متى يكون لأطفالنا لعبة عربية؟!..1
الجدوى الاقتصادية لإنتاج لعبة عربية
وعن الجدوى الاقتصادية لصناعة لعب عربية خاصة بالطفل العربي تقول الدكتورة عبلة إبراهيم: يستطيع رجال الأعمال والمستثمرون العرب توجيه بعض استثماراتهم إلى صناعة لعب الأطفال، مثلما حدث في دول النمور الأسيوية التي قامت اقتصادياتها على أكتاف صناعة لعب الأطفال، وسبقتها اليابان، ثم انطلقوا منها إلى أدق الصناعات الإليكترونية وأعقدها، واحتلوا مركز الصدارة في هذا المجال بين دول العالم المتقدم، كما تسعى أيضًا معظم الدول المقتربة من النمو مثل تايلاند والفلبين وفيتنام إلى أن تحذو حذو جيرانها، فاحتلت مكانة متقدمة في هذه الصناعة مستغلة في ذلك الميزة التنافسية التي تتمتع بها من توفر ورخص الأيدي العاملة، وتشغيلها في المراحل الفريدة التي تحتاجها صناعة اللعبة الواحدة التي تزيد أحيانًا عن 20 مرحلة (على سبيل المثال يحتاج جسم الدمية المصنوع من البلاستيك أو القطن، إلى صناعة وتركيب الشعر والرموش والعيون، وتصميم وصناعة الأزياء ومستلزماتها من الحلي والأحذية والحقائب وغيرها إضافة إلى الصوت أحيانًا).
ويمكننا أن نشير إلى أن ألمانيا قد نهضت باقتصادها عقب الحرب العالمية الثانية على أكتاف صناعة لعب الأطفال، ثم انطلقت منها إلى الصناعات الإليكترونية المعقدة High Tech. وتركت هذه الصناعة لارتفاع تكلفة الأيدي العاملة فيها، بينما تبلغ نسبة اللعب المستوردة في السوق المصري 95% ولا يوجد سوى عدد محدود جداً من مصانع لعب الأطفال المتخصصة في الدول العربية ومنها مصر، رغم ما تتمتع به من وفرة ورخص الأيدي العاملة فيها، ويغيب عنها استغلال هذه الميزة التنافسية في النهوض بصناعة لعب الأطفال والتفوق فيها، وغزوها للأسواق العالمية بمثل هذه المنتجات.
والسوق العربية تعنى أسواق اثنين وعشرين دولة عربية تضم مائتي وثمانين مليون نسمة، وهي أسواق متعطشة لمثل هذا المنتج وتشتد الحاجة إليه، نظرًا لاشتراك الدول العربية في الخصائص الثقافية والفكرية والحضارية واللغوية والبيئية الواحدة، فإذا افترضنا أن القوة الشرائية لهذه الأسواق تقدر بنسبة 20% من تعداد سكان هذه الدول فإننا بهذا نفترض أن تكون تلك المنتجات مستهدفًا شرائيًا من حوالي خمسين مليون طفل، ويمكن الاطمئنان لهذا الافتراض إذا كانت أسعار هذه المنتجات مناسبة ومعقولة (في حدود 10 دولارات للمنتج الواحد مثلاً) كذلك هناك أسواق أخرى لدول إسلامية مجاورة متعطشة لمثل هذا المنتج من اللعب والعرائس والدمى التي تُعبّر ثنايا أشكالها وأزيائها وحركاتها عن القيم والتقاليد التي يشترك معنا فيها شعوب هذه الدول الإسلامية - غير العربية - سواء في آسيا أو أفريقيا، كذلك هناك أطفالنا العرب في دول المهجر الذين هم في حاجة لمثل هذا المنتج الذي يزيد من ارتباطهم بثقافتهم العربية، إضافة إلى أطفال العالم الغربي الذين تستهويهم الأشكال الشرقية من اللعب والعرائس القومية.
صانع القرار واللعبة العربية
ويشير البحث إلى ضرورة التدخل السريع من صناع القرار العربي ومن المستثمرين العرب لما لهذا المنتج من أهمية بالغة في تشكيل شخصية الطفل العربي والتأثير على ثقافته، ويكون ذلك من خلال:
أولاً: تنمية الوعي بأهمية اللعبة؛ بوصفها أحد المداخل الهامة لتربية الطفل وتنشئته تنشئة سليمة، وبوصفها وسيلة فعالة لتعليم وتعلم الطفل، ولها تأثيرها البالغ في تنمية اتجاهاته وميوله وانتماءاته، والتأكيد على ضرورة مراعاة تناسب نشاطات اللعب مع كل مرحلة وفقًا لقدرات الطفل وإمكاناته الذهنية والعضلية، والتوعية بخطر استيراد الألعاب الإليكترونية، وبرامج "السوفت وير" وألعاب الكمبيوتر والإنترنت التي تؤدي دورًا جيدًا في تعليم وإعداد طفل القرن الحادي والعشرين لكن لها أضراراً عصبية و نفسية بالغة.
ثانيًا: وضع معايير جودة شاملة لصناعة واستيراد لعب الأطفال ووضع تشريع لضمان تطبيقها؛ حيث تتفق معظم القوانين والدساتير العربية على تكفل الدولة بحماية الطفولة ورعايتها، وتوفير الظروف الطبيعية الملائمة لتنشئتها النشأة الصحيحة من مختلف الجوانب؛ بينما يخلو أغلبها أو كلها من نص صريح يحمي الطفل من أخطار اللعبة سواء المصنعة محليًا أو المستورة، وذلك لعدم مطابقتها للمواصفات الصحية والبيئية كتصنيعها بخامات سامة، أو ضارة من البلاستيك أو الألوان أو الأصباغ أو الأقطان، وعدم مطابقتها لشروط السلامة والأمان عند استخدامها مثل احتوائها على القطع الصغيرة أو المدببة أو الحادة أو لعدم مطابقتها للمعايير الثقافية التي لا تتفق مع معاييرنا وقيمنا العربية وغياب الرقابة على المستورد منها، أو على المصنع محليًا الذي يعمد إلى تقليد ومحاكاة اللعب المستورد منها، لهذا يجب وضع هذه المواصفات القياسية للجودة الشاملة للعب المصنعة محليًا أو المستوردة وسن تشريع ينظم ويضمن تطبيقها.
ثالثًا: إعادة النظر في النسب المقررة من الضرائب الجمركية على الخامات المستوردة المغذية لمثل هذه الصناعات؛ فعلى سبيل المثال "في مصر" الجمارك المفروضة على الأخشاب المصنعة "الأبلكاش" التي تعتمد عليها صناعة الألعاب التعليمية تبلغ قيمتها 40% من ثمنها وتضاف هذه القيمة على سعر المنتج، مما يؤدي إلى ارتفاع ثمنه؛ وبالتالي عدم الإقبال على شرائه، بينما تبلغ قيمة الجمارك المفروضة على اللعبة المستوردة المصنعة من هذا الخشب 10% فقط أو أقل، وبهذا يحسم الأمر لصالحها، ونجد نفس هذا الأمر غير المنطقي بالنسبة للألوان التي تدخل في صناعة كل الألعاب حيث ترتفع القيمة الجمركية على الألوان المستوردة المطابقة للمواصفات الصحية مما يؤدي إما إلى زيادة تكلفة اللعبة المصنعة محليًا، وبالتالي عدم ترويجها، أو توقف إنتاجها، وبالتالي الإقبال على الألعاب المستوردة التي تتمتع بانخفاض القيمة الجمركية أو إلى اضطرار المستثمر العربي إلى استخدام ألوان وصبغات غير مطابقة للمواصفات الصحية السليمة، وهي مواد سامة تودي بحياة الطفل أو إصابته بأمراض خطيرة، فاللعبة ليست بعيدة عن فم الطفل؛ وبالتالي ليست بعيدة عن دمه وجسمه.
رابعًا: إلغاء الضرائب الجمركية بين الدول العربية على لعب الأطفال، حتى يسهم هذا في زيادة الرواج بالنسبة لهذا المنتج؛ وبالتالي تشجيع هذه الصناعة عربيًا وزيادة إقبال المستثمرين العرب عليها مما يؤدي إلى مزيد من الإجادة فيها والقدرة على منافسة المستورد منها، مع الأخذ في الاعتبار أنه بعد التنفيذ الكامل لاتفاقية الجات التي وقَّعت عليها غالبية الدول العربية ستلغى كافة الحواجز والضرائب بين الدول والأسواق العالمية وبهذا ستكون السيادة والغلبة للمنتج الأجود والأقل سعرًا
واقرأ أيضا:
هل من حقنا التجسس على أبنائنا؟!1 / أينشتاين الصغير.. كيف أكتشفه؟