خائفة من الناس والمستقبل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بحثت في النت كثيراً، وأردت الفضفضة في مثل حالتي، وأرجو أن يتسع صدركم لقراءاتها، وآسفة للإطالة.
قبل أن أبدأ أقول الحمد الله الحمد الله الحمد الله على اختياري بين البشر لابتلائي، اللهم لك الحمد إذا رضيت ولك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى.
من أين أبدأ؟ كنت طفلة شقية جداً، ولشدة شقاوتي تعرضت لحادث سيارة وأنا في الخامسة من عمري؛ ارتطم رأسي بالرصيف فانكسر قاع الجمجمة وحدث نزيف داخلي، بالتالي خروج سائل شفاف وضمور في أعصاب السمع فأصبت بالصمم الحسي بكلتا الأذنين بنسبة 75 ديسبيل، أصبحت في وقتنا الحالي 85 %.
الحمد الله أبي وأمي يعاملاني أحياناً معاملة خاصة ولكن دون تمييز بين أخواتي، وخصوصاً أبي يحاول تعويضي أكثر لإحساسه بالذنب نتيجة الحادث.
الحمد لله كنت أتكلم قبل الحادث لذلك لم يكن هناك صعوبة في النطق عندي باللغة العربية إنما في اللغات الأخرى أجد في نطقها صعوبة بسبب تعليمي في البداية بطريقة خاطئة؛ كانوا يكتبون لي مثلاً كلمة قلم حبر أو رصاص بالعربي بن وبنسيل و... مما أثّر في نطقي كثيراً.
لم أدخل مدارس خاصة إنما مدارس حكومية عادية لوجودنا في الصحراء -بسبب عمل أبي... كنت بحاجة إلى طبيب نفسي أكثر من طبيب سمعيات بسبب انطوائي وعدم تكيفي الاجتماعي بالدرجة الكافية، كنت أقيم في الخليج والاحتكاك قليل جداً في المجتمع من المدرسة إلى البيت ومن البيت للمدرسة، لم أكن بحاجة إلى متخصص في التخاطب وقتها لأني كنت أجيد الكلام قبل الحادث فلم يتأثر نطقي باللغة العربية، إنما باللغات الأخرى لست كذلك، وخصوصاً الانجليزية رغم تقوقي بها دراستي في الشفهوي والتحريري واعتمادي على الحفظ للأسف، فمناهجنا العربية زمان الجزء الأكبر منها يعتمد الحفظ والحشو ونسبة الفهم ليست كبيرة.
الصعوبات التي مررت بها أكثرها في المدرسة، لم أدخل مدرسة خاصة كما قلت إنما مدرسة حكومية لعدم وجود مدرسة أخرى في منطقتي... بعض المدرسات وليس كلهن في المراحل التهميدية والابتدائية كن يهتممن بي، وبعضهن أهملنني وكن عصبيات رغم تنبيه أمي لهن، مما أدى إلى انطوائي عن زميلاتي -عدا أبناء جيراني- وكنت قد خرجت للتو من الحادث. كنت أعاني في الصف؛ أنظر إليهن كأنهن عرائس متحركة صامتة كأفلام شارلي شابلن رغم سماعي الأصوات لكن الكلام غير مفهوم مما أدى لانطوائي الشديد في البداية ودخولي حالة نفسية من عدم تقبّل المدرسة، وخوفي من المدرسات غير الصبورات ومن عصبيتهن وخوفي من الضرب والسب بكلمات يا كسلانة يا... هذا في بداية السنوات الأولى من الابتدائية.
بفضل الله وفضل أسرتي تجاوزت ذلك بتفوقي وإصراري وإعادة الثقة في نفسي وكنت الأولى على صفي بين أقراني الطبيعيين حتى أنهيت المرحلة الثانوية الفرع العلمي عام 1994 بمجموع %96.75، كنت أتمنى أن أصبح طبيبة أسنان أو صيدلانية ولكن الحمد الله التنسيق وقتها لم يلحقني بالكلية التي تمنيتها في مصر ودخلت كلية الهندسة الإنشائية... لم أحبها كما أن عائلتي استخسرت المجموع، فأردت دخول كلية نظرية أفضل لي ومناسبة لظروفي من كلية بهذا القسم.
كنت أعاني في هذه الكلية ليس بسبب صعوبتها إنما لعدم قدرتي على سماع المحاضرات في المدرجات، وسرعة إلقاء الدكاترة أثرّا كثيراً على نفسيتي ومعاناتي في فهم المواد، رغم أني كنت آخذ دروساً خاصة في مادة أو مادتين، رغم أني كنت أتمنى أن يدرسني المادة الأساسية لتخصصي شخص بذاته لتفوقه في الشرح فلا يوجد غيره (واحد عنده ظروف في عينيه فلم أستطع التركيز لأني أقرأ الشفاه والوجه، أعتقد أنكم تفهمونني)، فالمعيد المتفوق رفض إعطائي لأسباب يعرفها هو ولا أعلمها أنا ما أدى إلى فشلي في هذه المادة أساس تخصصي وكرهي لها ورسوبي فيها كل سنة رغم استماتتي في فهمها وشرحها لنفسي ومساعدة زميلاتي اللاتي للأسف كان مستواهن فيها ليس عالياً. أدى ذلك إلى معاناتي منها حتى الآن؛ فبسببها رفضت العمل بها، ولا يوجد عمل لسيدات في المكاتب الهندسية غير التصميم الإنشائي خاصة في دول الخليج وأنا لا أستطيع العمل كمدرسة أو حتى سكرتيرة بسبب اللغة وظروف سمعي وعدم قدرتي على التركيز مع أكثر من شخص واحد.
الصعوبة الأخرى التي أهملتها أسرتي هو التكيف مع الغرباء خارج المدرسة؛ فأنا أخاف بشدة وأتوتر من مقابلة الغرباء حتى الآن، وأثناء دراستي في الجامعة هذا المجتمع الغريب المفتوح المختلط، فالغرباء في المواصلات والمحلات والمصالح العامة كثر، أطلب منهم إعادة الكلام فيصرخون في وجهي وأحياناً يلمسونني حتى أعرف أنهم يكلمونني فألتفت إليهم وأتعرض لمواقف محرجة كثيرة لا داعي لذكرها فتؤثر في نفسي وتترسب فيها مع المواقف الأخرى، مما أدى لحساسيتي لأقل موقف... فرد فعلي دائماً هو الاعتذار لهم بأني لم انتبه، أو أني لم أركز جيداً! وهكذا الاعتذار على لساني دائماً رغم أن الأمر فوق إرادتي، وأحياناً أقول لهم مضطرة -مع أنهم غرباء- أن سمعي ضعيف.
الصعوبة الأخرى أني لا أسمع أي شخص يتحدث إلي حين يكلمني وهو مولٍّ ظهره لي، فأنا أعتمد اعتماداً كلياً على قراءة الشفاه، وبسبب ذلك أتعرض للخجل لأن طبيعة عملي التنفيذ في بلدي فأتعرض لمخالطة الرجال، وأنا يغلبني الحياء فلا أستطيع النظر في وجوههم والتركيز على شفاههم، لذلك أسمع النساء أفضل، وبالتالي لا يعتمد عليّ رؤسائي فأفقد الثقة في نفسي وقدارتي وأني إنسانة لا يعتمد عليها أو لا قيمة لها...
أستغفر الله، أستغفر الله.
أما في المناسبات الاجتماعية فبالطبع لا أستطيع الاستماع لكلامهم الجماعي، أو حتى حضور اجتماع، فلا بد أن أسأل الجالس بجانبي عما كان المتحدث يقول لأني لا أستطيع التركيز على شفاه الجميع... وتدريجياً فقدت الاهتمام بما يقولون، بل حتى أني لم أعد أتابع الأفلام والمسلسلات العربية في التلفاز واكتفيت بالأفلام الانجليزية لوجود الترجمة المكتوبة فاخفض الصوت أنظر للترجمة فقط... والآن أطلب لو كلمة لم أسمعها كنت أحضر ورقة وقلم، لم أكن أفعل ذلك في السابق وصرت أفعله اليوم. حماسي وطموحي في الحياة للأسف يقل ويقل ويقل.
بالنسبة لعلاج سمعي، نعم عرضت على أفضل الأطباء في قطر ومصر منهم الدكتور عبد العزيز بلال بالإسكندرية والدكتور صلاح سليمان باب اللوق والدكتور سامح فريد وغيرهم، أجمعوا جميعاً بأن العلاج لي فقط هو السماعات الطبية وأن زراعة القوقعة لن تجدي نفعاً، واستخدمت من سماعات البوكس الألمانية إلى سماعات خلف الأذن وآخرها الرقمية... كنت في السابق أسمع جيداً باستخدام البوكس (الصندوق) أما الآن فلا أستطيع الاستماع بها إنما أستخدم الآن سماعة اسمها "أوتيكن"- لا أدري لم سماعات الأذن الرقمية الخلفية مهما برمجت بحسب القياس مثل "فوناك و"اوتيكون" فإنها تضخم الأصوات العالية بصورة فظيعة وتخفض أصوات البشر الجالسين بجانبي! بالتالي أفقد أعصابي مما يؤدي إلى فقد تركيزي.
أكره مقابلات العمل، أكرهها جداً، فأنا جبانة، اطلب دائماً من أحدهم في أسرتي أو صديقاتي مرافقتي إليها. فقدت الثقة في كل الرجال، المفروض أني اعتدت لكن لا أدري لماذا؟ منذ سن الطفولة كرهت الذهاب إلى الأطباء -ليس لشخصهم- لأني عنيدة باستمرار، بل حتى الآن لما يحين موعد قياس السمع والبرمجة والتجربة أصاب بارتعاش وتوتر لأني أغرف أن سمعي يضعف ويضعف ويضعف.
أستخدم سماعة واحدة فقط في اليمين، وأسمع بها 60 % لكن الضعف فيها وصل 85 % ديسبيل، أما اليسار فمن صغري كنت أرفض السماعة بها، فقد كنت أصاب بصداع، مما أدى إلى فقد سمعي بها نهائياً.
اعذروني على عدم التناسق في كتابة أفكاري، كنت محتاجة للفضفضة وأعرف أنكم أكثر الناس اختصاصاً وستفهمونني .
أعتذر مرة أخرى على الإطالة، وفقكم الله لجهودكم وجعل ما تبذلونه في ميزان حسناتكم يوم القيامة.
سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إاله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إاله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إاله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ودمتم بألف خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
7/7/2009
رد المستشار
أختي العزيزة،
جعلك الله من الفائزين في الدنيا والآخرة على إيمانك وصبرك على هذا البلاء. لقد أحسنت القول بأن الفضفضة تريحك، بالفعل مَن مِن البشر لا يعاني ولا يحتاج لمن يستمع لمعاناته؟.
فبخصوص ما تعانين، أود أولاً أن أحييك على قوة إرادتك التي مكنتك من التحدي والنجاح بتفوق بارز، هذا في حد ذاته يجعلك قدوة لمن يتمتعون بكل حواسهم ونراهم غير متميزين بحجة أو بأخرى. فكما تسلحت بقوة الإرادة وأنت صغيرة السن، حريّ بك أن تكون إرادتك أقوى وأنت ناضجة واعية بحيثيات الوضع.
تقولين أنك غير قادرة على العمل في تخصصك؛ أظنه مجرد تخمين وتخوف، لكن لا أحد يجبرك على هذا، فهناك مجالات أخرى تستطيعين العمل فيها، ألم تفكري في إنشاء مشروع يكون حسب ميولك وقدراتك؟ ألم تفكري في تدريس الصم البكم؟ أظن أنك أكثر من سيفيد هذه الشريحة، بل ألم تفكري في إنشاء مركز متخصص لذوي الاحتياجات الخاصة وما أكثرهم؟ ما أغفلنا جميعاً عنهم نسأل الله أن يغفر لنا تقصيرنا، فالوطن العربي في أمس الحاجة لهذه التخصصات، قد يتطلب الأمر الدخول في مركز تكوين المعلمين في هذا التخصص ولكنه يستحق التضحية. أكيد قرأتي أو سمعتي عن أناس معاقين كلياً ولكنهم برعوا وأبدعوا في ميادين مختلفة، ضعي لنفسك أهدافاً وتمسكي بها وعيشي لتحقيقها.
أختي العزيزة،
لا تستسلمي حتى يطغى عليك الشعور بفقدان الثقة في نفسك، صحيح أنك تحتاجين من يفهمك ومن يرافقك ومن ومن... لكن هذا لا يعني أنك عاجزة! عليك أن ترفضي هذه الفكرة حتى لا تتحول إلى معتقد ثم سلوك يكبلك، تذكري دائماً ما حققته (مجموع %96.75) بإصرار وقوة إرادة.
صحيح أنك تحسين بإحراج في مواقف معينة وهذا من طبع البشر، فحتى من لا يعانون من إعاقة حسية أو حركية يتعرضون لمواقف محرجة واحمرار وتلعثم وو... ابحثي في داخلك عن كل ما هو جميل واستثمريه، فإذا كان سمعك ضعيفاً ويتطلب جهازاً ومتابعة دورية ففيك جوانب قوة أراك قد غفلت عنها.
أهم ما أنصحك به أن تتقبلي نفسك وتفتخري بها، ويكفيك أنك مؤمنة بالله راضية بقضائه، واعلمي ولنعلم معك أنه ما منع عنا إلا ليعطينا.
أسأل الله أن يوفقك ويعينك على تحقيق إنجازات تفخرين بها في الدنيا والآخرة.