الآخرون يستغلون أختي, وأريد الدفاع عنها..ما الحل..!؟
مشكلتي تتلخص في أن لي أخت توأم، ونظراً لأن أبي رحمه الله وأمي موظفان فقد أرسلوا أختي لتعيش مع جدتي لأمي وخالتي غير المتزوجة، وبقيت أنا معهم, بعد عامين أنجبت أمي أخي الأصغر، وظلت أختي تعيش عند جدتي أغلب الوقت تقريباً حتى نهاية المرحلة الابتدائية، وكانت جدتي وخالتي تعاملانها أطيب وأرق معاملة فنشأت شديدة الطيبة والتسامح، بينما كنت أعيش مع أبي وأمي حيث الشجار الدائم وعدم احترامهما لبعضهما وتجريحهما المستمر لي، وخصوصاً أمي التي كانت دائمة المقارنة بيني وبين غيري..
لقد كنت في طفولتي شديدة التعلّق بأبي وأهله، وكان بنات عمومتي في ذلك الوقت كأخوتي، ونظراً لكراهية أمي لأهل أبي فقد كرّهتني فيهم، ولأسباب عائلية أخرى ابتعدت عنهم، ونظراً لهذه التربية فقد نشأت شديدة العصبية, بعد ابتعادي وكرهي لأهلي أصبحت أشعر أني لا أنتمي لهم، وعندما عادت أختي من عند جدتي ارتبطت بها وأحببتها جداً، علماً بأننا كنا نحب بعض من الأصل..
مشكلتي هي أن أختي نظراً لطيبتها الشديدة فإن الكثير من الناس يستغلونها وهي لا تشعر بذلك مهما حاولت إفهامها! ومشكلتي شدة غيظي ممن يؤذونها ورغبتي في الانتقام منهم وتفكيري طويلاً في هذا, كذلك فإن لي مشكلة لا أفهمها؛ فأنا دائماً ما أقارن الناس بأختي، وإذا وجدت طباعهم غير طباع أختي أكرههم وأحاول إيذاءهم! علماً بأن شخصية أختي لا تعجبني ولا أريد أن أصبح مثلها! حتى أني أكره أن أفعل ما تفعله حتى لو كان صواباً، وأكره نفسي إذا فعلته..
أرجو الرد سريعاً..
وعذراً للإطالة....
30/1/2010
رد المستشار
كنت أتمنى أن أراك وأجلس وأتحدث معك، فأعتقد أن مشكلتك مختلفة عمّا ذكرته بشكل مباشر..
أعتقد أن بداخلك الكثير مما تودين التحدث عنه وذكره؛ لم تذكري علاقتك بزملائك، هل تعملين أم لا؟ لكن لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، وطالما أن وسيلتنا للتحدث المتاحة عبر الإنترنت فسأحاول مساعدتك في حدود ما ذكرت..
لقد تربيت في بيئة يسودها الخلاف والشجار والعنف في التفاعل، وقد تعرضت لهذا العنف فاكتسبت هذه الطريقة وأصبحت وسيلتك لحماية ذاتك من الآخرين. ذكرت أنك تحاولين إيذاء كل من يختلف عن أختك، تقارنين الناس بأختك وتكرهينهم لأنهم مختلفون، ألا تشعرين أنك بذلك تفعلين مثل والدتك؟ حيث كنت ترفضين أن تقارن بينك وبين غيرك ومع ذلك أنت تكررين هذا الآن! تدافعين عن أختك وأشعر أنك تحمينها كما لو كنت تحمين نفسك، فأنت ترين فيها ذاتك وتحاولين الحفاظ على هذا النقاء والصفاء، أنت تحبين سلوك أختك ولكنك قد تعايشت مع الكثير من الضغوط من حولك ولهذا فأنت ترين أن هذه الطيبة الزائدة لا تصلح في ظل هذه الظروف، وعليه فأصبح بداخلك شعور متناقض من الحب والرفض لسلوكيات أختك...
أطلب منك أن تهدئي وتتناسي الضغوط التي مررت بها، واتركي فرصة للإنسانة الرقيقة التي بداخلك أن تظهر، ولا تخشي عليها من شيء، لا تنشغلي بكراهية الآخرين فهذا يضيع من وقتك، ويأخذ من أعصابك مثل النار التي تلتهم بعضها. أختك وإن كانت من وجهة نظرك تتعرض لاستغلال الناس، لكنها تتمتع بالراحة النفسية لأنها لم تسبب الأذى لأحد، ولأنها تتسامح مع الإساءة، فهي لا تبالي لما يفعله الناس، وبالتالي لا تتأثر نفسياً بما يحدث. كذلك أنت بداخلك إنسانة جميلة، وابدئي من اليوم دعوة للتسامح والتصالح مع الذات، فلتتسامحي مع نفسك وتتناسي كل ذكريات الماضي الأليمة ولا تفكري بها، ولتحمدي الله على النعم التي لديك فلا يوجد منا من لم يمنحه الله نعماً لا تعد ولا تحصى، وجربى أن تنظري إلى مميزات الآخرين وليس لعيوبهم فستشعرين بسعادة أكبر، وأن تتوقفي عن انتقاد غيرك، ساعدي غيرك وكوني سبباً في رسم البسمة على وجهك فستشعرين بسعادة كبيرة، ما أخبرك به ليس دليلاً على الضعف بل هو منتهى القوة، هكذا كانت أخلاق رسولنا الكريم ولنا في رسولنا أسوة حسنة، ماذا سنستفيد إن نظرنا للآخرين على أنهم وحوش سوى أننا سنشعر بالخوف والألم! ألا يكون من الأفضل لو نظرنا للناس على أن هناك من هو مثلنا يتمتع بقلب طيب؟!
سأقص عليك موقفاً حدث مع الرّسول (ص) بينما كان الرّسول عليه الصلاة والسلام جالساً بين أصحابه، إذا برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنة وهو من علماء اليهود يدخل على الرّسول عليه الصلاة والسلام، واخترق صفوف أصحابه، حتى أتى النبي عليه السلام وجذبه من مجامع ثوبه وشده شداً عنيفاً، وقال له بغلظة: "أوفِ ما عليك من الدَّين يا محمد... إنكم بنو هاشم قوم تماطلون في أداء الديون" وكان الرسول عليه السلام قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم لكن لم يحن موعد أداء الدين بعد، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهز سيفه وقال: "ائذن لي بضرب عنقه يا رسول الله" فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء" فقال اليهودي: "والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك ديناً إنما جئت لأختبر أخلاقك، فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد ولكني قرأت جميع أوصافك في التوراة فرأيتها كلها متحققة فيك إلا صفة واحدة لم أجربها معك، وهي أنك حليم عند الغضب... وأن شدة الجهالة لا تزيدك إلا حلماً... وقد رأيتها اليوم فيك، فأشهد أن لا إله إلا الله... وأنك محمد رسول الله، وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين"...
لا أنكر أن هناك أشخاصاً سيئين في المجتمع ولكن لا يجوز أن يجعلونا مثلهم لأنهم بذلك ينتصرون علينا إن جعلونا نرد الإساءة بمثلها والشر بالشر، لا مانع أن تحمي أختك من استغلال الغير بأن تخبريها أن تأخذ حذرها وتبتعد عن هذا النوع من البشر، لكن لا تضيعي وقتك في حمل ضغينة تجاه هؤلاء الأشخاص فهم لا يستحقون ذلك، ولا تتسببي في إلحاق الأذى بأحد حتى لا تتألمي لشدة الندم على ذلك..
ما أقوله لك يحمل القوة وليس الضعف، فلا تعتبري التسامح ضعفاً بل هو منتهى القوة أن يعفو الإنسان، التسامح هو أن ننسى الماضي الأليم بكامل إرادتنا، إنه القرار بألا نعاني أكثر من ذلك، وأن تعالجي قلبك وروحك، إنه الاختيار ألا تجد قيمة للكره أو الغضب، والتخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين بسبب شيء قد حدث في الماضي، إنه الرغبة في أن نفتح أعيننا على مزايا الآخرين بدلاً من أن نحاكمهم أو ندينيهم، وهكذا رأينا موقف الرسول. من اليوم صالحي مع والديك والمحيطين بك مهما كان ما سبباه لك، فادعي لهما بالهداية. وفقك الله..