خبرات النائمين الجنسية خبراتٌ كثيرةٌ ومعروفة، لكنها تختلف كثيرا فيما بينها وتبقي مجالا واسعا للفروق الفردية بين الناس، وعادة ما تناقش في الأدبيات العلمية الشائعة تحت اسم الإرجاز أثناء النوم Orgasm During Sleep، ومن الناحية العلمية نجدُ أن آليات حدوث الخبرات الجنسية للنائمين غير معروفةٍ، ولا أسبابُ حدوثها أيضًا معروفة، فكل ما هنالك من الأسباب بعض الفرضيات العلمية التي ترى أن الاحتلام على سبيل المثال ليس أكثر من تفريغ للطاقة الجنسية على المستوى الفسيولوجي -متمثلا في القذف- ومصحوبا بتفريغ لنفس الطاقة على المستوى النفسي –متمثلا في المحتوى الجنسي- للأحلام كرغباتٍ مكبوتة في الصحو.
ورغم ما تحمله هذه الفرضية من مقدرة تفسيرية معقولة إلا أن كثيرا من الشواهد تدحض فكرة تعلق الأمر بطاقة مخزونة أو مكبوتة أو غير مستغلة، وأبسط الشواهد على ذلك هي ملاحظة كثيرين من المتزوجين عدم وجود علاقة بين غيابه عن الزوجة وحدوث الاحتلام، وبوضوح هناك من يسافر شهرا لا يحتلم خلاله، ليحتلم ليلة لقائه بزوجته! بعد أن يغتسل وينام!، وأعرف ذكورا لم يخبروا الاحتلام إلا بعد الزواج!
ولما كنت أثناء عملي كطبيب نفسي كثيرا ما أواجه أفكارا لدى مرضاي وغيرهم من الناس تتعلق بالآثار السلبية ليس للعادة السرية فقط وإنما للاحتلام فهناك من شبابنا من يعتقدُ أن لكثرة الاحتلام أثرا سلبيا على الإنسان، فبينما كبر معظمنا على فكرة أن الاحتلام شيء طبيعي يفتخر الولد بأوائل مرات حدوثه دون اشتراط تصريحٍ بالقول لأنه يكفيه أن لديه ضرورة للاغتسال.... فقد كبرَ بعضنا (وأخشى أن يكون بعضا كثيرا) في ظروف الله أعلم بها جاهلا بطبيعة جسده، لأن أحدا لم يعلمه شيئا عن جسده!
وفي مناخ العيب والحرام ينسج كل واحد منهم أوهاما في داخل نفسه ويعيش فيها خائفا ومرتعدا وفي منتهى القلق من أمرٍ طبيعي تماما مع الأسف الشديد، فهذا شاب خشي أن يكونَ ما حدث له أثناء النوم دليلا على مرض، وذلك واحدٌ من حملة الماجستير في أحد المجالات العلمية البارزة! رجل متزن ناجح في عمله، لكنه يعاني من عدم القدرة على التركيز ومن قلة الإقبال على الحياة، وليس هذا هو الغريب ولكن الغريب كان أنه يرى السبب في ذلك هو ما يحدث له كثيرا أثناء نومه من الأحلام الجنسية التي يحتلم خلالها؛ وقد لاحظ أن الأعراض تزيد عليه صباح اليوم التالي لاحتلامه وبما أنه شاب غير متزوج فإن الأمر كثير الحدوث بشكل مخيف هكذا قال!
المهم أنني وعلى أوقاتٌ متفرقة خلال سنوات عملي كطبيب نفسي كنت أشعر بأنني ما أزال في حاجة لفهمٍ أكثر عمقا لطبيعة الاحتلام –فهو كما بينت موضوع غير محسوم الفهم علميا- وأكثر المكتوب فيه منقول عن عالم الجنس الأمريكي كينزي، والحقيقة أنني بالبحث اكتشفت أن أفضل ما قيل في الاحتلام قاله فقهاء المسلمين الأوائل فهُم -وليس كينزي Kinsey- أول من أشاروا إلى أن ظاهرة الاحتلام تحدث للنساء وللرجال، وذلك انطلاقا من أحاديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم حين قال لأم سليم امرأة أبي طلحة عندما سألته: هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ فقال:"نعم إذا رأت الماء" رواه البخاري.
ولهذا الحديث النبوي الشريف قصة شخصية معي تعلمت خلالها كيف أن كلام سيد الخلق كلام معجزٌ علميا، كتبتها في مقال: الماء والنساء ، ماء المرأة في الإرجاز وفقهاؤنا أيضًا وأثناء تدبرهم في ما يوجب الغسل وما لا يوجب الغسل من خبرات النائم الجنسية، كانوا أول من فصل في احتمالات عديدة لما يرى النائم منها:
* من ينزل منه المني أثناء حلمٍ جنسي يذكره بعد استيقاظه من النوم ويجد بللا في ثيابه.
* من يحلم حلما جنسيا وضمن الحلم أنه أنزل (رؤيةً أو شعورا أو كليهما) وهو عند استيقاظه يذكر الحلم ولكنه لا يجد بللا في ثيابه، وفي ذلك أول إشارةٍ في التاريخ إلى إمكانية الفصل بين الإرجاز كشعور وبين خروج المني، وهذا ما كان مشهورا علميا في الإناث وغير معروفٍ في الذكور.
* ومن يحلم حلما جنسيا ولا يذكره لكنه يجد المني عند الاستيقاظ في ثيابه، فعـن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: سئل رسول اللَّه عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا، فقال: «يغتسل»، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل فقال: «لا غسل عليه».
فكأن رسولنا عليه الصلاة والسلام يعرفنا بأننا قد ننسى أحلامنا وهذا ما احتاج العلماء إلى اختراع معامل النوم وتخطيط كهربية الدماغ أثناء النوم ليعرفوا أننا نحلم وننسى كثيرا من أحلامنا، ونقطة الإعجاز الثانية في هذا الحديث هي معرفة الرسول عليه الصلاة والسلام بإمكانية حدوث الحلم الجنسي دون أن يصاحبه الإنزال حتى لو رأى النائم في منامه أنه أنزل!
بصراحة شعرت بكثيرٍ من التقصير في حق أمتي، لأن تراثنا الفقهي مهملٌ في كثير من نقاط قوته وتميزه، وبدأت أفكر في دراسة علمية لخبرات النائمين الجنسية ننطلق فيها من معطيات الأحاديث النبوية الشريفة ونستعين فيها بمعطيات التكنولوجيا الحديثة التي تمكننا من معرفة كثير من التغيرات أثناء النوم ثم محاولة تفسير ذلك وربطه بما يحكيه لنا الأشخاص حسبما يتذكرون، هذا ممكن من الناحية العلمية لكنه يحتاج متطوعين للدراسة فهل من متطوعين؟
اقرأ أيضا:
رهاب الاستمناء نهارا وزملة الاستمناء ليلا! / وأيضا زملة الاسترجاز اللا إرادي! / الاحتلام Wet Dreams / البلوغ والاحتلام ! / أخاف كثرة الاحتلام وأستمني × 2... 3 !