواصل؛ فما علاقة هذا الذي أفعله بالتحريم أو التجريم ما دمت لم أذكره أو أنصح أنا به من قريب أو من بعيد؟!
كل حالة تقدر بقدرها، والفتوى ليست كالفقه، وإجاباتنا ينبغي قراءتها بهذه العقلية. أما التعميم أو استخراج قواعد معينة أو أحكام عامة من إجابة بعينها؛ فهو مسؤولية القارئ يتحملها كاملة إلا أن يراجع الخبير أو المستشار/ المفتي للتأكد من رأيه، وهذا ما فعلته أنت، فجزاك الله خيرا.
وبناء على ما تقدم أقول -وبالله التوفيق-ردا على رسالتك ما يلي:
أولا: الشات وسيلة عبقرية للتواصل، ولكن لها أبعاد ينبغي فهمها، ولا أنصح بالإفراط في استخدامها من باب تضييعها لوقت كبير في مقابل نفع أقل غالبا، وينبغي دائما الاجتهاد في تعظيم النفع، وتقليل الهدر من الوقت لأن الوقت هو الحياة.
ثانيا: لمن يقرأ لي منذ فترة سيعرف أنني أعتقد في وجوب إنشاء وتشييد ما أسميه بالمجال العام حيثما كان مفتقَدًا مثل حالة الخليج، وإصلاحه حيثما كان معطوبا أو متعثرا مثل حالة بلدان عربية أخرى.
وأنا أتطلع إلى اليوم الذي يفتح الله فيه على الملتزمين والملتزمات دينيا، فيخوضون معركة -لا بد من خوضها- لبناء هذا المجال العام على قواعد الشرع، فيخدم مصالح الناس المهدرة نتيجة لغيابه وهي كثيرة، ولا معنى ولا فائدة لاستمرار انعدام هذا المجال العام، أو تعثره -حيثما هو متعثر- وأعتقد أن استعادته صحيحا وفاعلا وقويا ومؤثرا هي فريضة شرعية وضرورة إنسانية؛ فلا تقولي لي ولا يقولن لي أحد: عندنا في الخليج كذا وكذا؛ لأن هذا ينبغي أن ينتهي ويتغير.
خوضوا معركتكم عندكم لينشأ هذا المجال العام، وسنخوض معركتنا هنا في مصر -ونحن نخوضها منذ عقدين الآن وأكثر- لينهض هذا المجال من عثراته، وبالتالي الشات ليس علاجا، ولا كافيا ولا ناجحا ولا بديلا لغياب المجال العام، بل هو يصبح مشكلة عندكم فعلا إذا استمرت مجتمعاتكم بهذا الانغلاق الشكلي الذي تعيشه في العلن، وأنت تعرفين ما يجري تحت هذه القشور والمظاهر "المنغلقة".
ثالثا: لا يقول عاقل: إننا نحب أن تظهر الفواحش المختفية، ولكننا نطالب ونسعى لإشاعة ما نفهمه من مقصود الله سبحانه من التقاء البشر جميعا رجالا ونساء في مجالات ودوائر تفاعل مفتوحة للجميع دون ضوابط وقيود ولا موانع إلا ما هو معروف من قواعد سير وإشارات ضوئية كما في قانون المرور، أما منع الالتقاء بين الناس مخافة حصول الحوادث فمنهاج سقيم في التفكير والقياس والحركة، ضرب أمتنا في طاقاتها وفي تفكيرها بشلل وعجز ورهاب اجتماعي وخلل في نموها النفسي، وسلامتها الذهنية والشعورية، وآن لهذا كله أن ينتهي، ولن ينهدم القديم السائد إلا بتيار يهدمه لمصلحة الصواب الشرعي المنضبط بين الإفراط في الانغلاق الظاهري، والتفريط في الانحلال والانفلات والانحطاط الداخلي المنتشر للأسف.
والمشكلة عندكم في الشات تتعلق أكثر بالبيئة المحيطة باستخدامه أي بالظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية المعتلة التي تعيشونها وتعيشها معظم أقطارنا.
رابعا: اكسروا هذا الصمت والتواطؤ والكذب والنفاق الاجتماعي؛ فما عاد يجدي ولا ينفع بل هو ضار وخانق، اكسروا أنتم بعقل وتوازن لمصلحة الصواب الذي ينبغي أن يكون قبل أن يكسره غيركم، وهو ينكسر تدريجيا بالمناسبة، ولكن للأسف يكسره أصحاب الأغراض والأهواء المريضة، ونحن إما نتفرج أو نتحسر على الزمان القديم، ولا يستحق قديمنا أو المعيب فيه أية حسرة؛ فلنكسر المعيب لصالح أصيلنا الفطري والإنساني، وأنا ونحن أولى من غيرنا بتحطيم العادات والأعراف الجاهلية ولو تسربلت بالدين والأخلاق؛ فمكانها تحت الأقدام، ولا مستقبل لها على كل حال، ونحن ينبغي أن نكون الأحرص على تحطيم القيود الجاهلية لا تقديسها.
خامسا: أعتقد -بناء على ما تقدم- أن النتيجة أصبحت واضحة أمامك؛ فالشات وسيلة تعرفينها جيدا، وتحتاجين إلى استخدامها، وحين تفعلين هذا ستكونين واعية بالفوائد والأضرار، والحديث بالشات ليس خلوة شرعية، ولو كان فرديا، ولكن طبيعته مراوغة ومؤثرة؛ حتى لو كان عاما فيه الحديث، كما شرحت أنا بتفصيل؛ فينبغي الحذر من الانزلاق من الهادف والمفيد إلى غيره، وضوابط الحوار مع غرباء على الشات هي نفس ضوابط الحوار معهم في الحياة العامة، ولكنك يا فتاتي لم تجربي تقريبا هذا "الاختراع" الذي اسمه الحوار والتفاعل مع غريب في المجال العام؛ لأنه ليس لديكم مجال عام!!
إذن نستخدم الشات حيثما كان نافعا وبضوابط العلاقة مع الغريب، ولكن تبقى معركتكم الأهم هي خلق أو إيجاد "المجال العام" والعلاقات الطبيعية العامة بين البشر؛ لأن النت ليس بديلا عنها بحال من الأحوال، وتزداد أضراره عندكم حين تستخدمونه وكأنه بديل عن الاجتماع الإنساني المباشر بين البشر؛ وهو ما يحدث للأسف في بلدانكم، وتزداد الخطورة أكثر وأكثر حين يكون هو الوسيلة الوحيدة للتعارف والتواصل بين الجنسين، والصورة الوحيدة للعلاقة بينهما، ولو كانت تتحدث في العام؛ لأنه أداة اتصال "خاصة" بطبيعتها، و"فردية" بحكم تقنيتها.
والمطلوب منك ومن كل زميلاتك الناضجات الجادات أن تكتبن وتتحركن وتصرخن في وجه الأخطاء الاجتماعية المزمنة التي عندكم، ومنها غياب المجال العام، ونحتاج إلى حوار عميق حول:
كيف يمكنكم القيام بهذا؟! لأنه صعب، ولكنه مسألة حياة أو موت فيما يتعلق بمستقبل مجتمعاتنا ونهضتها.
أما الشات فسؤاله أسهل بكثير، وينبغي أن نستخدمه كجزء من حركتنا وطموحنا إلى التغيير، والتواصل لتحقيق أهدافه، وليس مجرد بديل في مجتمعات يمنعها تخلفها من الاعتراف بالمصالح المعتبرة للناس في التعاون والتواصل.
كيف تتغير مجتمعاتنا يا عزيزتي؟!! هذا هو السؤال، وتحياتي من لاهاي.
واقرئي أيضًا:
لا أتزوج فتاة إنترنت : جولة مع فقه الرعب م
في الخليج: أنانية وتعنت أم سوء تقدير؟!
حكاية الأخت "تي تي".. صرخة من الخليج
صرخةٌ في الخليج المفتوح: أريد بنتا أكلمها