السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
توفي أبي وأنا في سن الثامنة عشر ومرّ الأمر عادياً ولم يحدث لي شيء وذلك لأني أصغر إخوتي، وأخي الأكبر موجود معنا في العائلة رغم زواجه، فهو إنسان طيب ومتدين، فلم أحس بفراق أبي كثيراً وخصوصاً أننا كنا مهيؤون لحدوث ذلك لأن أبي كان يعاني من المرض منذ زمن طويل. بعد وفاة أبي بعام توفيت زوجة أخي الأكبر وهي سليمة لم يكن بها شيء فكانت الصدمة كبيرة جداً عليّ وخصوصاً أني كنت الوحيد في البيت وقت الوفاة، حيث كان زوجها في الخارج وأخي الآخر في الكلية وذلك منذ 9 سنين، بعدها بفترة حدثتني أمي أن زوجة أخي قبل موتها قالت لها أن أباها جاءها في المنام وأخذها معه! علماً بأن والد زوجة أخي متوفياً. منذ ذلك الوقت ترسخ في ذهني أن الأموات عندما يأتون في المنام لشخص فإنه سيموت.
في نهاية عام 2007 حدثت لي مشكلة في عملي ورجعت لمصر، وحاولت أن أخطب وفشلت الخطوبة. في بداية 2008 قررت دراسة الكمبيوتر وتقوية مهاراتي به، وفي تلك الفترة كنت مقلاً في اللقاءات مع أصدقائي ومنطوياً جداً، ثم جاءني أبي في المنام مرتين فخفت خوفاً شديداً، ورويت لأختي التي كنت أسكن عندها في بيتها فقالت لي نفس كلام أمي فخفت جداً وبدأت حالتي تتدهور وأحس أني سأموت قريباً جداً قبل أن أرى أمي وإخواني، علماً بأن أمي وإخواني يقيمون في الخارج. استمر الحال لمدة 3 شهور ثم شفيت منه بإذن الله ودون علاج.
هذه المرة أنا في أبو ظبي وحدثت لي مشكلة منذ شهرين؛ كنت أحب فتاة حباً شديداً وكانت تحبني، وفجأة علمت أنها خطبت لابن عمها فدخلت في حالة اكتئاب لمدة أسبوعين، وفي يوم 7 رمضان بدأت أشعر بأني سأموت قريباً، وبعدها بيومين اتصل بي أخي وقال لي أنه حلم أني سأتزوج فقلت لنفسي هذا نذير بقرب موتي. بدأت أكره كل شيء حولي كنت أحبه، كل شيء، حتى البنت التي سأخطبها لم أعد أحس معها بأي سعادة، وصرت أكره رائحة الطعام جداً وفقدت الشهية للطعام، وأحس بألم في بطني وضيق في صدري وأحياناً يتلعثم لساني وأتصبب عرقاً، وفكرة الموت لا تفارقني لحظة منذ ذلك الحين! فمثلاً ألتقي بزميل في العمل فأقول لنفسي هذه آخر مرة سأراه! وعندما أريد السفر لأخي أقول لنفسي "لا تسافر، ستموت هناك"! ومثلاً عندما أتصل بأحد أقول لو رد سأعيش ولو لم يرد سأموت!! وبدأت أحلم أحلاماً ربما تكون عادية لكني أفسرها على أني سأموت، وكل يوم أستيقظ من النوم خائفاً جداً، وأحياناً أحس بألم في رأسي من كثرة التفكير في الموضوع لأنه لا يغيب عن بالي لحظة، ودائماً أحس أن أجلي اقترب، وأخاف من سيرة الموت حتى في آيات القرآن، بل صرت أخشى الذهاب للصلاة في المسجد حتى لا يقول الناس أني مؤمن فنهايتي اقتربت!! علماً بأني كنت أصلّي في المسجد دائماً والناس يعرفون عني ذلك.
أرجوكم، أكرمكم الله أعطوني حلاً شافياً بإذن الله لأن حياتي توقفت ولم أعد قادراً على أن أحياها، فالأمر يؤثر على عملي، وأرجو تزويدي برقم هاتف طبيب أتواصل معه.
أرجوكم الرد، وجزاكم الله خيراً وادعوا لي بالشفاء.
24/09/2009
رد المستشار
صديقي،
إنك تموت آلاف المرات في اليوم الواحد بهذه الطريقة في التفكير! يجب أن تعرف وتفهم أن لديك اختيار في الاستمرار أو عدم الاستمرار في فكرة أو أخرى.. لكن مما لا شك فيه أن الذين يخافون الموت هم الذين لا يعشون الحياة كما يجب أو كما يريدون أن يعيشونها حقيقة. ما نريد أن نعيشه حقيقة ومن الناحية الروحية الأبدية هو التطور المستمر واللانهائي نحو الكمال مع معرفة أننا لن نصل إلى الكمال بأي حال من الأحوال، فالكمال لله وحده.
لقد فكرت بطريقة تمنع عنك الحياة في أبسط وأعمق صورها، لقد أوّلت أو اخترعت تأويلات لأشياء عابرة لتعني إنذاراً بالموت.. هذا يحدث حين يعاني المرء من إحساس عميق بالذنب، أو عندما يحس أنه ميت وهو حي، قد تعاني أنت من الاثنين معاً.. وجودك وحدك في البيت مع زوجة أخيك عندما توفيت ربما أشعرك بالذنب لأنك لم تنقذها أو لم تحاول ربما لأنك لم تعلم أنها تموت في الغرفة المجاورة. ما ترسخ في ذهنك من أفكار وروابط بين الأحلام وتفسيرها على أنها إنذار بالموت قد يكون سببه هذا الإحساس بالذنب (بالمناسبة قد يكون إحساس الذنب محركاً خفياً لكل هذا دون إدراكك لهذا).. أفكارك وتأويلاتك فيها إصرار على استحضار الموت في الموضوع في حين أنه لا يمت له بصلة، مثل اتصالك بأحدهم وتفكيرك أو اختراعك بأنه إذا أجاب فسوف تعيش وأنك ستموت إن لم يجب عليك! الأحلام أيضاً جعلتها تعني إنذاراً بالموت.
ولكن دعني أسألك: أأنت حي وتعيش حقيقة، أم أنك آثرت الهروب من الحياة ومسؤولياتها والاستمتاع بها إلى فكرة الموت؟ كلنا سنموت ولن يهرب أحد من هذا عندما يحين الأوان.
إن خوفك من الموت يجعلك كمن لا يريد أن يشاهد فيلماً شيّقاً فقط لأنه سينتهي.. لكن ليس هناك ما يخيف في الموت؛ الموت هو بوابة تفتح على عالم ووجود أفضل وأوسع، وجود أبدي.. إذا نظرت إلى الموت بهذه الطريقة فليس هناك ما هو مخيف في الموت، ولو كان المؤمن هو من يموت أولاً فسيختل التوازن الكوني بين الخير والشر، وبين الإيمان والكفر.
تقول أنك شفيت مرة دون علاج بعد ثلاثة أشهر من العناء، كيف فعلت هذا؟ وما هي عوامل النجاح في هذا؟ أنصحك بمراجعة المعالج النفسي لمناقشة هذه الأفكار مناقشة أكثر عمقاً.
وفقك الله وإيّانا لما فيه الخير والصواب.
واقرأ أيضاً:
الخوف من الموت: بين الطبيعي والمرض
الصراع النفسي بعد صدمة الموت
الخوف من الموت في الحلم والعلم
أشعر أن الموت سوف يأتي في أي لحظة
خلطة القلق والخوف من الموت
وحدة واكتئاب ورهاب الموت .. يا الله
الخوف من الموت