كنت في الطريق إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري "ماسبيرو" للحديث في برنامج على قناة الأسرة والطفل عن الإدمان، وكان الجديد هذه المرة هو أن الحديث إنما سيكونُ عن السلوك الإدماني وليس عن الفهم الشائع للإدمان "أي إدمان المخدرات أو المواد نفسانية التأثير الضارة" والحقيقة أن مفهوم الإدمان قد اتسع في السنوات الأخيرة ليشمل أشكالا من السلوك الإنساني التي تعتبر في الأصل سلوكا بشريا عاديا حين يفعل بهدفه الأصلي وباعتدال، ومن أمثلتها الشراء والتريض والأكل والجنس والألعاب الإليكترونية والإنترنت بشتى أشكال النشاط عليها والتعامل في البورصة وغيرها، ولكنها قد تتحول إلى سلوك إدماني عندما تتحقق شروط اعتبار سلوك ما إدمانيا فتصبح إدمان الشراء أو الشراء القهري أو إدمان التريض أو التريض القهري أو إدمان الأكل أو الجنس أو الأكل القهري أو الجنس القهري أو إدمان سندات وأسهم البورصة أو المضاربة القهرية أو إدمان الإنترنت أو الألعاب الإليكترونية....... ولهذا مقام آخر من الحديث.
المهم أنني كنت أعرف أن الحديث لن يتطرق إلى كل أشكال الإدمان الجديدة لأنني أعرف أو أحسب أن إدمان الجنس مثلا أمرٌ غائب أو نادر ربما في بلادنا ومجتمعاتنا العربية، وبالتالي كنت أتجهز للكلام عن فراغ حياتنا كأفراد وأسر ومجتمعات من المعنى وأن كثيرين من من يدمنون ليسوا في الأصل شخصياتٍ إدمانية بل هم كثيرا ما يكونون شبابا زي الفل لكنهم لا يجدون مجتمعا يستطيع فهمهم أو احتوائهم ولا إعطائهم معنى ولا جدوى فيصحبون فريسة سهلة للإدمان....... وبينما أنا في تخيلاتي كان السائق يستمع إلى إذاعة تقدم أغاني شبابية متتالية بينها بعض المواد الإعلانية...
ولفت نظري وسرقني من تخيلاتي حديث بين اثنين من الشباب أحدهم يقول والآخر يرد عليه ومضمون كلامهما الذي أتضح أنه إعلان هو: ما معناه أن كثيرين يخافون من استخدام عقاقير علاج الضعف الجنسي والمنشطات الجنسية وسبب ذلك مفهوم خاطئ يقول بأن للمنشطات الجنسية أضرارا، ولكن ما يؤكده العلماء والأطباء هو أنه لا ضرر مطلقا من استخدام العقاقير الصحيحة لعلاج الضعف الجنسي "اللي خرب بيوت كتير"!! وأن استخدامها لا يضر في جميع الأحوال فهي عقاقير آمنة!... أسقط في يدي وفاجئني ذلك لأنني فهمت الرسالة المراد إيصالها... فالإذاعة واحدة من الإذاعات الشبابية جمهورها كل من يتوسم في نفسه أنه مراهق أو شاب، "يا نهار أسود! هي الشركات عاوزة تبيع وبس...... للدرجة دي!"
حين أعلنت اعتراضي وامتعاضي أبلغني سائقي أن الإعلانات عن هذه الأشياء منتشرة على الفضائيات، وقال أنها في منتهى الوضوح يا دكتور، وعرفت كم أنني رغم ظهوري في كثير من الفضائيات لا أشاهدها فعليا ما عدا الجزيرة الإخبارية، المهم أن الإعلان واضح والمشكلة أنه موجه وكأنه رسالة تصحيح معلومات للجهلاء الطيبين من الشباب، كم مرةً يا ترى حكى لي مرضاي من الشباب الصغير متزوجين وعاديين (والشاب العادي في بلادنا هو من لا يستطيع الزواج وإن تمنى)، كم مرة حكى هؤلاء عن تجاربهم مع الفياجرا أو غيرها، وكم فكرت في دراسة هذا الموضوع "أثر الفياجرا على مجتمعاتنا".... فأنت يسألك النجار والكهربائي والمحامي والجار عن نصيبك من هدايا الشركات من المنشطات الجنسية وتحديدا عن الفياجرا أو السياليس (السلَس كما يقول بعضهم)،.....
ولكن المهم هنا هو هل من الممكن أن يصبح الحديث عن إدمان الجنس موضوعا للقاء تليفزيوني في بلادنا؟ أليس مما هو مستهدف من مثل هذا الإعلان أن تحدث إساءة استخدام لتلك العقاقير لتبيع أكثر قدر الإمكان، أليس استخدامها يجعل قدرة الشاب خاصة (والسليم غير المعاني من أي ضعف جنسي) قدرة تفوق الطبيعي؟ ماذا يمكنُ أن تكون نتيجة ذلك؟ أليس ممارسة لا محدودة؟ خارج نطاقها الطبيعي ألا يدعم ذلك فكرة الإسراف في الجنس ألا يتماشى مع عنتريات كل شاب وهو يحكي ما يشاء عن طاقته وقدرته الجنسية؟ أليست هذه العقَّاقير تجعل من تلك الأمنيات حقائق واقعة؟؟ ما تأثير ذلك نفسيا واجتماعيا يا ترى؟ ألا يمكن أن يكون نزع السقف بجعل القدرة على الممارسة المتكررة متاحة لمن يشتري ألا يمكن أن يكون سببا في كثير من المشكلات؟؟ إن ما يحدث في الغرب الآن ويسمونه إدمان الجنس قد استشرى بشكل غريب بعد اكتشاف تلك العقَّاقير التي تعمل على آلية الانتصاب فتحل مشكلة الحدود الطبيعية لقدرة الرجل فهو الآن يستطيع أن يمارس ويمارس.... وليس من المهم مع من وهكذا حال مدمني الجنس في الغرب من الرجال فهل يا ترى عندنا أمثال هؤلاء؟؟ بالتأكيد هم قادمون!
كنت قد قرأت تحقيقا نشره موقع الإذاعة البريطانية بالعربية عن استخدام الفياجرا (أو شبيهاتها من العقاقير) في مصر وكان انطباعي وقتها أننا لا نعرف شيئا عما يدور في قرانا فضلا عن مدننا، وأنها تجارة رائجة إلى حد بعيد وأن معظم الصيدليات تبيع أقراصا مجهولة المصدر، وبعضها لا يحتوي على المادة الفعالة أصلا وبعضها يحوي عقّاقير غير آمنة، والمصيبة أن معظم من يشترون تلك العقاقير من الصيدليات هم من الشباب في العشرينات وغالبا بعد العودة من أشغالهم أي في فترة المساء، معنى هذا ببساطة أن أكثر مستخدمي تلك العقاقير هم من غير المحتاجين إليها فماذا يعنيه هذا وإلى أي شيء يمكنُ أن يؤدي؟
وأذكر أنني مرةً سألت واحدا من مرضاي -يرحمه الله- كان يبلغ الخامسة والستين من عمره ومن بين أمراضه المزمنة مرض السكري، المهم أنني سألته عن ما إذا كانت لديه مشكلة انتصاب باعتبار أن عشرين عاما من مرض السكري تكفي لإحداث التهاب أعصاب يؤثر على الانتصاب، وكان دافعي للسؤال شكوى زوجته من إلحاحه اليومي لممارسة الجنس، كنت أسأله سؤالا خبيثا إذن لأن زوجته اشتكت من كثرة ممارسته للجنس، ولكن رده كان قاطعا حين قال يا دكتور ربع قرص فياجرا آخذه يوميا منذ سنوات حل كل مشاكلي، هذا مريض نفعه استخدام العقار فعلا لكنه استخدمه بإسراف فما بالكم بالأصحاء حين يستخدمونه؟ أتساءل هل يجب أن يكونَ هناك تحذير من استخدام المنشطات الجنسية في غير المرضى أو هل من الممكن أن يمنع صرفها بغير وصفة طبية؟؟؟ أي هراء هذا الذي أتمناه في بلادنا المفتوحة؟ إن كل ممنوع مباح (ومرطرط بالعامية المصرية) وتهريب الفياجرا وغيرها إلى حد الركب نغوص فيه، فلماذا لا نتوقع أن يصبح عندنا مدمنو جنس في عيادتنا مثلما بعضهم راسلنا على الإنترنت؟؟
قالت رئيس تحرير مجانين لي وأنا غارق في أفكاري المسموعة ولا يفهمها السائق، ما هو فعلا فيه شباب يحتاجون لهذه الأشياء، قلت لها هؤلاء قلة دائما وعادة يشرح لهم الطبيب، ولكن الإعلان موجه لغيرهم..... هذا ما يزعجني...... قالت طب من فضلك يا دكتور ركز أفكارك فيما هو واضح في بلادنا هنا ودع التفكير في هذا الموضوع الآن،............. وبالفعل سمعت الكلام لكنني أذكر أنني وابن عبد الله تحادثنا وربما نتحادث في الموضوع،....... ومر البرنامج بسلام وقلنا كلاما وكلام نسأل الله أن نكون فيه وفقنا.
أحييكم من مجانين، وسلامي لابن عبد الله إن قرأ أو بلغه أحد المجانين الذين يقرؤون.
واقرأ أيضًا:
الفياجرا والنساء: الحبة الزرقاء / أطلبه فيتحجج بالأولاد: هل تفيد الفياجرا؟ / واحد من ضحايا العجلة استسهال الفياجرا
التعليق: يجب الحد من هذه الإعلانات ويجب بشكل ملح أن يمنع من التداول إلا بوصفة طبية حتى ولو كان هناك تهريب على الأقل التقليل منه,,
لأنه في ظل المغريات والفتن من المناظر الخليعة أو المثيرة في القنوات الفضائية وفي الشوارع وفي أماكن كثيرة يكون الشاب يعاني من الشهوة هذا في الوضع الطبيعي فما بالكم إذا انتشر استخدام هذه العقاقير بدون الحاجة لها
فحتى المتزوج لن يكتفي وربما يحدث خلاف وطلاق لأن الزوجة قد لا تطيق الأمر فهذه المشكلة الاولى
والثانية وهي إذا بحث عن اشباع رغباته فوق الطبيعية خارج اطار زواج ثاني مثلا فسينتشر الحرام والفواحش وانتهاك الأعراض والتحرش وهذه كارثة على المجتمع فيجب أن تأخذ هذه الأمور بجدية للمحافظة على بنية المجتمع وأخلاقه فهذا الأمر مقبول جدا في إطار الحاجة فقط,,,
لأن الشركات لا تبحث إلا عن الربح وأخشى أن تكون هذه طريقة خبيثة لتدمير أخلاقيات المجتمع من الداخل مثل الغزو الفكري؟؟؟