منمنمات6 بين كوبري تشاي وكوب الشاي
صادف أن جلست مؤخرا في دوائر الأسرة والأصدقاء إلى أكثر من سيدة تخطت الخمسين.. أغلبهن كانت لهن حياة مهنية موازية لحياتهن الأسرية.. وكلهن غالبا ما تفانين كثيرا مع الزوج والأولاد وواجهن حياتهن العملية بمثابرة اعتراها التقصير أحيانا لاعتبارات أسرية بالدرجة الأولى.
كانت النبرة الملازمة لحديث هؤلاء السيدات تعكس رغبة خفية ملحة في أن تحصلن على قدر من التقدير ممن حولهن.. لم تصرح أي منهن بذلك لكني لم أخطئ هذه الرغبة حينما كانت تجتر كل منهن إنجازاتها صغرت أم كبرت وتصف الظروف التي لولاها لما تعذر تحقيق الكثير من الأحلام.. كما كن يذكرن التضحيات التي قمن بها من طرف خفي لتتضافر مع الظروف سابقة الذكر وتبرز لوحة كاملة لتفسير الإحباطات التي يواجهنها.
قد لا يكون ما ذكرت القاعدة ولكنها حالة وتكررت أمامي بشكل استوقفني، لماذا تتغذى الأسرة أحيانا على الزوجة/الأم حتى تتآكل ولا تجد تكأة إلا حديث ممرور عن الآمال المجهضة، الأبناء في أحسن الاحوال يختزلون برهم للأم في شفقة ممزوجة بتملل من سماع حديث متكرر، والزوج -إذا كان في صحة جيدة- ما يلبث أن يصف زوجه بالعجوز ويعلن -ساخرا أو متمنيا- أنه يأمل في البحث عن زوجة شابة! وإذا لم يكن الزوج في حالة تسمح له بهذا الموقف فقد يستمر في لوم الزوجة واتهامها بالتقصير في رعايته.
ربما رسمت صورة قاتمة لكنني لا أود أن نستمر كثيرا في التغذي على أمهاتنا حتى يتآكلن، اعلم أن لا فرحة تنعش الروح لدى الأم تعادل فرحتها بالأبناء وإنجازها معهم، ولكن تآكل الأجساد والأحلام والاهتمامات في لعبة التضحية من طرف وحيد يأكل الروح أيضاً، لقد قالت لي إحدى هؤلاء النساء أنها ندمت لأنها لم تنجح في أن تحب نفسها أولا قبل أن تحب وتبذل لأسرتها وأنها الآن لا تملك سوى الاستمرار فيما بدأت لكن عاطفتها صارت متوترة وعطاءها يائس.
قد يرى البعض أن دعوة الأمهات والزوجات إلى أن يصنعن من الحب والتفاني لعبة جماعية.. قد يراها البعض دعوة تتسم بالأنانية، لكني أؤمن بأن لعبة الحب يجب أن تؤدى بذكاء وأن المرأة إذا لم تنجح أن تكون نفسها وهي أمٌّ وزوجة فستجلب على نفسها ومن حولها تعاسة كبيرة.
يردد أمامي كثير من الرجال أنهم لم ينجحوا أبدا في فهم المرأة أو ما تريده وقد يكون ذلك مشكلة أما المعضلة فهي أن تفشل المرأة نفسها في فهم حقيقة ما تريد في هذه الحياة. لنتفق على أن تحقيق التوازنات بين البذل للأسرة والأبناء والتدثر بهم وسط أوقات عصيبة وبين الرضا عن الذات وتحققها أمر صعب ولكن نتائجه مبشرة كثيرا إذ تصبح المرأة وإن تخطت الخمسين.. وإن تخطت الستين تملك ما ينصت له الزوج والأبناء دون تململ وما يدفعهم لاستعذاب محبتها دون شفقة وما يغنيها عن التعطش للتقدير بلملمة النجاحات المتناثرة وعقدها في أحاديث متكررة دفعتني لكتابة هذه السطور.
بارك الله في أعمارنا على طاعته.
ويتبع >>>>>>: منمنمات 8 : ولماذا لا ننعي أنفسنا؟
واقرأ أيضاً:
في بلد البنات / ما تلبسه المصريات أيوه هي فوضى