فوجئت بها تقتحم عزلتي، وهي منهارة تماما، وبعد محاولات لتهدئتها، سألتها عن السبب، قالت: يتصور أنه بصك الزواج، يستطيع أن يمتلك أفكاري، تخيل نفسه "سجان" طموحي وتفاعلي مع ما يدور في واقعي من أحداث.
قلت:عروستي؟!!
قالت:سأحكي لك الحكاية من أولها. بدأت ملامح الأزمة تتشكل منذ شهر تقريبا، فكما تلاحظين حالة الفوران التي تشهدها شوارعنا العربية، والتي وصلت في مصر الى مرحلة المخاض كما يحلو للبعض تسميتها، وفي ظل هذه الحالة وخروج الناس في مظاهرات واعتصامات من أجل التغيير، وبحكم عملي واهتماماتي، تجديني لست بعيدة عن هذا المناخ والذي أعيشه منذ الحركة الطلابية في الجامعة، وحتى الآن.
وذات يوم كان هناك تجمع "للأمهات المصريات" في نقابة الصحفيين المصريين عنوانه" الشارع لنا"، والمدهش أن هذا التجمع-ولأول مرة في الحركات المدنية المصرية- أتاح للأمهات أن يشاركن في هذه الفعالية وفي نفس الوقت تكون لديهن الفرصة لاصطحاب أبنائهن معهن، ليس هذا فحسب، بل استطاع التجمع توفير مكان للأبناء للعب وممارسة الأنشطة برفقة مشرفة متخصصة، تقوم بمتابعة الأطفال أثناء انشغال الأمهات في الندوة.
قلت: جميل وأين المشكلة إذن؟
قالت: بكل حماس أخبرت زوجي برغبتي في الذهاب، وأيضا بمفاجأة إمكانية اصطحاب أبنائي معي. فما كان منه إلا أن عدل من جلسته، وأخذ رشفة من فنجان قهوته، وارتسمت على ملامحه الجدية والهدوء وكأنه على وشك إلقاء موعظة للتاريخ، وقال: لابد أن تعرفي أن حدود تحركك واحتكاكك تقتصر على أوقات العمل فقط، وهي الفترة "المسموح" لك بها أن تكوني خارج المنزل..وما غير ذلك فهو غير مقبول على الإطلاق، ولا تنسي أنك زوجة وأم!
استطردت صديقتي حديثها..وقع علي هذا الكلام كالصدمة، فطوال 7 سنوات هي عمر زواجنا لم يعلنها صراحة بهذا الشكل القاسي، فهو بهذا الحديث اعترف بأنه يقوم بدور "السجان" باحتراف في سجن "الزواج" و"الأمومة".
وأضافت.. هل بالفعل (الزواج والأمومة) هما سجن طموحات المرأة؟!
وهمهمت فيما يشبه الهذيان: لم تكن هذه أول مرة، لقد كانت هناك ممارسات سابقة صدرت منه، لكني لم أخذها على محمل الجد، ففي الأسبوع الماضي دعتني صديقتي "الفنانة التشكيلية" المعروفة لحضور افتتاح معرضها في "دار الأوبرا" وعندما أخبرته بنيتي في الذهاب..اندهش للغاية ولم يفهم معنى رغبتي في المشاركة..لم يفهم أن حضور مثل هذه العروض وكأني قرأت كتابا كاملا.
ثم رددت لم يفهم.. لم يفهم!!
بعد أن تركتني صديقتي أخذت أفكر في وضع المرأة بعد الزواج، وتساءلت هل كونها أصبحت "أم" و"زوجة" يعني تخليها عن أفكارها وطموحاتها وإيجابيتها في المجتمع؟ ألا تضفي هذه المشاركة المتوازنة على دورها كأم وزوجة ثراء على ثراء؟ أنا على يقين بأن هناك فرقا سيحدث في بيتها وفي تربيتها لأبنائها، سينعكس بالضرورة على من حولها.
فالمرأة-كما أراها واقعا في مجتمعاتنا الشرقية- كالشمس تنشر الدفء على من حولها، هي أوزوريس التي تظلل بجناحيها عائلتها، تزودهم بالرعاية والحنان، هي "دينمو" المنزل القادرة على بث الحيوية والحماس في أرجائه..فكيف لا نرعى دور بهذا الحجم وهذا التأثير، كيف لا نثري عقل من يؤدي هذا الدور بحجة سلطة أبوية لا معنى لها سوى استعراض عضلاتها .
كيف لا يعي كل زوج تخيل نفسه "الآمر والناهي" في كل ما يخص زوجته أهمية هذا الدور الذي يشكل ملامح جيل قادر على التغيير وإصلاح ما أفسدناه بأنفسنا؟!