السادية الجنسية هي نوع من الاضطراب في الممارسة الجنسية حسب التقسيم الأمريكي الرابع المعدل للإضطرابات النفسية DSMIV-TR, وهو يعنى تكرار حدوث خيالات جنسية شديدة أو رغبات جنسية أو سلوك جنسي يتضمن معاناة نفسية أو جسدية لدى الطرف الآخر في العلاقة الجنسية, وهذه المعاناة تسبب إثارة جنسية لدى الشخص السادي. وقد سمي هذا الاضطراب بهذا الإسم نسبة إلى "ماركيز دو ساد" وهو مؤلف وضابط فرنسي عاش في القرن الثامن عشر وقد تعرض للسجن عدة مرات بسبب سلوكه الجنسي المقرون بالعنف مع النساء.
وفي السلوك الجنسي السادي تختلط نزعتي الجنس والعدوان أثناء الفعل الجنسي، والعدوان هنا يكون تعبيرا صارخا عن الذكورة والفحولة الجنسية، يضاف إلى ذلك أن تفريغ شحنات الجنس والعدوان في ذات الوقت يعطى للشخص السادي ارتياحا خاصا لأنه يضرب عصفورين بحجر واحد. والشخصية السادية تستلذ برؤية عذاب الآخرين ومعاناتهم, وبعض الساديين ربما يصلون إلى درجة الإرجاز (الرعشة الجنسية) أثناء تعذيب ضحاياهم حتى ولو لم يكن هناك موقفا جنسيا من الأساس, فخروج دفعات العنف له طعم خاص لدى الشخصية السادية.
وهناك علاقة بين الرغبة في الاغتصاب وبين السادية الجنسية, وأحيانا ما تصل درجة العنف في الممارسة السادية إلى القتل وهو ما يعرف بـ "قتل الرغبة (Lust Murder )" وقد تبين أن بعض هذه الحالات لديها اضطرابات نفسية مثل الفصام أو اضطراب الهوية الإنشقاقى أو لديهم تاريخ لإصابة بالرأس.
أما فرويد فيعزو السادية الجنسية إلى الخوف من الخصاء فالشخص السادي لديه عقدة الخصاء ولذلك فهو يظهر درجة كبيرة من العنف أثناء الممارسة الجنسية كدفاع ضد احتمالات الخصاء التي يخشاها في عقله الباطن.
أما العالم جون مونى فهو يضع خمسة أسباب للسادية الجنسية وهى:
1- الاستعداد الوراثي.
2- الاضطراب الهرموني.
3- العلاقات المرضية.
4- وجود تاريخ للاستغلال الجنسي.
5- وأخيرا وجود اضطرابات نفسية أخرى.
وتأخذ الممارسات السادية أشكالا متعددة منها أن يضرب السادي شريكه الجنسي بالسوط أو بالعصي أو يعضه عضا شديدا مؤلما أو يجرح جسمه ويستمتع بصراخه وتوسلاته, أو يدوسه بحذائه. وفى أحيان أخرى يكون السلوك السادي عبارة عن إهانة لفظية في صورة ألفاظ قبيحة وجارحة وشتائم مهينة.
والسلوك السادي قد لا يقتصر على الممارسة الجنسية فقد يظهر في المعاملات اليومية فنرى هذا الشخص يستمتع بتعذيب ضحاياه من الناس ممن يعملون تحت إمرته إن كان مديرا أو مسئولا، وهو يستمتع بصراخهم وتوسلاتهم ويستعذب استذلالهم وإهانتهم ولا تأخذه بهم أي شفقة.
أما الشخصية الماسوشية فهي تستعذب الضرب والتعذيب لأن في أعماقها رغبة في أن يسيطر عليها أحد وأن يستذلها ويهينها أحد, بل وأحيانا يختلط معنى الأنوثة بمعنى الماسوشية فالمرأة في هذه الحالة تشعر بأنوثتها أكثر كلما قهرها وأذلها وأهانها رجل سادي.
كما أن بعض الساديات لديهن إحساس عميق بالذنب أو القلق أو الخوف أو الخجل لا يخففه إلا الإهانة والضرب والتعذيب، وكأن السلوك السادي من الشريك الجنسي يخفف من حدة هذه المشاعر السلبية الكامنة في أعماقهن.
وفى حالة كون الماسوشى رجلا فإن هناك احتمالا بأن لديه ميول جنسية مثلية لذلك يتوحد مع الموقف الأنثوي الخاضع. ويرى فرويد أن الشخص الماسوشى لديه ميول وتخيلات تدميرية تجاه ذاته.
* أما علماء النفس السلوكيون فيرون أن الشخص الماسوشى قد ارتبط لديه الألم بالشعور الجنسي نظرا لخبراته السابقة في الطفولة والتي جمعت بين الاثنين فحدث ارتباط شرطي بينهما. والغريب أن الماسوشية الجنسية هي أكثر انتشارا في الرجال من النساء. وقد أخذت الماسوشية اسمها من اسم الروائي النمساوي "ليوبولد خون ساشر ماسوش" والذي كانت شخصياته تجد متعتها الجنسية في التعذيب والإهانة.
والسلوك الماسوشى قد لا يتوقف عند الممارسة الجنسية بل يظهر في السلوك اليومي, وهو ما يسمى بـ "الماسوشية المعنوية"(Moral Masochism) , وفى هذه الحالة نجد الشخص يميل لأن يكون مظلوما دائما, ويعرض نفسه بوعي أو بغير وعى للإهانة والإيذاء النفسي والبدنى, وعلى الرغم من شكواه الدائمة من الظلم والقهر والعدوان إلا أنه لا يكف عن السلوك الذي يعرضه دائما لكل هذا.
وأحيانا يوجد السلوك السادي الماسوشى معا في نفس الشخص (ربما في30% من الحالات) فنجد الشخص يمارس السلوك السادي في بعض الأحيان أو مع بعض الأشخاص كما أنه يمارس السلوك الماسوشى في أحيان أخرى أو مع أشخاص آخرين, وهذه هي حالة"السادو-ماسوشية" ويقال بأن بعض الشعوب لديها ميول ماسوشية مثل الشعب المصري وبعض الشعوب العربية حيث يستعذبون القهر والعدوان والاستبداد على مدار التاريخ (راجع تاريخ المصريين مع فراعنتهم وتاريخ العرب جميعا مع حكامهم وغزاتهم) ولا يهبون لدفعه إلا في حالات قليلة استثنائية؛
كما أن الشيعة أيضا لديهم مثل هذه الميول ويتضح ذلك في طقوس "الطج" حيث يضربون أنفسهم بعنف وربما تسيل دماؤهم في ذكرى قتل الحسين رضى الله عنه, وهم يميلون للتسليم لإمامهم ويضفون عليه العصمة.
وعلى الجانب الآخر نرى شعوبا تميل إلى السلوك السادي مثل الشعوب الرومانية وأحفادهم من الأوروبيين والأمريكان الذين مارسوا ولا يزالون يمارسون السلوك الإستعماري ونهب ثروات غيرهم من الشعوب. وسواء كانت هذه الاستنتاجات مقبولة أو مرفوضة على المستوى الأوسع فإنها تحتاج لبعض التحليل والتأمل.
ونعود مرة أخرى بعد هذا الاسترسال إلى الاضطراب على مستواه الجنسي, وهذا ما يخصنا في ممارستنا الطبية النفسية، فقد يبدو الأمر خيارا جنسيا للزوجين أو لأحدهما خاصة إذا كانا راضيين به أو متقبلانه، ولكن الخطورة تأتى من احتمالات إيذاء الزوجة أو الزوج أثناء هذه الممارسات السادية العنيفة، وهذا الإيذاء يصل في بعض الأحيان إلى درجة العاهات الخطيرة وربما الموت كما ذكرنا من قبل.
والعلاج يتمثل في عدة محاور منها:
0 الضبط الذاتي: أن يتعود كلا الزوجين الامتناع عن هذا السلوك السادي الماسوشى بناءا على ما عرفا من احتمالات الخطورة. قد يفقدان جزءا من الإثارة الجنسية في البداية ولكن مع الوقت يستطيعان الوصول إلى ممارسة جيدة دون عنف، خاصة إذا بحثا عن طرق أخرى للإثارة أكثر أمانا.
وقد يأتي الضبط الذاتي من الزوجين معا أو يأتي من أحدهما الذي يشعر بخطورة الموقف ولديه الإرادة الأقوى لوقف هذا السلوك. وإذا لم يكن لديهما القدرة لفعل هذا فلا مانع من الاستفادة ببرنامج علاجي نفسي أو سلوكي (أو كليهما معا) على يد متخصص في الطب النفسي أو العلاج النفسي. ويكون وراء هذا الضبط الذاتي القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار“.
* العلاج الدوائي: خاصة إذا كان هناك علامات لأي اضطراب نفسي مصاحب لهذا الاضطراب كالفصام أو الإكتئاب أو اضطراب الانشقاق. وفى بعض الحالات قد تفيد الأدوية المخفضة لمستوى الهورمونات الذكرية.
* العلاج المعرفي السلوكي: وفيه يعرف الشخص أبعاد هذا السلوك ومعناه لديه والأخطاء المعرفية المحيطة به ثم يقوم بواجبات منزلية يطلبها منه المعالج ويكون هدفها في هذه الحالة تكوين ارتباطات شرطية جديدة أثناء الممارسة الجنسية تكون خالية من العنف, وأحيانا نستخدم بعض العلاجات التنفيرية لكف الممارسات العنيفة إذا استمر حدوثها.
0 العلاج الموجه نحو الاستبصار: وفيه ندرس حالة المريض وتاريخه المرضى والشخصي بالتفصيل لكي نكتشف, ويكتشف هو معنا, الأسباب النفسية الكامنة خلف هذا السلوك, وبالتالي يصبح من السهل التحكم في هذا السلوك بشكل واسع.
أما إذا تراخى الطرفان في الأخذ بأسباب العلاج فإنهما يتحملان نتيجة ماقد يحدث من آثار للعنف لا يعرف أحد مداها وقد تصل – كما ذكرنا – إلى حد الموت خاصة وأن سيطرة الشخص السادي تكون ضعيفة جدا في هذه الظروف.
واقرأ أيضا:
السادية والمازوخية: بين الطبيعي والمرضي ! / استشارات عن السادية / استشارات عن المازوخية / السادية والمازوخية وحكم الشرع