رأسنا ونعالنا، معروفنا ومنكرنا
أرسلت بسمة عساف (40 سنة، رئيس قسم الترويج في مؤسسة عامة، الأردن) تقول:
دكتور أحمد، تحية؛
أخالك في وادي عميق تصرخ وتصرخ ولا يسمعك أحد! للأسف أستاذي العزيز كل ما تقوله صحيح مئة بالمئة، وانشغالنا بصغائر الأمور أعادنا إلى العصور المظلمة بل عصور الجاهلية، فنحن في جاهلية رغم ما ندعيه من صلاة وعبادة وقراءة قرآن لأننا لم نفهم ديننا، وكل ما نعرف عنه أنه يدعو لغطاء الرأس وإطلاق اللحى والحديث مع النساء من وراء حجاب!. كنت الأسبوع الماضي في السعودية لأداء مناسك العمرة رغم الاستهجان والاستنكار العظيم لخروجي بلا محرم والكثير يسألون إن كنت مقتنعة بخروجي بلا محرم!!! أضحك وأقول أنني قادمة من السويد وكنت هناك بلا محرم، وإنما محرمي ديني وأخلاقي وإرادتي وثقتي بنفسي. وهناك في الديار المقدسة واجهت نظرات الاستنكار من شيوخها لعدم تغطية وجهي، وأحدهم ناولني ورقة تتحدث عن غطاء الوجه صارخاً "غطي وجهك يا حرمة".
عندما تنظر إلى أقدس مدينة وأكثر مدينة يؤمها الناس من كل فج عميق ترى هول الإهمال في البنية التحية وفي النظافة وفي النظام والتنظيم لدرجة أنني صرخت وتمنيت في داخلي أن يؤخد المسجد الحرام ويوضع في مكان آخر، فمكة حالها يدمي القلوب رغم أن هذه زيارتي الثالثة لها وليست الأولى، ولكن بعد الخطبة الطلالية لأمير مكة عن الخطط المستقبلية لتطويرها، كانت المفأجاة أني أجدها أسوء سنة بعد سنة، وخرجت منها حانقة غاضبة من شدة الزحام والطرق غير المنظمة والشوارع المحفّرة والمجاري (أجلّكم الله) التي تفوح ريحها في كل مكان. رغم الغنى الفاحش للمملكة السعودية ولكن كل ما يهمهم غطاء وجه المرأة وعدم قيادتها للسيارة، وزواجها وإطاعتها لرجلها، وعدم خروجها دون محرم، وووو.... وهذه الفجوة العميقة التي وجدتها بعد عودتي من السويد بلاد النظام والتنظيم وبلاد الإنسان أولاً.. عندما تتحدث عن ذلك يقولون لك أنها بلاد الكفر، طيّب وهل التنظيم والنظافة والأخلاق وحقوق الإنسان تتنافى مع الدين!! هل لأننا مسلمون يحلّ أن نترك كل شيء وراءنا ويكفينا غطاء الرأس وإطلاق اللحى ووضع القرآن في سياراتنا وعلى جدران بيوتنا!!! أتمنى أن أصرخ معك، ولكن ليس بواد حتى لا يرتد الصوت إلينا ولا يسمعه أحد غيرنا.
14/5/2009
كما أرسل محمد حسن دعدورة (25 سنة، طالب بكلية الهندسة، مصر) يقول:
السلام عليكم ورحمة الله،
جزاكم الله خيراً على طرحك لمواضيع في غاية الأهمية، وآسف لعدم إكمالي موضوع الكتابة عن المقتطفات التي نحتاجها للتفكير عن اليود نظراً لانشغالي بالدراسة.
آسف أيضاً لعدم كتابتي بمواضيع مفيدة.. وأقول يجب أن نضيف على كل ما ذكرته يا دكتور أحمد أسلوب الحلّ، فحتى تعاطينا مع السطحيات عندنا يتم بأسلوب متخلف، نحن دائماً نمسك الخيط من طرف واحد؛
فمثلاً في مشكلة الحجاب، ما شاء الله ترى النقاش محتداً حول أفضلية النقاب أم الحجاب المجرد، وللأسف لا تجد من يصف الزي الإسلامي ويخرجه من قيود الجاهلية إلى الدين الشرعي الحقيقي والذي حدد أوصافاً تتناسب مع جميع طبائع الشعوب.
فقال مثلاً لا يصف ولا يشف وأن يكون فضفاضاً وأن تغطي المرأة شعرها وألا يكون ملفتاً للنظر، وهذا لا يعطي زيّأً معيناً فالمرأة الهندية والإفريقية الشمالية أو حتى الجنوبية يناسبها هذا التوجيه مع اختلاف شكل الزي العام عندهم، لا يمكن أبداً! يجب أن تسدل ويجب أن تنتقب ويجب... وإلا ارتكبت جرماًَ وهذا ما يدعونا إلى الشعور بالذنب وبعبء نفسي كبير.
ولم ندعم أن يجب أن تكوني فعالة وتشتغلي، ولا تقولي لا يوجد عمل فلو كنت خريجة ألسن أو لغات ترجمي كتباً إسلامية إلى العربية أو العكس، أو خريجة اقتصاد فاعملي أعمالاً يدوية... لماذا ننتظر أن يأتينا العمل؟
سنبقى مستخدمين طالما أننا لا ندرس بلغتنا وعلمنا نكتبه بلغة غيرنا.
أما مسألة الزواج وقضاياه فالجميع مهتم بمشكلة الطلاق وتيسير المهر، لكن لم يهتم أحد بمشكلة الشاب كيف يبدع ويشتغل ويرضى بالقليل.
وتبقى مشكلة التعليم محصورة في الإمكانيات مع أننا نعاني سوء استغلال للموارد، وهذا سبب ضعفها، فبعض الدول لا تملك ربع ما عندنا لكنها متقدمة. مشكلتنا باختصار هي تحديد المشكلة وفرض الحلول، نستطيع نحدد المشكلة لكن دائماً حلولها تقف على خطوط حمراء فنلتف حولها.
لماذا نرفض دوماً فكرة أن هناك جيل يجب أن يضحي؟ فالمجتمع يضحي على كل حال لكنها تضحية سلبية، ولو فكر فيها بتضحية إيجابية سيلغي نصف الخسائر على الأقل.
المجتمع يا دكتور مغيّب ولا يفهم ويحتاج تثقيفاً اجتماعياً، وقبل ذلك أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويقلع عن الأنانية التي نحكمه الآن. علينا أن ندرس المواضيع بموضوعية أكثر، وأن ونعمل خططاً حتى لو حققت 50% مما نأمل.
جزاكم الله خيراً لسعة صدركم.
15/5/2009
* تعليق الدكتور أحمد عبد الله:
تصل المشاركات على مدونات أو إجابات، وأسعد بالمتابعة معكم، وأنا أحس بأنني لست وحدي في حمل الهموم، أو سخط الركود، أو رفض الفرجة التي صارت شعار المرحلة، وإذا كنت أنا أو غيري نصرخ في أودية عميقة، كما تصف أختي العائدة من السويد، فإن الأصداء حين تأتي منكم لا تدعمنا فحسب، بل ترفع صوتنا أكثر، وتكسر الصمت والتغافل، وأحياناً أتأخر في إطلاق الصدى والردود حتى نقرع معاً بأصواتكم أسماع من ينسون!!.
دعونا نتأمل بأن الاهتمام بالقشور وتسطيح القضايا، ومسخ المسائل والمشكلات، واختصار الحلول، والبلاهة السائدة إجمالاً هي نوع من الهروب الآمن، والتسكين لأوجاع وألغاز لا يستطيع الناس، وربما لا يريدون فك شفرتها، وتحمل نتائجها!!
البديل لهذا الخبل أو الجاهلية والجهل والإهمال والتقصير، أو السفه وضعف العقل والرأي وقصور الهمة والعزيمة، البديل أن نستعيد وعينا ونصدق مع ربنا وأنفسنا، ونواجه مجتمعات طال بها العهد في ظلام دامس، وتقاوم النور لأنها اعتادت العمى، ولن تتغير بسهولة أبداً، وربما لا يجدي معها العلاج بالملاطفة والإغراء بصواب لا تعرفه، ولا تدركه، وسط صخب وتشويش الأصوات التي تخدع وتعبث في الأدمغة والأولويات!!
ولأن كثيراً من رؤوس القوم مخدورة فإن الخطوات تترنح، والناس تركت مصيرها والتزامها بحرية الاختيار وأمانة التكليف، وتتخلى عن هذا لمصلحة من يرفعون الأسواط والأصوات، وينقاد الجمهور طائعاً مخدراً وراء هذا الناعق أو ذاك، ولم يؤت جاهلنا سعة في العقل، ولا خبرة في الحياة، ولا تجربة في الفهم ليعلم إلى أين المسير أو المصير!!!
ومن ضعف معرفتنا وسقيم رأينا فإننا ندرك بعض الأمور مثل بعض فقه سفر المرأة بمحرم، وفيه كلام طويل عريض، لكن عقولنا ضيقة!!
كل واحد منا مستعد لإعطاء خطب عصماء ودروس منبرية أو تلفزيونية عن العفة أو النظافة أو المسؤولية الفردية والالتزام، ثم إذا بحثنا قد نجده أبعد الناس عن نظافة المسلك والملبس، ولكنها أمة الكلام لا الأفعال، والنصيحة عندها سهلة وشائعة، بالكلام فقط!!!
ولذلك لا يتقدم شيء، ولكن يتأخر الوضع العام، وإذا حاولنا رصد هذا، والبحث معاً عن مفاتيح التغيير، وسبل الحل بعد التنبيه إلى مواطن الخلل لأن التشخيص العام للأوجاع مصاب بخلل الخبل وعشوائية وسطحية العقول في القواعد والرؤوس، إلا ما رحم الله، وقليل ما هم، أقول إذا حاولنا هذا يضج الناس من التقليب في الأوجاع لأنهم يفضلون حدوتة لطيفة عن السلف الصالح، أو موعظة بليغة تبكيهم، وربما تدفعهم لإسباغ النقاب، أو إرخاء اللحية أو صوم يوم من النوافل بينما فروض التحضر والتمدن وعمارة الأرض وتنمية الإنسان والبنيان، والتصدي لتحديات العولمة، والتخلف، تظل هذه الفروض غائبة، والأمة آثمة، وهي تبكي وتشعر بالذنب والعار لأن امرأة تكشف وجهها، أو فتاة فيها تتزين للشارع، فتنتقض الذكورة وفحولة الأشاوس من أجل انتهاك تراه فادحاً، بينما أعراض أمتنا منتهكة بالملايين، أمتنا تبيت في العراء من الفقر والحروب الأهلية والغزو الأمريكي، وصراع غير متكافئ بين أجهزة وأنظمة ومؤسسات وخطط في جانب، ومجرد غثاء هش يبدد طاقاته ولا يستثمر موارده الفعلية مادياً وذهنياً، ولا يعرف ما العمل؟! ولا قيمة العمل، وآفاقه الممكنة فردياً وجماعياً للإصلاح والنهضة!!!
وفي غياب الوعي والإرادة ووضوح المعركة لا تطلب تضحية من أحد يا أخي الكريم، وفي طغيان المادية والفردية حيث يبحث كل واحد عن تأمين واقعه ومستقبله في غياب أنظمة دول ترعى، أو مجتمعات تتكافل، وطالما ينصرف كل واحد إلى شأنه الخاص -ولديه أسبابه- فلا تنتظر لا تضحية، ولا حتى تغيير حقيقي، إلا أن ينتبه الغافل من غفلته، ويعرف أن كل من يبني قصراً فوق الرمال فإنه سينهار يوماً، وبأننا جميعاً ويومياً ندفع ثمناً فادحاً لبقاء الوضع على ما هو عليه، ولا بأس من استمرار المحاولات!!.
واقرأ أيضًا :
على باب الله: هدم جدار، وبناء حائط!!/ المجرم الأخير مشاركات