نحن نعيش وحدنا في الزحام، نعيش ونعاني الوحدة وسط الملايين من البشر، هذا شعار عصرنا وسمته، فكلما ازداد الزحام تضاعف الشعور بالوحدة والعزلة، فلا أحد يعبأ بالآخرين وسط الجري واللهاث والطوابير والتدافع، فلا وقت للاستماع، الكل يريد أن يتكلم ويثرثر، والمهموم لا يجد من يبوح له، وكان لابد أن يغتنم الإعلام الفرصة ويخصص مساحات للبوح والفضفضة، بدأت بالصحف وانتقلت إلى التليفزيون وأخيرا انتشرت مساحات البوح على مواقع الانترنت رغبة في التوزيع والانتشار أكثر منها رغبة في مساعدة الناس.
ومعظم المشاكل المطروحة على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت عاطفية تتعلق بالحب، فهناك فتاة تحب فتى ويفرض عليها أهلها فتى آخر لتتزوجه وزوجة تكتب مقدمة طويلة عريضة عن سوء معاملة زوجها، وتكتشف أن هذه المقدمة مجرد تبرير لخيانتها لأنها وجدت عند العشيق الحنان الذي افتقدته عند الزوج.
لا شيء يخرج عن هذا الإطار، وغالبا ما تكون الحلول المطروحة على مواقع الإنترنت ساذجة وتبلغ حد التفاهة لأن حلال المشاكل وقع ضحية التعاطف مع صاحب المشكلة وتأثر بوجهة نظر واحدة وراح يقدم الحل دون أن يعرف رأي الطرف الآخر فتأتي الحلول مبتورة وربما تكون كارثة لأنها تؤدي إلى هدم أسرة أو تمرد ابنة أو ابن على والديه.
وفي النهاية فإن حلال المشاكل يعنيه الإقبال على موقعه ولا تعنيه المشكلة ذاتها، كما أن الشريحة التي ترسل مشاكلها إلى مواقع الإنترنت غالبا ما تكون من الطبقة الميسورة التي لا تعاني ماديا لذلك تكون مشاكلها محصورة في إطار الحب والملل الزوجي والرغبة في التغيير والعلاقات الغرامية العشوائية وانعدام القيود القيمية والأخلاقية في كثير من الأحيان مما يؤدي إلى الانفلات، وحلال المشاكل في الغالب لا يستطيع أن يصارح تلك الشريحة بنقائصها وانفلاتها لأنه لا يريد أن يخسر الزبائن.
* يقول الدكتور أحمد عبد الله -مدرس الطب النفسي بجامعة الزقازيق ومدير فريق الحلول لموقع إسلام أون لاين الإلكتروني- إن حجم المشاكل في عصرنا كبير جدا لذلك فإن صفحات المشاكل والحلول في مواقع الإنترنت في ازدياد مستمر ويتلقى موقع ''إسلام أون لاين'' في صفحة مشاكل وحلول ما لا يقل عن 40 أو 50 مشكلة في الأسبوع خلال 6 ساعات.
ويضيف الدكتور أحمد عبد الله: كل موقع يحاول أن يحصل على أكبر نسبة من المستخدمين ويحظى بثقتهم فنحن نحاول أن نحقق تطورا مستمرا عن طريق قياسات الإجابة على المشاكل التي تطورت على مدى 5 سنوات ويتم وضع معايير معينة لجودة الحلول كأن تحتوي على عدد معين من الكلمات ولابد أن تضيف الإجابة جديدا وتغطي جميع جوانب المشكلة مع إعطاء اختيارات في الحلول حتى يتمكن الشاكي من إتباع أحدها.
0 سرية وانتشار:
وأوضح بأنه يتم التعامل مع النص من حيث قراءة المشكلة بطريقة صحيحة وإدراك جوانب معينة فيها كما أن الاختصار أو الإطالة في سرد المشكلة قد يوحي بدلالات معينة وحتى البريد الإلكتروني للشاكي يمكن عن طريقه معرفة شيء ما عن الشخص بالإضافة إلى قدرة من يحل المشكلات وكفاءته وتميزه.
وأشار د.أحمد عبد الله إلى أن إرسال المشاكل عبر الإنترنت يسمح بسرد كل التفاصيل التي لا يمكن الجهر بها في الواقع فعدد لا بأس به ممن يكتبون مشكلاتهم أرسلوها بالصدفة إلى حلال مشاكل كي يقف بجوارهم ويسترشدوا برأيه والموقع يميل إلى نشر المشاكل التي لها طبيعة عامة ويعاني منها قطاع عريض كي تعم الفائدة كما يتمتع الإنترنت بخاصية الانتشار والوصول للناس في أماكن بعيدة كأن يكونوا في قلب الصحراء أو في أطراف البلاد وهؤلاء لا يجدون طبيبا نفسيا يلجئون إليه فكان الإنترنت أسهل وسيلة.
وأكد د.أحمد عبد الله أن الثقة بموقع ما تأتي من خلال جهد متواصل عبر سنوات عديدة عندما يشعر المستخدم بأن من يحل المشاكل متخصص ولديه خلفية لا بأس بها عن جميع الجوانب العلمية والدينية والثقافية كما أن الإجابات لابد أن تكون شافية وبها قدر من الوضوح وما يدفع المستخدم للتوجه نحو موقع بعينه هو شعوره بأن الإجابات صريحة وجادة ولا تحمل مواعظ أو أطرا مثالية بل تقدم حلولا عملية، وقال أن مشكلات ليس لها حل مثل فتاة أرسلت تقول أن العمر تقدم بها ولم تتزوج حتى الآن لأنها حاصلة على قدر كبير من التعليم وهو أمر لم يعد مرغوبا فيه بمحيطها كما ترفض الذهاب إلى الأفراح أو المناسبات ولا ترتدي ما يبرز مفاتنها ورددت عليها بأن هذه مشكلة مجتمع بكامله ولابد له أن ينفتح في شتى مناحي الحياة.
*وتقول عواطف عبد الحميد التي أنشأت على موقع شبكة المعلومات العربية محيط صفحة خاصة لتلقي المشكلات منذ ما يقرب من 4 أعوام أن عدد المشاكل التي ترد للموقع قليل بالمقارنة مع المواقع الأخرى، وأنها المستشارة الوحيدة في الموقع وتعتمد على خبرتها الشخصية وبعض القراءات في علم النفس والاجتماع بينما المواقع الأخرى بها عدد كبير من المختصين في علم النفس والاجتماع مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة المشاركة كما أن نوعية المشاكل التي يتم التطرق إليها تكون في غاية الصراحة والخصوصية.
وتضيف: في صفحتي ''أوتار القلوب'' اختار المشاكل التي أعتقد أنها تمس قطاعا كبيرا من الجمهور وبذلك تكون مشاكل عامة وغير حساسة ولا تتسم بالخصوصية فالمشاكل التي تطرح تفاصيل الحياة الزوجية تحتاج إلى تخصص علمي أو طبي أو اجتماعي إضافة إلى خبرة طويلة.
والمشاكل التي ترد للصفحة معظمها مشاكل نفسية أو عاطفية يرسلها شباب الجامعة ثم مشاكل الأزواج المعتادة كغيرة الزوجة أو إهمال الزوج لمنزله أو قسوة الزوج على أولاده ويمكنني ضمان عدالة الحل الذي أنصح الشاكي به وفي كل الأحوال لا أقسو على الطرف الآخر ولا أحكم عليه بالسلب، وتستطرد: المتخصص وحده لا يكفي لحل المشكلات كما أن صاحب الخبرة وحده لا يكفي فعدد كبير منهم لم يستطيعوا حل مشاكلهم الشخصية ولا يمكن لأي شخص يحمل مؤهلا علميا أو خبرة اجتماعية أن يحل مشكلات الناس فالأمر يتطلب وقتا للتركيز في كافة جوانب المشكلة والتفكير فيها مرات.
0تخصص:
منذ نحو عام أصبحت الدكتورة داليا مؤمن -مدرسة علم النفس بآداب عين شمس- مستشارا للحلول في موقع ''مجانين'' الإلكتروني وهو موقع نفسي مخصص لمشاكل الشباب من الجنسين والتحقت بالعمل في الموقع منذ بداية إنشائه، وتقول دكتورة داليا مؤمن: توزيع المشكلات على القائمين بحلها يتم بعد تأكد المسئولين عن الموقع من براعة كل من يتصدى للحل والتخصص سواء في علم النفس أو الاجتماع ثم الاهتمامات الشخصية لكل مستشار فكل منا له اهتماماته بعيدا عن التخصص والمؤهل العلمي.
وتضيف د.داليا مؤمن: نظرا لإجادتي اللغة الإنجليزية أترجم الرسائل التي ترد للموقع من العرب المقيمين في الغرب حتى يسهل على المستشارين قراءتها وإرسال الحلول كما أن مستشار حل المشكلات لابد أن يكون تخصصه ملائما للمشاكل بالإضافة إلى ممارسته العملية لأساليب الإرشاد والعلاج النفسي حتى يسهل عليه اتخاذ القرار الصحيح، ولا يجب إعطاء قرار قاطع في حلول المشكلات التي ترد عبر الإنترنت فغالبا لا يبعث الشاكي بتفاصيل المشكلة لأن الحد الأقصى لما يكتبه يكون في حدود نصف صفحة تقريبا ويضطر للاختصار وقد تسقط منه نقاط لا تبدو مهمة بالنسبة له إلا أنها قد تساهم في الوصول لحل منطقي.
وأكدت أن الناس في حاجة شديدة للعلاج النفسي وهذه الميزة التي يوفرها الإنترنت تناسب مجتمعنا بدرجة كبيرة لأنه يتيح الفرصة للتعرف على حلول المشاكل دون الذهاب لطبيب نفسي كما أن إرسال المشاكل عن طريق الإنترنت خدمة مجانية للعلاج النفسي في مقابل أسعار جلسات العلاج النفسي المرتفعة الثمن بالإضافة إلى أن الشباب والمراهقين من أكثر الفئات التي تتعامل مع الإنترنت وهناك فرصة للمستشار كي يعيد قراءة مراجع بعينها ويتعرف على أمور مبهمة مما يجعل الحل أكثر دقة.
وتستطرد د.داليا مؤمن: لم أشعر ذات مرة بأنني مصابة بالاكتئاب أو الإحباط نتيجة معايشتي للمشاكل فلقد تلقيت العديد من الدورات في العلاج النفسي وكان أهم جزء فيها أهمية الفصل بين الحالات المرضية والحياة الشخصية فقد أتعامل مع صاحب المشكلة وأشعر بمشكلته وأقدر قلقه بشأنها وهذا يجعلني أحاول مساعدته بشكل لا يؤثر على حياتي الشخصية.
وترى نادية محمدي -المعالجة والمحللة النفسية- أن التخصص العلمي لحلال المشكلات مهم خاصة إذا كانت المشكلة عميقة أو وصل أطرافها إلى مراحل متأخرة والمشكلات التي تتعلق بالحياة الزوجية لا يصلح أن يشارك في حلها أحد أقارب الزوج أو الزوجة حتى لو كان رأيه حياديا ولابد من اللجوء للمتخصص لأنه سيبدأ من حيث بدأت المشكلة ويتابع خيوطها ويحلل الدوافع التي أدت إلى بعض السلوكيات ويضع الحلول اعتمادا على تلك الأسس.
* علاج جماعي:
وتشير إلى أن العلاج الزوجي أو الجماعي اعقد بكثير من العلاج الفردي ففي المشاكل الزوجية يسير العلاج في اتجاهين أحدهما يمثله الزوج والآخر للزوجة ويهتم بتحديد ما إذا كان أحدهما يعاني حالة نفسية ثم يتم علاج ذلك المرض ثم يبدأ إصلاح العلاقة.
وتضيف: لا يجب على حلال المشكلات أن ينغمس في الأزمات ولا يحترق مع المشكلات ولا يتأثر بما حوله ولابد من محاولة تقليل التداخل في المشكلات الواردة وعندما يأتي الزوجان مثلا بغرض الاستشارة يقترح عليهما بدائل عديدة للحلول ثم يشترك معهما في اختيار الأنسب والأصلح، وقالت أن المشكلات التي يرفض أحد أطرافها الحضور أضطر لأن أستمع إليها من وجهة نظر أحادية وبالتالي يكون العلاج فرديا وأحاول أن يكون ملائما لظروف الطرف الغائب حتى لا يحدث صدام.
* وتقول الدكتورة فيروز عمر -مستشارة صفحة مشاكل وحلول للشباب في موقع إسلام أون لاين الإلكتروني- حل مشكلات الشباب منذ 3 سنوات: وضعنا عمرا محددا للشباب في حل المشكلات يتراوح بين 16 و45 عاما وهي فئة عمرية كبيرة وترد إلينا مشاكل بسيطة وأخرى معقدة لكن لا يمكن اعتبار مشكلات الفئة العمرية من 16 حتى 25 سنة تافهة فكل فرد يرى أن مشكلته لها خصوصية ولابد لمن يضع الحلول ألا يرى تشابها في المشكلات بل يرى كل مشكلة على حدة ويستشعر اختلاف الشخصيات ومهما كانت المشكلة مكررة فإن صاحبها يشعر باختلافها.
وأكدت أن حلال المشاكل لابد أن يتمتع بقدر عال من الصبر وألا يتهكم على أحد أطراف المشكلة ويحترم الشكوى وما تحويه ولا ينصب نفسه قاضيا على صاحب المشكلة وأن يساعده للتغلب على مشكلاته كما أن الضمير يعد أساسيا للفصل في المشكلة ولابد له أن يتمتع بقدر من القيم والأخلاق ويدرك أن من لجأ إليه لا يرغب في أخذ مسكنات ينتهي مفعولها سريعا وإنما يريد حلا حاسما.
وقالت دكتورة فيروز عمر أنه لابد لحلال المشاكل من التعمق في الإرشاد أو الطب النفسي مع الخبرة الاجتماعية ويتم توزيع المشكلات في الموقع بحسب التخصصات فالمشكلات العاطفية يرد عليها خبير اجتماعي والنفسية يتولاها الطبيب النفسي وفي الموقع فريق مكون من 15 شخصا يتبادل النقاش حول المشكلات الغريبة أو التي تحتاج لرؤية جماعية، أو تلك التي بلا حلول لتدارسها وتقديم الرد الملائم.
واقرأ أيضا
قبلَ أنْ يُكتَشَفُ الحبُّ/ ولِلحُبِّ رياحٌ شماليَّة/ أسئلةٌ تجتازُ المحيط/ ويحلو ذلك السَّفرُ/ لنْ أهواكِ ثانيةً