ماء وهواء وسماء: ضحايا تلوث البيئة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اسمحوا لي أن أبلغكم فائق حبي واحترامي وتقديري، واسمحوا لي أن أبثكم شوقي الذي طال للقياكم عبر الفضاء الإلكتروني. أصبحت مدمنة -في الحقيقة- على موقعكم الكريم، وأرغب بالتواصل بأي شكل وبكل شكل. لم أعرف بعد الطريقة لتسجيل المدونات أو المشاركة برأي، ولم أعرف إن كانت رسالتي الأولى قد وصلت لحضراتكم، لكن ما أعرفه أن بي شوقاً شديداً ليكون موقعكم جزء هاماً في حياتي وأكون عنصراً فعالاً فيه، واسمحوا لي أن أقول موقعنا لأنني أعتبره موقع كل الشباب العربي والمسلم، وإن أثبت الموقع أنه أكثر جدارة من ذلك.
ولكي لا أطيل عليكم لعلمي بمدى ثقل أعمالكم وكثرتها، اسمحوا لي أن أختصر استفساراتي في عدة نقاط:
1- أرغب بمعرفة هل من طريقة لمد يد العون لموقعكم الكريم؟ أنا على استعداد لبذل أي مجهود لخدمة الآخرين والمشاركة الفاعلة في الموقع.
2- أرغب بطرح مشكلتي الأساسية، ولكن بعد اطلاعاتي الكثيرة على الاستشارات المختلفة اكتشفت عدة مشكلات نفسية أعاني منها ولم أكن أعلم أنها مرض حتى قرأت عنها في الاستشارات، ومنها مشكلة التعلّق.
أعاني من تعلّق شديد بالأشخاص أياً كانوا: أصدقاء أو أقارب أو حتى أطفال، من الذكور والإناث، ووصل تعلقي لدرجة أني بت أخاف من إقامة أي نوع من العلاقات مع أي كان صداقة أو زواج أو أي شيء خوفاً من فقدهم فيما بعد!. كما أني أفكر إما بترك منزل والدي أو حتى الزواج إلى مكان بعيد لئلا أكون موجودة حين وفاتهم لأني سأجنّ. وتعلّقي هذا للأسف يكون حتى وإن كان الشخص كاذباً أو مخادعاً أو حتى خائناً!.
3- أعاني من رهاب الارتباط؛ لا أشعر أني قادرة على الزواج بأي كان! لدي مشكلة، فقد كنت أعاني من وزن زائد، ورغم أني خفضت وزني نوعاً ما إلا أن جسدي غير متناسق أبداً، عدا عن التشوّهات التي خلفتها زيادة الوزن على جسدي، لذا كلما حاولت التفكير بالزواج أو الارتباط بأحد أجد نفسي أفكر في ليلتي الأولى من الزواج، وكأني أرى زوجي وهو يشمئز من منظر جسدي، وأشعر أني سأخدع أي شخص أتزوجه لأني لا أبدو ظاهرياً بكل ذاك التشوّه.
4- لا أدري إن كانت وصلتكم رسالتي السابقة التي تحدثت فيها عن وقوعي في علاقة حب أندم حقاً عليها، ولست أدري إن كانت حباً أم لا، ذلك أني تعرّفت على شاب على طريق النت وانجرفت معه في أوجه الخطأ كلها، ثم تبت إلى الله وقررت قطع علاقتي معه، وفي هذه المرحلة قرر أنه سيأتي لخطبتي رغم أنه أخلف وعوده السابقة، وأنا الآن لا أدري هل عليّ أن أقبل به أم لا؟ هل أصدقه هذه المرة أم لا؟ هل أحبه بما يكفي لأتخلى عن حياتي وعملي لأجله؟ هو من بلد بعيدة عن بلدي ودولة مختلفة، هل عليّ القبول لأني شرحت له مشكلة جسدي المشوّه، أم عليّ القبول لأستر على نفسي من العلاقة الخاطئة التي أقمتها معه عبر النت؟ أم عليّ القبول لأهرب من كل الأمور التي تحيط بي ومشاكلي؟ أم أقبل لأنه لن يتقدم لي شخص آخر؟ أم لأني سأخدع أي رجل آخر قد أتزوجه لأني لست بريئة بعد كل الأخطاء التي فعلتها؟ أم عليّ الرفض لأنه من بلد بعيدة؟ أم لأنه كاذب؟ أم لأنه خانني أكثر من مرة أثناء علاقتنا وكانت خيانته جنسية وإقامة علاقة حب مع أخرى ولا أدري هل هو مرتبط بها رسمياً الآن أم لا؟ أم أرفض لأنه عصبي ويهددني بالضرب رغم البعد بيننا، ورغم أننا لم نلتقِ بعد؟ أم لأني أشعر أنه لا يستحقني؛ فأنا فتاة متعلمة ومن عائلة جيدة ومظهري الخارجي جيد، في حين أنه ليس وسيماً وليس لديه الإمكانات المادية لإنشاء أسرة؟ أم عليّ القبول لأن جسدي يكاد يجن من شدة حاجته إلى رجل؟!.
لا أدري أرجوكم ساعدوني، لا أدري ما عليّ فعله؟ في كل مرة تحدث بيننا مشكلة ونفترق أبكي وأتألم وأخاف أن يتركني، وكل مرة يقترب الحديث عن قدومه والارتباط أخاف وأشعر برغبة في إنهاء الموضوع. كما أنه حالياً يعاملني معاملة سيئة لأني قطعت علاقتنا على النت، ولا ادري لم يريد القدوم لخطبتي وأنا أشعر أنه يكرهني؟!.
5- أخاف أن أتى أن أضعف أمامه لأنه في أثناء علاقتنا كنا نخطط أن يأتي ونختلي ببعض، وأنا الآن تبت لله ولا أريد أن أرتكب حراماً، ولكني أكاد أموت شوقاً ليلمسني وألمسه وأضمّه بين ذراعي، وأفكر في أن أطلب منه ليعقد عليّ وأخاف أن أكون بذلك تزوجته ولا أستطيع بعدها التراجع وإن علمت عنه أشياء قد لا تعجبني! كما أخاف أن يتركني ولا يعود مرة أخرى، وأكون على ذمته وإن لم يعقد علي! لا أدري إن كان بإمكاني مقاومة رغبتي، خصوصاً أنه يتبع معي أسلوب الابتزاز العاطفي.
أنا متعبة حقاً، أكاد أموت من شوقي للاستقرار ولأن لأبث رجلي حبي، ولكن الخوف والتردد يكادان يقتلاني، مع العلم أنه تقدم لخطبتي أكثر من شخص وكنت أرفض، لا أعرف إن كنت أرفض لحبي له ورفضي الارتباط بغيره، أم لخوفي من الارتباط! لأني في كل مرة كنا نتشاحن كنت أتركه وأشعر في لحظات أني أريده أن يتعذب، ولكني للأسف كل مرة أتعذب أنا.
أشعر أني قاربت على الجنون، أرغب بالزواج ولا أجرؤ على الارتباط حتى بمن أحب. أرجوكم أرشدوني، وأرجو أن تردّوا على رسالتي بسرعة حتى أعرف هل أقبل به أم لا، مع العلم أني سألته في رسالة لم يريد القدوم إن لم يكن هناك مشاعر يكنّها لي؟ ولم يرد على رسالتي!.
ولكم جزيل الشكر.
أتمنى أن أتلقى الرد بأسرع ما يمكن لأني في حالة من الضياع. آسفة على الإطالة، وألف شكر لكم.
19/07/2009
رد المستشار
عندي اهتمام قديم يتجدد بالسياق الاجتماعي، والمحيط البيئي الذي نعيش فيه. والبيئة التي هي كل ظروف حياتنا تؤثر على سعادتنا وعلى الشقاء العريض الذي نستمتع به، وتساهم في تشويه نفوسنا إلى الدرجة التي أصبحت فيه كلما رأيت إنساناً سليماً متوازناً نفسياً تحدثني نفسي أن أجري له اختبارات، وأجعله موضوعاً لأبحاث علمية معمّقة لأعرف كيف نجا من التشوهات، لأنني صرت أعرف قدراً لا بأس به من أسباب وملابسات من يشوهوِّن ويتشوَّهون!!.
في بيئة سليمة إنسانياً ونفسياً كان من الممكن وصف حلول متعددة، وشرح اختيارات لتنتقي من بينها الأنسب لظروفك، ولكن واقعنا لا يتيح غير شحيح الأفكار والاحتمالات، وبائس الاختيارات!!.
وقبل أن أندمج معك في تفسير كلامي هذا أذكرك بأنك قد تكونين مصابة باضطراب نفسي هو وسواس التشوّه أو اضطراب شكل الجسد Body Dysmorphic Disorder؛ وهو أحد أصناف الاضطرابات جسدية الشكل في التصنيفات، وذو علاقة وثيقة باضطرابات نطاق الوسواس القهري أيضاً، وفيه يعاني المريض من الكراهية الشديدة والمبالغ فيها غالباً لشكل أحد أعضاء جسده، أو شكل الجسد كله، وهو شائع أكثر في النساء، وبأؤلاء تمتلئ عيادات جراحة التجميل بحثاً عن تعديل أنف، أو تكبير ثدي، أو نفخ وجنات أو شفاه... إلخ، وتحتاجين بالتالي إلى تقييم حالتك من هذه الناحية بمعرفة متخصص.
كما يفيدك الانتظام في خطة مناسبة للغذاء المتوازن وممارسة الرياضة لتحصلي على أفضل الممكن ولتعديل شكل جسدك ما أمكن (هل أنصحك هنا بشيء صعب؟!!). وعلى مجانين كتابات سابقة كثيرة عن الرجيم والتخسيس أرجو أن تكوني على إطلاع بها!!
أما مسألة شدة التعلّق التي تصفينها، فهي كما يبدو نتيجة لقصور في تطورك أو نضجك النفسي. كل إنسان يمرّ بمرحلة التعلّق هذه بالأشياء والأشخاص، ثم يتخطاها إلى قدرة على الاحتفاظ بعلاقة على مسافة دون أن يضرب عنده هذا الشعور بالأمان الداخلي، أو يبعث شكوكاً حول الوفاء والإخلاص، أو الحب والارتباط بين طرفين، ومبحث التعلّق Attachment من المواضيع الهامة للغاية، ولا أدري هل فيه أدبيات باللغة العربية؟ ولا أدري أيضاً هل فيه موضوعات على مجانين أم لا؟!.
من المضحك المبكي أن تربيتنا للفتاة العربية تجعلها مريضة أو مشروع مريضة بالتعلّق! ولك أن تتصوري كيف يمكن وإلى أيّ مدىً يمكن أن تشقى بهذا، وكيف يمكنها تحويل حياة من حولها، وبخاصة زوجها، إلى جحيم!!! وليس آدم العربي عن نفس العلة ببعيد، والنتيجة علاقات مضطربة، وحياة غير متوازنة، وردود أفعال غير منضبطة، وخلل وتشويش وتردد في الحب والصداقات.
واستقرار الإيمان العميق بزوال الدنيا ومن فيها، وأن القاعدة الثابتة الوحيدة والدائمة في الحياة الدنيا هي عدم الثبات أو الدوام! هذا الإيمان حين يستقر في أعماق الوجدان والمشاعر ويحرك السلوك مع التدريب والاحتكاك لاكتساب المزيد من الثقة بالنفس، والاستغناء عن التعلّق المرضي، واستبداله بعلاقات صحية إنسانية متوازنة، وهذه نصائح سريعة للتعامل مع التعلّق، مع ملاحظة أن الأمر قد يكون مجرد وهم أو تضخيم لأشياء تعيشينها في الحياة، ولما قرأت عن التعلق قمت بتشخيص نفسك على نحو غير دقيق، أو مبالغ فيه!.
وإذا ثبت لك بالتشخيص السليم لدى متخصص بأن جسمك محتاج إلى تعديل، فإن الرجيم والحمية أو تنظيم الغذاء والرياضة قد لا تكفي، ولا بأس من عملية جراحية إن كان يرجى من ورائها نتائج معقولة.
أما فيما يختص بعلاقة الحب الإليكتروني التي تقولين بأنك متورطة فيها، فإنني لو كنت أعيش معك في سياق ثقافي واجتماعي مفتوح وعاقل ومتوازن لقلت لك أنه لا بأس من التجربة بقبول الزواج من هذا الشخص الذي يعرفك وتعرفينه إلى حد ما. ولا ينجح زواج لمجرد أنه قائم على رغبة أو فكرة إصلاح خطأ ما، وفي حالة الحب الإليكتروني تكفي التوبة والإقلاع، لكن المعرفة بينكما يمكن أن تكون أساساً لعلاقة قد تنجح لا بوصفها هروباً ولا اعترافاً بالفشل في التعرف على آخرين، ولكن استثماراً لتعارف قد حصل فعلاً، بدلاً من زواج عابري السبيل الذي نمارسه غالباً، ولا أدري ماذا أقول لك وأنت ترددين كل التراكيب والأفكار التي تملأ أدمغتنا وتشوّه حياتنا، وتنغّص الدنيا حتى تتحول إلى جحيم، وتجعلك مترددة يوماً تضحكين، ويوماً تشعرين بأنك على حافة الجنون! ماذا أقول لك، وماذا أدع؟!
تضيق المساحة والعبارة والفرصة عن التصدي لكل جزئية ومفردة تصفينها، وكل تناقض في المشاعر تحسّين به، وكل هواجسك ومخاوفك، ويا أختي الكريمة أرجو ألا تعتبري استشارتي عبر الإنترنت هي الجواب الشافي الكافي على كل ما تثيرين، وليس هذا ما وعدت به، ولا ما أقدمه في محاولات الإجابة على ما يكون نصيبي في الأسئلة!.
أقول لو كنا نعيش في سياق آخر لقلت لك ليس لديك ما تخسرينه إذا دخلت في الارتباط الرسمي مع هذا الرجل بكل هذه الهواجس والخواطر والمخاوف حتى تتكفل الممارسة الواقعية بالإثبات أو النفي! لكن في سياقنا يبدو أن زواجك سيفقدك أعزّ ما تملكين ألا وهو غشاء العزّ والشرف، والعفة والطهارة... إلخ، ما نعتبره! وبالتالي فإن السؤال الأهم يكون كالتالي:
هل أنت مستعدة للمزيد من الانتظار لرجل آخر قد يأتي، وقد لا يأتي؟ أم أنك مستعدة أكثر للتجريب مع هذا الرجل الذي عرفته بعيوبه؟ وبعبارة أخرى هل تقبلين أكثر وضع العانس (لا أحب هذه الكلمة)؟، أم وضع المطلقة؟ وهذا طبعاً مع افتراضي الأسوأ في حال اختيارك الانتظار، أو اختيارك الارتباط!.
أنت وحدك تستقلين بهذه الحسابات، والقرار النهائي لك في ضوء ما حاولت أن أعطيه لك من إشارات وومضات، مع ملاحظة ما نؤكده مراراً من أن الإنترنت خادع في صياغة مشاعر وتصورات غير دقيقة، ولا أقول زائفة، وأن مجرد قدوم هذا الشاب لخطبتك، ومقابلته لك وجهاً لوجه قد تكون كافية لحسم الرفض أو القبول بشكل صارم لا تردد فيه!.
أنا أقول لا بأس بالتجريب، ولكننا نعيش في سياق يعتبره جريمة وخطأ، رغم أن حياتنا كلها عبارة عن ألوان من التجريب الفاشل، وغير الواعي غالباً، وأحياناً ينقلب إلى تخريب بفعل أفكار ومواقف بعيدة عن الشرع والعقل والإنسانية!.
والحياة كلها، وفي أي مكان أو زمان، تحتاج لجسارة وحكمة ومسؤولية نكتسبها حين نتعلم بالممارسة التي نظل مشوشين ونحن فيها نتخبط بلا خطة ولا خارطة ولا وعي ولا خبرة!.
هذا ما لدي اليوم، وربما تقرئين كلامي هذا فيتضح لك بعض ما هو غامض أو ملتبس، وتقررين العودة إلينا بتساؤلات أخرى، فأهلاً بك دائماً.
ويتبع: >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> ماء وسماء وهواء.. م