(1)
اقتربت البنت من أخيها وهي تقول: ماذا تفعل؟ قال: ما ترين، قالت: ألم تتعلم بعد أنك بهذا تضيع وقتك؟ قال لها: أنتِ مالك؟ هل هو وقتي أم وقتك؟ قالت: فهل تجد جديدا في هذه الأوراق التي تبدو خارجة لتوها من مخزن القمامة المنسية؟ قال: قمامة ماذا!!؟ قالت: فوّت هذه، وقل لي ماذا تجد فيها بالله عليك؟ قال: أتابع الأحداث؟ قالت: وهل هناك أحداث؟ قال: خلك أنتِ فيما أنت فيه، وقد قصصتِ شعرك هكذا كالولد العبيط. قالت: إن ما أفعله لهو أكبر فائدة من كل هذا العبث الذي أنت فيه، قال: ما الذي تفعلينه بالله عليك غير الوقوف أمام المرآة وتكسير أدمغتنا بنشاز كمانك؟ قالت: هذا هو الذي أقصده. قال: ماذا تقصدين؟ قالت: نشاز كماني، قال: حلال عليك، سوف تنقذين ضحايا بوش بأنغام بيتهوفن إن شاء الله، قالت: سوف يشاء ما نشاء.
(2)
قال الرجل لزوجته: سوف أتوقف عن شراء الصحف. قالت: إبق قابلني، قال: لماذا لا تصدقينني في أي شيء؟ قالت: لأنني أتعلم من الخبرة السابقة، كمْ قلت لك نحن أولى بثمنها. قال: وحين أقتنع ويأتي الوقت لأنفذ اقتراحك تسخرين منى!!! قالت: لا أصدقك. قال: لقد صنّفت كل الموضوعات التي تنشرها الصحف، معارضة وقومية ومستقلة، فلم أجد فيها ما يستأهل، قالت: منذ متى اكتشفت هذا الاكتشاف الخطير أيها العبقري الأوحد؟ قال: ألن تكفي عن السخرية؟ أنا أتكلم جدا. قالت: أفدني أفادك الله، قال: كل المواضيع إما قذف صريح في الحكومة والحكام، وإما مديح فاتر في الحكومة والحكام، وبين هذا وذاك كلام معاد يمسك العصى من النصف، قالت: وأنت تمسك العصى من أي طرف؟ قال: من الطرف الذي ناحيتي. قالت: هاأنت ذا تسخر بدورك، قال: ماذا أفعل معك؟ هل احتكرت حق السخرية لنفسك؟
(3)
قال الشاب لأبيه: هل صحيح يا أبي أن سعد باشا قبل أن يموت قال "مافيش فايدة"، قال الرجل: وهل أنا كنت معه؟ هذا ما يحكونه عنه، وإن كان الأرجح، كما صحح النبأ محبوه، أنه كان يشير إلى عدم جدوى العلاج في مرضه الأخير. قال الشاب: لكنه لو كان بيننا الآن، ربما كان قالها ليصف ما آل إليه حالنا، ألا تعتقد ذلك يا أبي؟ قال الرجل: إيش عرفني؟ قال الشاب: وأنت يا أبي: هل ترى أن هناك فائدة؟ قال الرجل: في ماذا؟ قال الشاب: في أي شيء، قال الرجل: طبعا هناك فائدة في أكل الثوم على الريق. قال الشاب: أنا لا أمزح، أختي تقول إن المستقبل للموسيقى قال الرجل: لست فاهما، مضى الشاب: لقد سخرتُ منها، لكنني أتراجع الآن، أكتشف فعلا أن "الموسيقى هي الحل"، قال الرجل: يا خبر اسود، كلما سمعت أية كلمة قبل لفظ "الحل"، تحركت بي رغبة في القتل أو الاختفاء، قال الشاب: عندك حق يا أبي، هذا الاختزال لا يعني إلا الاستخفاف، قال الرجل: قلْ لأختك، قال الشاب: أقول لها ماذا؟ قال: قل لها أنه لا يوجد حل. قال الشاب: مثل سعد باشا؟ قال الرجل: مثل أي عبقري أو أي حمار. قال الشاب: فلماذا تصر يا أبي على قراءة الصحف؟ يبدو أنك أنت الذي أعديتني بهذا الداء. فهل ما زلت تبحث فيها عن حل، برغم أنه لا يوجد حل؟ قال الرجل: مثل أي إدمان يا أخي، الله!! ثم إني قررت أخيرا أن أتعافى من هذا الداء، ولن تدخل الصحف بيتنا أصلا منذ اليوم. قال الشاب: أخشى علينا من "أعراض الانسحاب". قال الرجل: انسحاب ماذا؟ قال الشاب: انسحاب إسرائيل من الضفة وغزة، قال الرجل: يا سخفك يا أخي؟!!
(4)
قال الشاب لأخته: أنا واثق أننا سوف نعملها بطريقة أخرى، قالت: ألم أقل لك؟!! قال: لقد فضحتْ كل النظم نفسها بنفسها، إنها جميعا تحمل مقومات هدمها، قالت: عليك إذن أن تصدقني حين أقول لك إن الموسيقى سوف تقرب بين الناس دون إذن السلطات جميعا، قال: هل تعنين الموسيقى الموسيقى؟ قالت: أية لغة عالمية لا تأخذ إذنهم ولا تعتمد على مترجمين مأجورين لصالحهم، هي "اللحن العالمي الجديد". قال الشاب: الآن فهمت، إنه اللحن الذي يقربنا من الله، إذ نقترب من بعضنا البعض في كل مكان. قالت: هذا هو، كيف اكتشفتها وحدك؟ قال: من فرط اليأس، يبدو أن ذلك هو من بعض أعراض التعافي من إدمان الصحف، لكن كيف نبلغ أهلنا بذلك، وهم ليسوا "هنا" أصلا؟
قالت: نستمر في العزف معا
قال: سيحدث
اقرأ أيضا:
ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!! / أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس)!!!! / تعتعة سياسية: استقالة وزير