أثارت لدي إحدى حلقات الداعية عمرو خالد "دعوة للتعايش" بعضا من الأفكار والأحزان في آن.. تحدث خالد عن "الإمام مالك" وكيف أنه تلقى أحد فروع علمه على يد السيدة عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص، وكانت أعلم الناس في ذلك العصر وفي المدينة بهذا العلم.. ثم عقب قائلا: هكذا كانت المرأة في هذه العصور وهكذا كان التقدير لها، ثم تساءل قائلا: أين الفتيات أوائل الثانويات العامة اللاتي تملأ صورهن صفحات الجرائد والمجلات؟ أين يذهبن بعد ذلك؟ أين الاحتواء والتشجيع العلمي لهن؟ لماذا لا يبرزن ويستكملن مسيرة التفوق العلمي، ولماذا لا نهتم بهذه الثروات فننميها؟!.
ثم أردف قائلا: لقد عرف الأقدمون كيف يتعايشون مع المرأة أما نحن فلا نعرف ولا نطبق الإسلام في شيء من ذلك!.
فما العلاقة بين كلام عمرو والزواج من ملتزم وإثارة الأحزان والأفكار والكارثة؟!
العلاقة ببساطة تتشابه كمن يتوهم أن هناك بابا مفتوحا فيمشي باتجاهه في الظلام حتى يخرج إلى النور فإذا به يصطدم بحائط سد من الحجر الصوان!.
ومن يذهب ليبتاع وردا من محل مكتوب عليه هنا تباع الورود فإذا بالبائع ينسق له مزهرية من السيقان التي تحمل شوكا بلا ورد!.
فمع تنامي مد الحركات الإسلامية وظهور الإخوان على السطح على اعتبار أنهم أكثر الحركات قدما وخبرة وأصالة وانفتاحا على مجتمعاتهم وتأثيرا أيضا، تطلع الكثيرون والكثيرات إلى أمل ما قادم وقريب يحمله رافعو شعار "الإسلام هو الحل" للمرأة.. خلاصا من عذاباتها بين الأعراف والتقاليد البالية البعيدة عن الشرع من جهة، والتيارات الفكرية المستغربة من جهة، والتيارات الإسلامية الأخرى المتشددة من جهة ثالثة!.
فاتجهت المنتميات لهن لتفضيل خيار الزواج من ملتزم ويفضل أن يكون إخوانيا بالطبع، وتطلعت الكثيرات أيضا من خارج هذه الدائرة للارتباط بمن يطبق معها في داخل المملكة الصغيرة "الإسلام هو الحل" ما دام الأمر محظورا في المملكة الكبيرة!.
التنظير الرائع في كتابات الإخوان لمكانة المرأة، والكلمات الشجاعة من كثير من قياداتهم، والنماذج النادرة القدوة رجالا ونساء من داخل الإخوان والتي تعد على أصابع اليد الواحد، هذه كلها وغيرها دفعت الفتيات لهذا التفكير ومن بعده السلوك.
في الحقيقة الأسئلة كثيرة، والملف كبير ولا بد أن يفتح.. فاعتراف وإقرار الإخوان بمكانة المرأة وحقوقها كما أقرها الشرع.. الكلام المقروء والمكتوب لا يغني أبدا عن الواقع والممارسات.. فالمحك في ذلك دائما وأبدًا هو الدليل.. وسيكون: كيف هي صورة زوجة الملتزم خاصة الإخواني وابنته على اعتبار أن الزوج والأب هما المسئولان بشكل مباشر عن "منتج" المرأة التي ستخرج من هذا البيت الذي يرعاه؟.
لماذا لا نرى نساء مبرزات علميا، واجتماعيا، وسياسيا، وإعلاميا ولا حتى دعويا في حركة تملك هذا الزخم الهائل من الكتل البشرية والورقية؟ أليس الإسلام هو الحل يقتضي أن يكون من هذه الحركة أمثال عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، وغيرها وغيرها ممن رباهن الإسلام وليس "نيولوك إخواني" لـ"سي السيد"!.
فلقد رأينا منهم من يخلط غيرته الشخصية وربما "المرضية" بالإسلام وهو منها براء، ومنهم من يقدم العرف على الشرع وهو مما لا يرضي رب العالمين! ربما يكون هذا جزءا من الحقيقة بكل أسف!.
ولكنها مشاهدات واحتكاكات مباشرة لمستها عن قرب خلال الـ15 عاما الأخيرة من واقع ملامستي لواقع الفتيات على الساحة الإسلامية عامة والإخوانية خاصة وقربي من الكثيرات ممن يحملن التوجه الإخواني وتزوجن من شباب من الإخوان غدوا اليوم كهولا في الأربعينات، والخمسينات من العمر!.
فهل وجد هؤلاء النسوة بالفعل أن الإسلام هو الحل مطبق وواقع بالإضافة إلى الشعار؟ هل وجدن الخلاص من التقاليد والأعراف وغيرها مما سبق ذكره؟ وهل وجدن عقلية إسلامية بحق لهؤلاء الرجال الذين ارتبطن بهم على أمل أن يعشن الأمل؟!.
بل هل تميز هؤلاء الأزواج الملتزمون وخاصة الإخوان بالفعل عن غيرهم ممن غزتهم الأمراض النفسية، والأفكار المتشددة، والسمات الشخصية المشكلة؟ هل ارتبطن بالفعل بأزواج كما يقولون "الرسول قدوتهم"؟ رجال استطاعوا تربية أنفسهم بالفعل على الإسلام فتخلصوا من الكثير من وصمات عار الرجل الشرقي الجائرة والمتعسفة؟.
وهل يرجع الفضل في كون بعض بيوت الملتزمين وخاصة الإخوان النادرة العدد الناجحة في ذلك إلى عقلية رجل تربى من الأصل بشكل سوي فأضاف الالتزام بالإسلام إلى جمال شخصيته وعقليته مزيدا من الاتزان والجمال؟ أم أنه استطاع أن يبرمج الشعار ويكف عن الضجيج بلا فعال؟ أم ..؟ أم ..؟
لقد سمعنا عن "إخوة" يمنعون زوجاتهم من مشاهدة برامج عمرو خالد خوفا من الفتنة!!
وآخرين يتهم الواحد منهم زوجته بالخيانة لأنها شاهدت كليبا لسامي يوسف، وربما لو شاهدت عمرو دياب لطلقها!.
"هس وبس، ووطي صوتك، ومترديش السلام ولا الكلام، ومتكتبيش اسمك على مقالاتك" إن ألحت عندها موهبة الكتابة، أو لا يسمح لها بالمرة بذلك.. أليس الأولى أن يطالبوها أيضا بألا تتنفس.. يكون أحسن!.
حكت لي إحداهن وتعمل مهندسة وكذلك زوجها أنها لم تعمل مباشرة بعد الزواج حيث تزوجت بمجرد التخرج وأنجبت طفلا تفرغت له 3 سنوات ثم بدأت رحلة البحث عن عمل وفي هذه الأثناء كانت تتناقش مع زوجها حول رغبتها في العمل بأحد المكاتب الهندسية المرموقة؛ حيث إنها تريد إكمال مسيرة تفوقها في مجالها فإذا به يرفض ويبرر ذلك بأن هذا المكان به "متبرجات"!
طبعا تقول الزوجة: أحضرت مرآة وأخذت أنظر إليها وأحدث زوجي باندهاش.. "متبرجات"؟! وهل تراني رجلا تخاف عليه الفتنة؟! ثم إنني أقابل المتبرجات في كل مكان في الشارع والترام والسوق وحتى أقاربي منهن المتبرجات فهل هذا مبرر؟! تقول فتلعثم الزوج قليلا ثم عدّل حديثه قائلا: أقصد رجال غير مؤدبين؟!.
وكأنني لا أستطيع أن أدفع عن نفسي ضرا أو كأن غير المؤدب ينتظرني هناك فقط وهذه هي آلية التعامل معه؟! وأضيف هذه هي إحدى العقليات الملتزمة إذن! وهذا هو المنطق لديهم؟!.
ليس هذا فحسب بل إن نفرا من الملتزمين وحتى الإخوان منهم ظن أن المرأة التي تحدث الإسلام عن حقوقها ومكانتها هي التي خارج سور سجنه "البيت" وعليه أن يوضح لها الصورة المشرقة للمرأة في الإسلام وأن يدعوها إلى الله وأن الاختلاط ليس حراما "وعلى زوجته وبنته حرام"؛ فانطلق يدعو زميلاته في العمل ويتباسط معهن "والعمل على زوجته وابنته حرام"، ويبتسم في وجوه الجارات والقريبات "والكلام وليس الابتسام على زوجته وبنته ممنوع".. فنال درجة الشيزوفرينيا بامتياز مع مرتبة الشرف!.
مؤخرا كلفني رئيس تحرير أحد المواقع التي أعمل بها بإجراء حوار صحفي مع ابنة أحد كبار الإخوان المعتقلين حاليا.. امرأة مثقفة صغيرة السن متزوجة حديثا، خريجة كلية مرموقة كان المفروض أن ينتظرها مستقبل واعد لما تحمله من ذكاء وتفوق عقلي وفكري، حادثتها ورحبت ووافقت وتواعدنا وفي اليوم التالي رن جرس الهاتف على اعتذار منها في أسى: "زوجي رفض وقال كفاياكى شهرة بقى!".
طبعا نحن لا نتحدث عن "تسيبي ليفني" وزيرة الخارجية الإسرائيلية، ولا "ميسز إيجيبت" ولا حتى شهرة روبي أو إيناس الدغيدي.. ولكن الشهرة المقصودة والمرفوضة هي بضعة حوارات مع ابنة معتقل لتوضيح الظلم وإنكاره أمام الرأي العام وهذا بلغة الشرع "ضرورة"، وكأن ما نقرأه عن نساء الصحابة والمجاهدات والعالمات والصحابيات ليست "شهرة".. ما أبعد الشقة في التفكير بيننا وبينهم.. عندما نعتبر أن الشهرة في "قولة حق" وصمة عار ينبغي التخلص منها.. أو كأن الحديث عن ضرورة ووفق ضرورة وضوابط هو الآخر ممنوع وربما "محظور"!.
إننا لا نناقش أمورا محترمة في الشرع وفق ضوابطها وحيثياتها كاحترام رأى الزوج وطاعته.. إلخ، ولكن الأمر ليس كذلك فالمشكلة في "أزمة العقول" التي تحكمنا، فغني عن التعريف أن الاحترام المتبادل بين الزوجين يمضي احترام رأى الزوج أو الزوجة في سلاسة وحب وانسيابية دون كرباج، أما التعامل وفق السلطات التي تبيح لي أن أمنعك أو لا أوافق ولا يهم اقتناعك أو رضاؤك فشيوع هذا المنطق المتعسف وغيره في التعامل الأسري والزوجي هو مما لا يرضي رب العالمين، فضلا عن كونه أفشل أساليب التعاطي الزوجي والأسري مما لا يبقي للمتشاركين رصيدا إيجابيا من مشاعر أو أحاسيس، التعاملات الأسرية تلك لا ينبغي أن تكون الحاكمة فهي تهدم ولا تبني وتجعل البيوت أقرب إلى بيوت العنكبوت.. الإدارة بالسلطة والإرهاب والخوف لا تثمر شيئا يدوم سوى بذرة هذا الإرهاب وسبحان من يسلط أبدانا على أبدان!.
إن أول من يجني ثمرة هذه النظرة الخاطئة والتجربة المرة مع المرأة هم الملتزمون والإخوان أنفسهم.. فالرجل الذي يبني السجن هو أول من يتمرد عليه، وكما يقول المثل الياباني ورود حديقتنا غير مزهرة وورود حدائق غيرنا مزهرة.. فالحبيسة تغدو مملة غير جذابة وغير مثقفة ولا بد من تطوير الذات بالإعجاب بالأخرى المنطلقة والمثقفة، والتي ربما تكون زميلة العمل أو الدراسة أو الجيرة إلخ.. المهم أنها لن تكون الزوجة التي أصبحت بيتوتية مطبخية ولا بأس من الإبقاء عليها عملا بالخلق الكريم!.
وحتى عندما يعتقل أحدهم فإن الزوجة البيتوتية المطبخية وأولادها يكونون أول من يدفع الثمن فتخرج حينها مضطرة إلى المجتمع تائهة، متخبطة، لا تدرى ما تفعل ولا كيف تتصرف؟!
فهل كان يعد النبي صلى الله عليه وسلم النساء هكذا في مجتمع من الممكن أن تتعرض فيه للمحن والتحديات وبمثل هذه التربية الداجنة؟!
في بيوت الملتزمين والإخوان طلاق، وتعدد، ومشاكل، ونزاعات وكل شيء تماما كما يحدث في المجتمع الكبير كما أن هناك وئاما وحبا وتفاهما واستقرارا وأزواجا وزوجات استطاعوا الصعود معا والبناء.. إنها ليست الجنة إذا كما تتوهم الفتيات.. "ملتزم" أو "إخوان" ليست علامة الصلاحية إذا، ولكنها عوامل كثيرة متشابكة.
ولو سألت زوجة أحدهم: عاملة إيه مع زوجك؟ تقول: الحمد لله أحسن من غيره!، وهو بالطبع كذلك وأحيانا كثيرة أيضا كغيره ولا يفرق كثيرا.
وأعود في لقطة سريعة إلى عمرو خالد لأقص عليه قصة واحدة فقط من مئات وربما آلاف القصص المحزنة إجابة على سؤاله أين تذهب أوائل الثانوية العامة، ففي العام الذي حصلت فيه على الثانوية العامة كانت صديقة عمري وزميلة الديسك المدرسي معي هي الرابعة على الجمهورية والحق أن صديقتي كانت بالفعل ذكية، مجتهدة وطموحة.. التحقت أنا بكلية الإعلام والتحقت هي بالاقتصاد والعلوم السياسية وواصلت تفوقها إلا أنها أحبت شابا "ملتزما" رجل أعمال وخريج للجامعة الأمريكية فكانت تكملة قصة صديقتي، أنها تخرجت وتزوجته على الفور وأنجبت 6 أطفال.. كل سنتين طفل، وارتدت النقاب، ثم أفاقت من غيبوبتها منذ سنتين وفكرت في إكمال دراستها العليا خاصة أن حالتهم المادية متيسرة ولديها من يساعدها في رعاية الأطفال وأعمال المنزل فما كان من الزوج إلا أن هدد بالطلاق ولملم أوراقها وشهاداتها الدراسية وهدد بحرقها.. ومن الحب ما قتل وخنق وحرق!.
هي الآن تفكر في عمل جمعية خيرية تستطيع أن تعمل من خلالها وتحقق بعضا مما يدور في ذهنها من مشروعات، ولا تدري هل سيوافق هذه المرة أم سيهدد بحرق الجمعية أيضا!! ما رأيك أستاذ عمرو خالد؟!
ما رأيك في تتر النهاية هذا لأوائل الثانوية العامة من البنات.. إن لم يكن بأيدينا فبيد الزوج!!
هل تريدون تترات أخرى للوأد فلدى المزيد؟!
أعرف فتاة مهندسة طموحة تمتلك شركة للكمبيوتر، نابغة في العلوم الشرعية أتمت حفظ القرآن الكريم حفظا وتلاوة وتجويدا وبالقراءات، بالإضافة إلى موهبة دعوية وشخصية كاريزمية رائعة.. فرح بها أساتذتها وكان أحدهم يقوم على إنشاء معهدا للدعوة للنساء وكان يؤمل الكثير ويخطط لكي تتولى هذه الفتاة إدارة الأمر بالمعهد، لكن الشيخ بكى وانتحب عندما علم أن الفتاة الرائعة تزوجت وأن زوجها "الملتزم" منعها من العمل، وممارسة أي نشاط خارج البيت!.
لقد ظن بعض من شاهد بكاء الشيخ أن الفتاة قد ماتت مثلا، وفي الحقيقة أن ما حدث لا يختلف كثيرا عن الموت. بعد كل هذا نتساءل: لماذا ليس لدينا أمثال "عائشة بنت سعد بن أبي وقاص"؟
وفي عصر النانو تكنولوجي والفيمتو ثانية والاتصالات و.. و.. كل هذه الإمكانات الهائلة؟ ترى لو عاشت عائشة في عصرنا كيف كان سيكون حالها.. الأزمة فعلا في العقول وليس الإمكانيات.. وأضيف إلى العقول، النفوس المعتلة السقيمة.
في النهاية.. لدي اقتراح وجيه.. وهو تصدير أمثال هذه العقليات "الملتزمة" إلى نساء الكيان الصهيوني أو حتى الناشطات في جماعات عبدة الشيطان وغيرها ممن لا يجدن من يقول لهن هس وبس، ربما يفلحون في أداء شيء مفيد ويكفونهن عنّا فهؤلاء النسوة هن الأحق بذلك، وإذا ما تعذر ذلك فحاولوا أرجوكم إقناعهم بأن العلاج النفسي متاح ومتقدم، وأن الذهاب إلى طبيب الأمراض النفسية ليس عيبا ولا حراما.. وإنما العيب والحرام هو ما يفعلونه بعقولهم ومصائرنا.. وأخيرا يبقى "الإسلام" هو الحل بالفعل.. وليس "هم"!.
اقرأ أيضاً:
اعترافات قهرستانة مصرية! / ذكرياتي مع الحلوة / سيد الرجالة كمان وكمان / أنفلونزا الكلاب في المعادى!