الصلاة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم.... أما بعد؛
أنا بنت عادية جداً، الحمد لله لبسي محترم ويرضي الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أعمل أي علاقة بأي ولد قط، حتى زملائي الذكور في الجامعة لم يتم لي الحديث معهم أو الاحتكاك بهم. والحمد لله أحب الله ورسوله أكثر من أي أحد، وأتابع البرامج الدينية وأقرأ عن سيرة الرسول الكريم، وأفضل الصيام معظم السنة، والحمد لله علاقتي بأهلي وأصدقائي جيدة.
لكن المشكلة هي الصلاة؛ هناك دائماً شيء يبعدني ويمنعني عنها، وأكسل عنها دائماً، هذا لا يعني أني لا أصلي مطلقاً، بل كنت مواظبة جداً عليها في رمضان، وقلت أعتاد، لكن للأسف! هذا الأمر يسبب لي اكتئاباً وحزناً شديدين، وأتضايق جداً من نفسي، لكني فعلاً لا أعرف ما العمل؟
أرجوكم أفيدوني بالحل بسرعة.
آسفة للإطالة.
أنا حقاً أكون مرتاحة جداً عندما أصلّي.
يا رب سامحني.
4/10/2009
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
من الواضح يا ميمونة أنك تملكين قناعة عقلية قوية بوجوب الصلاة وفضلها، ولكن القناعات العقلية ما كانت يوماً لتدفع صاحبها إلى العمل من غير أن تقترن بها مشاعر الرغبة والرهبة والحب. فالراغب بعظيم ثواب الصلاة والقرب من الله يسارع إلى الوقوف بين يديه، والخائف من غضبه وعقابه يخشى من تفويت صلاته، والمحب لله ينفذ أوامره دون تردد وبلا شروط!.
أرأيت لو أن فتاة خطبها من أحبته بعد طول انتظار، وعلمت أن خطيبها يحب طعاماً ما، لا شك أنها ستمضي ساعات يومها وهي تفكر كيف ستصنعه، وكيف تجهز مكوناته، ومن أين تشتريها، وفي أي وعاء ستطبخ...، وتشعر بالقلق إذا راودتها فكرة أن يكون الطعم على غير ما يهواه، ثم إذا اتصل بها بعد منتصف الليل وقال لها: أريد أن أحضر بعد قليل لأتذوقه، ترينها تقفز قفزاً وتهرع إلى المطبخ لتجهز ذلك الطعام، دون أن تشعر بالتعب أو الرغبة في النوم، من أجل أن يكون كل شيء جاهزاً في وقته، وكما يحب ذلك المحبوب.
فإذا أردت الالتزام بالصلاة، فعليك أن تشعلي المشاعر الدافعة إليها في قلبك: فمشاعر الرغبة تتولد من قراءة ما ورد في الترغيب في الصلاة، وفي فضلها، ومشاعر الرهبة تتولد من قراءة ما ورد في الترهيب من تركها، وفي عقوبة تاركها، ومشاعر الحب تتولد من التفكر في نعم الله تعالى وعظيم فضله علينا، فارجعي إلى الآيات والأحاديث الواردة في ذلك وما أكثرها! ثم في اقرئي سيرة المصطفى -عليه أفضل الصلاة والسلام- بتمعن وفهم، وكذلك سير الصالحين. ثم لا بد مع هذا كله من مفارقة مجالس الغفلة، فلا يكفي أن نترك رفاق السوء الذين يأمرون بالمعاصي والكبائر، بل لا بد مع هذا من الابتعاد عن المجالس التي تكثر فيها الغيبة والنميمة، أو التي لا يُتكلم فيها إلا عن الدنيا وما فيها من متاع كاللباس والمأكل والمشرب ونحو ذلك. كذلك لا يكفي سماع الدروس من التلفاز، لأنه قد يعطيك معلومة، لكنك لا تحصلين على بركة مجالس العلم التي تنهض بحالك، فلا بد لك من صحبة صالحة تكون لك قدوة، ويدفعك حالها إلى العمل.
إن الوقوف بين يدي الله تعالى شرف عظيم يا ميمونة، من حازه فهو الموفق المحظوظ، ومن نحن حتى يسمح الله تعالى لنا أن نكلمه؟ ونناجيه؟ نحن العبيد الضعفاء الذين تدنست أعضاؤنا بذنوبنا ومعاصينا، ينادينا الله عز وجل لنقف بين يديه، فيكفر ذنوبنا ويقبلنا على سوء حالنا! لا ريب أن الصلاة بحد ذاتها نعمة لا تضاهيها نعمة، فكيف نفرط بها؟؟ وكيف نحرم أنفسنا منها؟؟ ثم كيف نهملها وهي أول ما نحاسب عليه؟؟ لا مفرّ إذن من يومٍ تسألين فيه، ويقول الله تعالى لك: يا ميمونة..! لمَ لمْ تجيبيني عندما ناديتك عصر اليوم الفلاني؟ كيف سمعت قول المؤذن: (الله أكبر) ثم جعلت راحتك وسائر ما تنشغلين به أكبر من الوقوف بين يدي؟؟ كيف تدعين حبك لي أكثر من الجميع، ثم أنت لا تبالين في أن تتركي أحب الأعمال إليّ؟! أرسلت إليك أحب الخلق إلي: ليقول لك: إن أحب الأعمال إلي: (الصلاة على وقتها) ثم أنت تتركينها وأنا الذي أنعمت عليك فخلقتك وشرفتك بمعرفتي بعد أن كنتِ عدماً، لا وجود لك؟! تحمّل رسولي الكريم المشاق والآلام من أجل إسعادك، ثم لسان حالك يقول غير مبالٍ: وما الذي جئتَ به؟ هو لا يهمني!! ولا أرغب بالالتزام به! أهذا ما تقابلين به ما بذله من أجلك؟.
تحمل رسولي الكريم المشاق والآلام من أجل أن ينقذك من النار، وتلا عليك قولي: ((فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ))[الماعون: 4-5]، ثم تأبَين إلا أن تؤخري الصلاة عن وقتها، وتذيقي نفسك الويل!! ما أظن أن من كان عنده مسكة من عقل يرضى هذا لنفسه. فأكثري الدعاء يا ميمونة واطلبي من الله تعالى أن يرزقك الوقوف بين يديه، وأن يشرفك بذلك، ولا تنسي اتخاذ الأسباب التي نصحتك بها...
واقرئي أيضًا:
الالتزام بالصلاة والفلاح دينا ودنيا
الحب سر المحافظة على الصلاة
الصلاة يا بني!