انسحاب اشتباك تطبيع: معضلتنا الأخلاقية الحالية!
أواجه معضلة أخلاقية.
تلقيتُ مؤخرًا عرض عمل رائع من شركة دولية مرموقة. بحثتُ عن الشركة قبل الانضمام للتأكد من أنها ليست منحازة بأي شكل من الأشكال، والحمد لله أنها ليست كذلك.
لكن المشكلة هي أنني بعد الانضمام اكتشفتُ أن لديهم موظفين من بلد لا أحب ذكر اسمه لأني أقاطعه. لن أتفاعل معهم أو أعمل معهم لأنهم في فريق مختلف، ولكن من يدري ما سيحدث لاحقًا.
لا أستطيع تجاوز حقيقة أنهم زملاء لي. هل أرفض هذا العرض الرائع وأخاطر بعدم الحصول على وظيفة، أم أقبل أنني سألتقي بهم على الأرجح في أي شركة دولية، وعليّ التعامل مع هذا الأمر طالما أنني أرغب في الحصول على مسيرة مهنية أفضل؟
المسألة تتعلق أيضًا بمشاعر الذنب والتقزز، ترتبط بمشاهد القتل والتدمير الوحشي والدماء وصراخ الأطفال،
ليس كل هذا سهلا ولا يمكن أن يكون، كيف يمكنني مسامحة نفسي إن قبلت التعاون معهم كيف؟
30/10/2025
رد المستشار
عزيزتي "مجد" أهلا وسهلا بك ونأمل أن نكون معاونين لك
سؤالك يا سيدتي عميق جدًا، وينطوي على صراع أخلاقي وإنساني حقيقي وليس مجرد تردد مهني فما تصفينه هو ما يسمى في علم النفس الأخلاقي بالتنافر القيمي Moral Dissonance أي عندما تتصادم قيمك العميقة (مثل الانتماء والعدل والرحمة) مع الواقع العملي الذي يتطلب منك الحياد أو التعاون ضمن نظام أوسع.
فالغضب والاشمئزاز الذي تشعرين به هو ردّ فعل طبيعي أمام الظلم والفجر والمذابح التي نشاهدها وهذا ليس تطرفًا، بل دليل على ضمير حي وتعاطف قوي.
أما شعورك بالذنب فهو نابع من خوفك من "التطبيع القيمي" أي أن قبولك بالعمل قد يُفسَّر في لاوعيك وكأنك غيرت مبدئك الأخلاقي. لكن من المهم أن تفرقي بين الاعتراف بوجود المختلف والاعتراف بشرعيته أو أفعاله. فالعمل في بيئة فيها أشخاص من بلد ما لا يعني أنك تبرّرين جرائم حكومتهم أو تتنازلين عن موقفك الإنساني.
إن رفضتِ العمل، ستشعرين بالاتساق الداخلي، لكنك تخسرين فرصة مهنية ربما لا تتكرر. وإن قبلتِ العمل، فأنتِ لا تتنازلين عن مبادئك، بل تختارين مسارًا استراتيجيًا: أن تواصلي مسيرتك وتبقي على موقفك الأخلاقي الداخلي (وهو ما أميل له حيث أرى أن وجود أمثالك في أماكن مهمة هي بذور لنباتات أخلاقية وقد يكون لك دور أكبر مما تظنين في وجودك وسط من قيمهم قد تكون مختلفة وأخلاقهم قد تكون غير مناسبة). فالموقف الأخلاقي الناضج هو التمييز بين الأشخاص والمؤسسات والسياسات فليس كل شخص ينتمي لبلد ما مسؤولًا عن أفعال حكومته أو موافقاً عليها.
وأخيرا كيف تتعاملين عمليًا مع المشاعر والذنب
1. ضعي نيتك واضحة داخلك: إنك لا تعملين دعمًا لأحد، بل تسعين لتمكين نفسك لتكوني صوتًا أقوى لاحقًا في الدفاع عن القيم التي تؤمنين بها. فهذا يعيد التوازن بين الأخلاق والمصلحة دون خيانة الذات.
2. قولي لنفسك: وجودي في الشركة لا يعني انتمائي لقيم كل موظفيها فأنا أختار ما أمثله وما لا أمثله.
3. ضعي حدودًا للتواصل حيث يمكنك التحلي باللباقة المهنية دون تجاوز لمبادئك فلا داعي للعداء، ولا للحميمية الزائدة فقط تواصل مهني محترم ومحدود.
4. افعلي شيئًا رمزيًا لكي تتوازني نفسيا كدعم مبادرة إنسانية أو التطوع أو التبرع لضحايا الحرب فهذه الأفعال الصغيرة تخفف الإحساس بالذنب وتعيد لكِ الإحساس بالاتساق الأخلاقي.
5. ذكّري نفسك أن القطيعة التامة مستحيلة في العالم فليس الانخراط هو المشكلة، بل التبرير أو اللامبالاة.
فالضمير الحي لا يُقاس بالانسحاب، بل بقدرتك على البقاء في العالم دون أن يتلوث قلبك فيمكنك العمل بنزاهة، والحفاظ على حدودك، والاستمرار في رفض الظلم داخليًا وهذه ليست خيانة، بل نضج أخلاقي نادر.
والله من وراء القصد
ويتبع>>>>: انسحاب اشتباك تطبيع: معضلتنا الأخلاقية الحالية! م. مستشار2