كان نقاشاً عميقاً مع زوجتي هو الذي أوحى لي ببداية الخيط.
نتزوج بعد قصة استلطاف وميل عاطفي، أو بشكل تقليدي عن طريق العائلة أو الأصدقاء، وتغرقنا أو تنقصنا المعلومات عن الزواج بحقوقه وواجباته، مزاياه ومسئولياته، الزواج السعيد وكيف يكون، وندخل إلى بيت الزوجية نأكل معاً، ونشرب معا، ونخرج وندخل معاً، ونتعاشر ونتناسل، لكن أحداً لا يلفت أنظارنا إلى أن الزواج مثل أية علاقة يحتاج إلى تدبير وخطط ومناسبات ومصارحات ومحطات ومبادرات لتكوين هذه العلاقة، ذاك الرباط المتين والميثاق الغليظ لا أحسب أننا نعطي له الجهد اللازم ليكون كذلك، أتحدث عن نفسي حتى لا أتهم غيري، وأنا أدرى وأعلم بتجربتي، فكأنني اعتقدت أن مجرد العشرة تبني العلاقة، وكأننا نظن أن الحياة تحت سقف واحد تزرع حتماً بدوراً تنبت مع الأيام لتصبح أشجاراً وارفة الظلال تمنح النسيم وسط الهواجر،
مذهل أن نقول ونسمع كل هذه الأحاديث عن الحب محددة ومستمرة ولم يلفت نظري أحد إلى أن بناء علاقة يقتضي أشياء من طرفيها، وبالتالي لم أبحث عن تحقق هذه الأشياء أو غيابها، وغني عن القول أن غيري مثلي وربما أسوأ ومن مقعدي في عيادتي أرى نفسي في تفاصيل حياة وأوجاع مرضاي ينكشفون أمامي ويكشفون لي عن جوانب لم أكن أعرفها أو أعطيها الانتباه الكافي في حياتي وتجربتي المعاشة، وحين أعطيهم مشورة أشعر أنني أتحاور مع نفسي قبل أن أقول لهم ما أقول، أستمع إلى كلماتي حين تصل أسماعي قبل أسماعهم، هل يتصور أحدكم كيف يكون هذا نافعاً ومرهقاً في أن واحد؟ أن تتحرك هكذا جيئة وذهاباً فتقطع مئات الأميال، عشرات القصص تتزاحم في رأسي وتزاحمت وأنا أقفز ذهنياً –مثل عادتي– لأهتف لنفسي: وجدتها... وجدتها.
وحين كنا في مجلس المستشارين منذ أسبوعين تقريباً، وفتحت الموضوع للنقاش انفجرت ردود الأفعال والتداعيات والأفكار، وكأنني فتحت كنزاً أو بركاناً أو قدراً مضغوطاً، أو لامست عصباً حساساً فتدفق الوعي، وربما الوجع!!.
لم يعلمنا أحد فن بناء علاقة، ونواجه الحياة بضغوطها الهائلة كذلك!!! أتذكر الآن كلمات "صفية" في مساحات رمادية وهي تتحدث عن "رينيه حايك" الروائية اللبنانية واحتفالها وعنايتها بتفاصيل ربما لا يلتفت إليها غيرها، هل بناء علاقة تقتضي أن يتضمن مثل هذا الاهتمام بالتفاصيل؟!!!
ولعلني قلت يوماً أن الزواج ينقلنا من الأنا إلى ال"نحن"، فهل هذه ال"نحن" لا تتواجد إلا إذا بدأنا في إحالة ملفات إليها وتمتين خيوطها وتدعيم الأسس، وسقي الأشجار لتتشابك الأغصان، ولفتت "نيفين" إلى دور الأحاديث العميقة عن المشاعر والإبهام النفسية، ولحظات الحب والخوف أو الكراهية أو الزهور علـى حين نتبادل كأزواج عادة أحاديث أخرى عن العيال والأحوال وصرف الأموال!!
واجتهدت د. نعمت في طرح تساؤل: وماذا لو لم تكن هناك علاقة بهذا المعنى المركب ألا يمكن أن يستمر الزواج ناجحاً ومستنداً إلى وجود بيت وأولاد؟!
ونبهنا الأستاذ وليد إلى أن علاقة ما تنشأ بين كل زوجين، ولعل التوضيح يكون لازماً بإجابة سؤال عن أية نوعية علاقة بالتحديد نتحدث؟!
تحدثنا في مجلس المستشارين عن ممارسة اهتمامات مشتركة بين الزوجين، وعن دور المصارحة ولا يعتبر عن المشاعر، وعن إبداء التعاطف والتقدير، ولم يكن أحد يريد مغادرة المجلس فلكما أغلقنا الموضوع عدنا وفتحناه، والمذهل أن الأغلبية بدت وكأنها تفكر وتراجع نفسها وتجربتها بصوت عال، كم هو ممتع ومفيد هذا الاجتماع الذي صار يربطنا ويجمع شملنا فنتصارح ونمزج ما بين خبراتنا الذاتية، ومعارفنا المتخصصة، ورصيد سماع الممارسين مع أصحاب المشكلات في العيادات أو صفحاتنا على مجانين أو مشاكل وحلول أو بالهاتف أو في الدستور.
اقرأ أيضاً:
على باب الله :حوار الأديان / على باب الله: أن تبوح صادقاً / رحلة في ثقوبنا السوداء