لا يختلف العقلاء من بني البشر على قيمة الحب وضرورة وجودة في المجتمعات الإنسانية فهو للبشر كالروح التي تسري في الجسد أذا فقدناه فقدنا الحياة بل هو كالماء ومن غيره تتحول الحياة لصحراء جرداء بلا مشاعر أو أحاسيس إنه الخلطة الربانية التي أسكنها قلب الإنسان ليحيا مندمجا ومنسجما مع بني جلدته وهو الطاقة التي تدفع الإنسان لفعل الخيرات ويجعل الإنسان يترفع عن أنانيته ويحوله من أخذ إلى عطاء ومن صلب إلى سهل لين، إنه السر الذي يسري في حياتنا ليضيئها.
لذا عظًمت شريعتنا ورسولنا الكريم (صلي الله عليه وسلم) هذه القيمة التي جعلت المجتمع الإسلامي الأول مندمجا في بوتقة واحدة فمن خلاله آخى النبي الأكرم بين المهاجرين والأنصار وبين الأوس والخزرج وقد وصلت منظومة الحب الذي أرساها رسولنا العظيم في نفوس أصحابة بهم إلى مرحلة أكبر في درجات الحب وهي الإيثار الذي وصل بأصحاب النبي من الأنصار إلى عرض زوجاتهم (وهي أخص خصوصيات الإنسان) على إخوانهم من المهاجرين ليتخير أجملهن ليتزوجها، وماله ليقسمه مناصفة بينهما ومما لاشك فيه أن هذا الحب وصل إلى هذه المرحلة برده إلى الله ليكون طاهرا مطهرا من الأهواء.
إنه الحب الذي أحله الله ليكون ميثاقا غليظا وحبلا متينا يربط به قلب الرجل والمرأة بزواج شرعي علني (لا يعرف الزواج العرفي أو ما هو على شاكلته) ليرتقي بعلاقة المرأة بالرجل إلى أعلى عليين ويسمو بهما إلى سحاب العشق الطاهر الذي أسس له نبينا في الحياة الزوجية ولنا فيه أسوة حسنة فقد جهر بحبه لزوجاته رضوان الله عليهن وعاش أسمى معاني الحب التي عرفها التاريخ مع السيدة خديجة وعائشة بل وصل الأمر بهذا الحب إلى أن اللحظات الأخيرة لنبينا في هذه الدنيا كانت في حجر أُمنا السيدة عائشة معلنين للبشرية أن الإسلام جاء ليرسخ المعاني الحقيقية للحب التي تركز على الطهارة وسمو المشاعر.
إنه الحب الذي شوهه شبابنا وفتياتنا هذه الأيام بمفاهيم مغلوطة خاطئة غلبت عليها لغة الجسد لا المشاعر بل لغة الإثارة لا الطهارة فما عرفوا منه إلا اللذة الجنسية والشهوة الحيوانية واللمسات الشيطانية منجرين في نهاية المطاف إلى علاقات محرمة يسلبون أوقاتها في الظلام كالخفافيش معتقدين أن ذلك هو الحب وقد أعانهم على هذا الفهم المغلوط تلك البيئة الإعلامية الفاسدة التي أظهرت الحرام في ثوب الحلال ونسجت من قصص الحب الماجنة أسطورة خطف بريقها أبصار وقلوب شبابنا وفتياتنا بل أوقد نيرانها ما يسمى في عصرنا بأغاني (الفيديو كليب) التي أشعلت في قلوبهم نار الشهوة التي أججت بكلمات أوحاها الشيطان لأصحابها معاني الحب الفاسدة.
إنه الحب الذي إذا ساد العالم ما وجدنا أنهار الدماء التي تجتاح كثيرا من الدول وما وجدنا أشخاصا تمتلئ قلوبهم بالكراهية والحقد يتحكمون في شعوب العالم فلو خالطت قلوبهم بشاشة الحب لرفعوا شعار أرساه نبينا العظيم (حب لأخيك ما تحب لنفسك) ولساد العدل والرحمة عالمنا الغارق في جاهلية فاقت الجاهلية الأولى.
إنه الحب الذي لو رسخ في قلوبنا لتفجرت طاقات العمل الدؤوب الذي من خلاله يسعى الجميع لإسعاد البشرية واستغلال طاقاتها وإمكانيتها في الخير لا الشر، في الإنتاج لا الدمار، في البناء لا الهدم، هذا هو الحب الذي أعرفه ولا أريد أعرف غيره.
واقرأ أيضاً:
رفات حب/ مدونة ما هو المستحيل في الحب المستحيل/ الحب المستحيل، والفقه../ على باب الله: لندن دفء الحب/ الحب..ومنهجية الجنون !/ اعترافاتي الشخصية: جراح الحب لا يمكن تجنبها