إن نظرة فاحصة للتاريخ السياسي العربي في العصر الحديث، تدلنا إلى أن توجهات الساسة العرب تنقسم ما بين موال خانعٍ لأميركا وبين معاد لمصالحها متقاطع معها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فالمعادون لأميركا على قلتهم استطاعوا تعبئة الشارع العربي ضد مصالحها وتوجهاتها (أو هكذا نرى)، وساعدهم في ذلك منطلقات السياسة الأميركية نفسها ونتائج توجهاتها.
فأميركا ما فتئت تعمل لوأد أي مشروع عربي وحدوي تحرري أو أي تطلع لسبر ناصية العلم في العالم العربي لأسباب شائكة ودوافع معقدة. إن التحليل آنفا قد يبدو تسطيحا ساذجا للواقع السياسي العربي وجدليته مع السياسة الأميركية... إلا إننا مهما حاولنا فلسفة ذلك وفق نظريات التحليل أو التنظير السياسي نجد أنفسنا لا نخرج عن ذاك الذي يبدو تسطيحا.
ما يهمني هنا ليس عرضا تحليليا للحياة السياسية العربية من وجهة نظر علماء السياسة بل تحليلا نفسيا Psychoanalysis للواقع السياسي العربي من زاوية معينة.... فإني أجد أن العداء لأميركا أضفى لمن ينتهجون هذا النهج شرعية بالسلطة بل أصبح هؤلاء قادةً وليسوا حكاماً لأنظمة، إذ وجد الشارع العربي بخطبهم وسياستهم متنفساً لحالات الإحباط Frustration الكبت Repression وحتى النكوص Regression التي يواجهها الفرد العربي كما أنها أزاحت تداعيات الواقع العربي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المزري إلى هدفٍ أخر يتقبل كل هذا النقد والتذمر والشعارات المناهضة له بقدر قد يفوق اليابسة والمحيطات التي تفصلنا عنه (وأقصد بهذا الهدف أمريكا طبعاً)، تلك الإزاحة Displacement قد حققت جزءً من التقدير للذات العربية self -Esteem.. إلا أنها بالمقابل لم تغيير من الواقع شيئاً إذ لم تتمكن من وقف المشروع الأميركي المناهض للعرب والمسلمين، كما أنها لم تجرؤ على الاصطدام بهؤلاء القادة لنزع مشروعيتهم بالرغم من كل الكوارث التي حلت ببلدانهم.
ولكي لا نتجنى على قادتنا ونتهمهم بالعملاء ونسلم في كل قراءاتنا للواقع العربي من منطلق المؤامرات الداخلية والخارجية... فإننا نفترض أن عداءهم لأميركا ينطلق من مرجعيات References ثقافية وفكرية وعقائدية تتقاطع مع مصالح أميركا في المنطقة، إلا أن هذه المرجعيات لا تبرر القبول عن سبق إصرار وترصد بتدمير البلدان وتشريد الشعوب بفعل جبروت وطغيان الأخر الذي هو أميركا، أي بمعنى أن هؤلاء القادة ليسوا دعاة فكرٍ أو منظرين أو متصوفة لاهوتيين.. بل إنهم ساسة يقودون شعوبهم.. وهذا يحتم عليهم التعامل مع الأصدقاء والأعداء لبناء بلدانهم وعزة شعوبهم وتحقق أهدافها بالحياة الكريمة الواعدة...
ويبدو لي هنا أن الإصرار على العداء لأميركا قد حقق مبدأ اللذة الفرويدية Freudian Pleasure Principle عند قادتنا فكلما جلدتنا أميركا.... ينطلق الشارع العربي صادحاً بتمجيد هؤلاء القادة وهاتفاً "الموت لأميركا"، إن هذه المازوخية Masochism أصبحت مكونا أساسياً في الشخصية القيادية العربية.... والغريب في هذا الأمر أن تلك الشخصية أصبحت تركيباً نفسياً معقداً يصعب فهمهُ وتحليلهُ.. ففي الجانب الآخر نجد أن نفس هذه الشخصية المازوخية تمارس أفعالاً في منتهى السادية Sadism تجاه شعوبها إذا ما توافر ما يشير إلى تورط أيَ فرد من ها بعمل وبأي قدرٍ ضد سلطتها.
إن تراكمات الثقافة السلطوية (المازو-سادية Maso-sadism) إذا جاز لنا أن نستعير مجازاً هذا الاصطلاح... قد انتقلت إلى الوعي العربي ونزلت متدحرجةً من عاليات السلطة إلى نزلاءِ الصرائفِ والداماتِ وبائعي الأرصفةِ أيام الجمعة والثلاثاء والحشاشونَ وشطارُ الحافلاتِ والأماكن المزدحمة والمعمَيينَ مع اختلاف ألوان عمائمهم وعدد الخواتم التي يضعونها.. فتقمصوا Identifications بعد أن دارت دائرةُ الزمنِ سلوكَ قادتهم إن لم يتمادوا في إيجاد دينامياتٍ جديدةٍ New Dynamics مبتكرة للذة مازوخياً وسادياً في آنٍ واحد.. وأقرب مثال على ذالك ما نجده في عراقِ اليومَ...
وكما يبدو أن مبدأ اللذة (المازو- سادية) قد أُعتُمِدَ منهجاً سياسياً من قبل أمريكا أيضا بادعاء تعرضها إلى أذى الإرهاب العالمي? بعد أن خَلَقت لهذا الإرهاب وهيأت له كل مقوماتِ تحقيق ذلك الأذى بين حين وآخر لتمارس فعلها السادي بحق الشعوب ولتحقق مشروعها الإمبراطوري الكبير.
قد يتساءل القارئ ما الحلُ إذن؟ كيف نجنب شعوبنا الويلات والكوارث وننعم بحياةٍ أمنةٍ مستقرة.. إذ يبدو أن (المازو- سادية) السياسية هي متلازمة اشتراطية للسلطة....... أقول أن لا حل عندي إلا أن نُخصي حُكامنا Castration.. وإن فَعلنا.. هل نستطيع أن نُخصي حكامَ العالم أجمعين؟!!!.
2 شباط 2007
اقرأ أيضاً:
الخصاء العربي ولا أكثر شويه؟/ سياسة التجويع رؤية نفسية للأوضاع العالمية/ مدونات مجانين: كيف ننجو بالعراق؟/ شيزلونج مجانين: ما الذي يجري لأمريكا؟/ على باب الله: في سبيل الحرية/ سيكولوجية الضرب بالجزمة