الحيل الدفاعية (2/6)
نستأنف حديثنا عن الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها العقل الباطن لتفادي الوقوع في براثن القلق
حيلة التقديس Idealization :
المراهقون من أهل العشق و الغرام يعرفون هذه الحيلة تماماً.... ولأنهم أعزاء علينا نهديهم هذه الكلمات التي كتبها الشاعر الغنائي عبد الوهاب محمد:
حبيبي وحياتي...
أنا أشعر إنك ملاك مش بشر
طريقك جناين.. وظل وشجر
وبَرَّك زهور....
وبحرك عطور...
وإنك حبيب الفَراش والطيور
وصاحب القمر
ما كل هذا الجمال؟
مثل هذه الفتاة أكيد لا تأكل الطعام مثلنا.... ولا تمشي في الأسواق....
ملاك يا ناس؟
في الواقع أن المراهق يحتاج إلى أن يراها هكذا.....
نفسية المراهق هشة للغاية..... فشخصيته لا تزال في دور التكوين والمستقبل أمامه معبأ بالاحتمالات.... عيب واحد في الشخصية قد يؤدي –من وجهة نظره– إلى كارثة مستقبلية... وأحتاج كمراهق إلى من يطمئنني إلى أن شخصيتي قد نضجت وتكاملت.....
أحتاج لأن أسمع هذا من فتاة.....
أحتاج إلى الحب...
ولكن هذه المحبوبة..... هل ستراعي مشاعري الهشة...... أم تراها سوف تستهزئ بمشاعري وبشخصيتي.... وساعتها سيكون الداء قد أتى ممن حسبته دواء...... كما قال عبد الحليم:
اللي جينالهم يا قلبي في جراحنا جرحونا
لا... لا..... هذا لن يحدث معي بالتأكيد...... هذه الفتاة لن تفعل معي هذا..... لن أدخل في قصة مؤلمة شبيهة بقصص الآخرين..... ببساطة لأن هذه الفتاة مختلفة تماماً عن أي فتاة أخرى..... هي الفتاة التي لا مثيل لها.... هي الملاك.....
يا سي عبد الحليم: تلك التي عيناها سبحان المعبود صار لها أرض ووطن وعنوان..... ورقم جي أس أم.....!
حيلة التبرير Rationalization
لحظة الفشل لحظة معذبة تماماً.......
وكعادته يجد العقل الباطن فيها الفرصة للتدخل وممارسة دوره التخديري.....
ومن أكثر الحيل الدفاعية شيوعاً في الاستخدام حيلة التبرير: شائعة لدرجة أننا صرنا نمارسها بشكل تلقائي دون أن تستوقفنا لحظة للتفكير..... والتبرير هو مواجهة قلق الفشل عن طريق اختلاق الأعذار يضحك بها المرء على الآخرين كي يتركوه في حاله ويضحك بها على نفسه كي لا يفقد احترامه لذاته.....
ونحن أساتذة التبرير نعشقه تماماً ونمارسه على كل المستويات: لا تجد أبداً أحداً على الاستعداد للاعتراف طواعية بتقصيره (إلا أن يكون محل تحقيق ويخشى عقوبة أكبر) فهناك دائما الآخرون الذين يلعبون دور الشرير في نظرية المؤامرة..... وهناك دائماً العقل الباطن المبدع الذي يتفنن في خلق التبريرات التي تبدأ كلها كلمة "أصل": يقولها عامل المطعم إذا كان الطعام رديئاً و يقولها الموظف إذا تأخر عن عمله ويقولها الطبيب حين تتدهور الحالة ويقولها فريق الكرة إذا خرج من تصفيات كأس العالم........
وترتبط بالتبرير حيلة أخرى نمارسها كثيراً اسمها حيلة الانتقاص بأثر رجعي: فالشاب الذي صُدِم عاطفياً يواجه قلق الفشل والإحساس المؤلم بالإهانة بأن يقنع نفسه بأن هذه الفتاة لم تكن ملائمة له وأنها.... وأنها...... وأنها....... وأن مشاعره تجاهها لم تكن حباً يستحق البكاء عليه وإنما كانت وهماً كبيراً أنقذته الأقدار منه......
الآن فقط –وبعد أن حدث ما حدث– صار يفكر في أنها هكذا؟ طبعاً تفكيره هذا لا علاقة له بصفات الفتاة.... وإنما هو "يحتاج" لأن يراها هكذا حتى يقي نفسه من السقوط في براثن القلق والاكتئاب..... وطبعاً نعرف –أنتم وأنا- أن ابتسامة واحدة تبتسمها له الفتاة كفيلة بأن تعيدها ملاكاً كما كانت......
ويتبع........ الحيل الدفاعية (4/6)
واقرأ أيضاً:
صراع في الدماغ: الحيل الدفاعية/ الحيل الدفاعية (1/6)