هناك أحداث تفرض نفسها عليك لترغمك على الكتابة لا تكتفي بأن تتحدث فيها مع صديق أو زميل، وأظن ما حدث اليوم صباح الأول من كانون أول ديسمبر 2021 واحدا من تلك الأحداث التي لا يمكن أن تمر دون تأمل وتعليق... حيث توجهت في التاسعة وخمسين دقيقة إلى مركز التدريب والتطوير التابع لوزارة الصحة والسكان للمشاركة في المؤتمر الدولي الثاني للطب النفسي وعلم النفس 1-2 ديسمبر ... لأن لي محاضرة عن الكمالية السريرية، ولأنني كنت سألتقي بعالم النفس العلامة أ.د أحمد عبد الخالق القادم من الإسكندرية لمحاضرة المؤتمرين وحضور المؤتمر، وهو صاحب المقياس العربي للوسواس القهري وأول من اهتم بالوسواس القهري في علم النفس العربي وتلاه أ.د مصطفى السعدني ثم د. محمد شريف سالم والعبد لله في كجال الطب النفسي... كذلك طلب مني الحضور مبكرا لأن هناك تكريما لي في الجلسة الافتتاحية ... (عجزنا وأصبحنا نُكرم).
وكعادتي في غياب سائقي أتحرك داخل القاهرة بغير سيارتي.... وصفت لسائق الأجرة قائلا مركز التدريب والتطوير التابع لوزارة الصحة من شارع صلاح سالم تدور حول أرض معارض القاهرة الدولية حتى تصل إلى خلف مستشفى العباسية للأمراض النفسية ... وحين وصلنا إلى الشارع الفرعي الذي يوجد المركز آخره صدمت بوجود عدد كبير من الطلبة ... وحين وصلت السيارة منتصف الطريق فوجئت بأن المكتوب على المبنى في لوحة زرقاء كبيرة هو أكاديمية الأميرة فاطمة ...إلخ ... قلت هذه كلية أو معهد تعليمي وقلت للسائق لعله الشارع الفرعي التالي ... وفعلا للخلف سر حتى تمكن من الدوران وخرجنا إلى الشارع الرئيسي لنكتشف أنه آخر شارع ... وهذا معناه أن المكان الذي كنت فيه هو الصحيح.... نزلت من السيارة وعدت على قدمي فرحا بنجاحي في الأسابيع االأخيرة في إنقاص وزني ... وعندما اقتربت أكثر من المبنى لم أجد أي إشارة للمؤتمر هناك فقط زحام شديد على باب الدخول ... اتصلت بمنسق المؤتمر أ.د أحمد هارون الذي فاجأني بأنه تم إلغاء المؤتمر ... سألته لماذا فقال لعدم التزامهم بقواعد التباعد .. وطلب أني أن أدخل وسأجد أ.د محمد غانم رئيس المؤتمر بالداخل.
دخلت وأخذت أخمن بيني وبين نفسي أن مقر المؤتمر مثلا كان من المفترض ألا يكون فيه طلاب وفوجئت اللجنة المنظمة للمؤتمر بوجود هذا العدد الغفير من الطلاب فألغت المؤتمر... الغريب أنني لم أكن أرى أحدا من الزملاء المتوقع حضورهم حاولت الاتصال بالدكتور محمد غانم فلم تسعفني الشبكة .... وأخيرا رأيت الزميل الدكتور علاء فرغلي .. الذي لم يكن لديه إلا أنه فوجئ مثلي بما حدث... أخذت أتجول في المكان علي أقابل أحدا من الزملاء .... ثم لمحت بجوار المصعد اثنان يحيطان بمن خمنت من بعيد أنه الأستاذ الدكتور محمد أحمد عبد الخالق ... وخطوت نحوهم وكنت رأيت صورة لذلك العالم العملاق وتأكدت وعندما أصبحت أمامهم ألقيت التحية وبدأت أنزع الكمامة لأعرف نفسي فأسعدني د. أحمد بأن قال وائل أبو هندي ... فقلت له كم تشرفني مقابلتك يا دكتور، وسرت معهم وأخذت أفكر يا ترى ستسنح الظروف وألتقط صورة مع فارس الوسواس القهري العربي الأول...؟؟
دخلنا إلى غرفة الدكتورة المسؤولة عن المركز والتي كان فيها رئيس المؤتمر جالسا ... وسمعته يقول ردا على سؤال لم أسمعه : (أسماؤكم هي السبب جذبتم عددا كبيرا من الحضور فحدث ما حدث) ازدحام شديد وخشي المسؤولون عن المكان أن دخول هذا العدد لا يمكن أن تتحمله قاعات المحاضرات (ناهيك عن قواعد التباعد المفترض اتباعها) وأن محاولتهم إخراج العدد الغفير لا تجد استجابة .. سمعت الكلام ويبدو أن سعادتي بمقابلة د. أحمد عبد الخالق جعلتني الأقدر من بين الحاضرين على رؤية الوجه المشرق لما حدث ... لأن ما حدث يعني أن الإقبال على حضور مؤتمرات الطب النفسي وعلم النفس ازداد بشكل علينا الاستعداد له في المرات القادمة.... إلا أن أحدا لم يشاركني الرأي معللين ذلك بأن أغلب الحاضرين الذين تسببوا في الازدحام الشديد ليسوا من العاملين في المجال النفسي أي لا هم أطباء نفسانيون ولا هم اختصاصيون نفسانيون !! وإنما يزيد عليهم خليط من الحاصلين على معهد الخدمة الاجتماعية وكذلك العاملين في مجال التنمية البشرية ولأن المؤتمر مجاني ويعطي شهادة بالحضور حدث كل هذا الذي رأيته !
إذن هذبت من فرحتى بالإقبال الفائق الذي ظننته اهتماما بالعمل في مجال الصحة النفسية ... فهو اهتمام لكن ليس واضحا ما إن كان اهتماما بالعلم والمعرفة أم بشهادة الحضور ؟... وبعد أن سمعت تفاصيل أكثر عما حدث في الصباح عرفت أنني حضرت بعد انتهاء الشكل الصادم لو رأيته فحين حاول المنظمون منع القادمين الجدد من دخول المبني حدث اعتداء على أحد أفراد الأمن وتهشيم للبوابة وأبلغت الشرطة ...إلخ ... وحكى لنا اللواء طبيب محمد الفقي وهو مشارك بالمؤتمر وعضو مجلس إدارة الجمعية عن تطاول أحد أفراد الشركة المنظمة والذي تعامل معه بأسلوب بلطجي وهو أصغر من أصغر أبنائه، وكيف تمالك نفسه وهو يرد على قول الدكتور له يا ابني هل تراني واحدا من الطلبة ؟ وهو يرد هو أنت ستعلمني الأدب !! أنا صيدلي ! ... طبعا شر البلية ما يضحك فالصيدلي الذي لم يستطع ممارسة مهنته واضطر إلى العمل مع شركة تنظيم مؤتمرات يشعر بأنه يعرف جيدا كيف يعامل الجمهور في حين أن من يراه يظنه بلطجيا .. شر البلية ما يضحك ... خصوصا وأني أتوقع من الأطفال والمراهقين اليوم الذين يشاهدون مسلسلات مثل سوبر هيرو وغيرها سيكونون أوقح بمراحل من مثل هذا الذي أساء لزميلنا الجليل الذي ناهز السبعين أمده الله بالصحة والعافية.
وكنت حتى تلك اللحظة أحسب أن أكاديمية الأميرة فاطمة هذه هي مكان لتدريس الطلاب والطالبات الذين رأيتهم قبل دخولي لكنني عرفت أولا أن كل المتواجدين ليسوا طلابا وإنما كانوا يهدفون لحضور المؤتمر، وحين سألت عن من هي الأميرة فاطمة ... عرفت معلومة مهمة عن سيدة فاضلة هي الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل والتي تبرعت بمساحة شاسعة من الأرض أقيمت عليها مستشفى العباسية للصحة النفسية أخبرني بذلك د. غانم والذي اختتم جلسته معنا بأن المؤتمر تم تأجيله وقريبا سيعلن الموعد الجديد ... لكن لا أعرف ماذا سيتم تغييره كي لا يتكرر ما حدث.... وأخيرا أصبحت أنا ود. أحمد عبد الخالق وأ.د طه المستكاوي والذي وصفه د. أحمد بالفنان وعرفت أنه أقام أكثر من معرض وأن انغماسي في مجانين وموسوسيها أفقدني كثيرا من أنشطتي الثقافية القديمة... وأخذنا بعض الصور معا وبادر د. أحمد بأن يعطيني رقم محموله لأرسل له الصور من على محمولي ... فقلت له أخذت رقمكم يا سيدي من أ.د حنان سعيد ... منذ أسبوعين لكنني لم أستطع الانتصار على خجلي من الاتصال التليفوني ... وأنا كذلك مع أساتذتي الكبار أ.د أحمد عكاشه أ.د يحيى الرخاوي، والمرحومين أ.د منير حسين فوزي وأ.د محمد حافظ الأطروني.... أن أسعى إلى أحدهم لألقاه أهون عندي من أن أحادثهم تليفونيا ... يعني عندي رهاب اتصال تليفوني محدد بشخصيات أو قامات معينة....
وعرفت من الدكتور أحمد عبدالخالق ما بقيت أخمنه منذ أوائل 2003 بالضبط من يوم 27 يناير 2003 وحتى الأربعاء 1 ديسمبر 2021 ... يعني حوالي 22 سنة !! ففي آخر يناير 2003 جائني بريد إليكتروني من سلسلة عالم المعرفة أخي الفاضل الدكتور وائل تقول مرسلته: (أسعد الله أوقاتك بكل خير
يسعدني أن أبشرك بتسلمي صباح اليوم لتقرير الفاحص الخاص بكتابك "الوسواس القهري" .. وقد أشاد الفاحص بموضوع الكتاب وقيمة محتواه والجهد الذي بذلته في إعداده. وقد كانت لديه مجموعة من الملاحظات التي عرضتها على السيد مستشار السلسلة، وقد اتفق مع رأي الفاحص بشأنها. وعليه فإنني سأبعث لك بنسخة من هذه الملاحظات حتى تفيدنا برأيك فيها وعن مدى استعدادك لتعديل المخطوطة وفقا لها.، حتى تتمكن هيئة التحرير من اتخاذ قرار نهائي بشأن نشر الكتاب ضمن السلسلة.
مع أطيب تحياتي وكل الأمنيات لك بالتوفيق والسداد)
ومنذ وصلني تقرير الفاحص وقرأت ما جاء فيه وأنا أخمن أنه كان أ.د أحمد عبد الخالق صاحب المقياس العربي للوسواس القهري وصاحب كتاب الوسواس القهري : التشخيص والعلاج.... والذي لم أعرف إلا لاحقا أنه صدر في الكويت سنة 2002 من مطبوعات مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت.. أي أنه سبق كتابي "الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي" الذي كنت أحسبه الأول عربيا....... الحمد لله جاء تخميني صحيحا ولم أحزن حقيقة لإلغاء المؤتمر ورأيت لقائي بهذا العالم العملاق كافيا وتحادثنا في عديد من الأمور التي تخص الوسواس القهري وعرفته باهتمامي الحالي وهو دراسة وسواس الذنب التعمق القهري ودخول بعد التعمق الديني الأخلاقي في الأبحاث الحديثة عن الوسواس القهري، وتحادثنا طويلا عن حال اللغة العربية وضعفها لدى الباحثين في علم النفس والطب النفسي على حد سواء، وكيف اكتشفت أن كماليتي الشخصية في ضرورة سلامة النصوص العربية المكتوبة على موقع مجانين ما تزال تعيق سهولة العمل في الموقع بينما أغلب المواقع العربية لا يبالون قال العلامة إنها نزعة سعي للحفاظ على لغة القرآن أحييك عليها ...... بعد حوالي الساعة استأذنت منه وخرجت.
وأخيرا هل ما حدث وكان بالفعل صادما يستلزم من كل من يفكر في عقد مؤتمر طب نفسي وعلم نفس أو أيهما أن يضع في حساباته إمكانية تكرار ما حدث ؟ هل نفكر في إلغاء التسجيل المجاني في المؤتمرات ؟ هل نشترط عضوية رانم أو الجمعية المصرية للطب النفسي لحضور مثل هذه المؤتمرات ؟ هذا الحدث لا يصح أن يتم دون تأمل.... وأنا أنتظر آراء الزملاء والقراء عقلاء ومجانين.
واقرأ أيضًا:
المؤتمر الرابع لقسم الطب النفسي جامعة الزقازيق / الجميع يوسوس ..ويتألم: مقياس الوسواس