أتذكر الأيام التي كنت أجري فيها تغطيات لبرنامج صباح الخير يا مصر. الحمد لله أنها كانت مرات قليلة حيث كانوا يبعثون بنا لبلاد الله ببدلات سفر فضيحة نضطر معها لأن نمد يدنا للطرف الداعي. ولم تخل مرة من وضع مهين وجارح لا أجدني حتى بقادرة على الإفصاح عنه علنا لما يمثله من جروح لم تلتئم داخل النفس رغم مضي سنوات عليها. وكان الاعتذار عن تلك المهام هو السبيل للخروج من تلك المواقف التي كانت قد أوصلت الإعلامي المصري لمد يده للجهة المفروض أن يغطي أحداثها وهو ما يتنافى مع بديهيات العمل الصحفي ألا وهو استقلالية الصحفي.
ووصلت الأوضاع المتردية إلى مظاهر لا يمكن أن يصدقها عقل كأن يعين مندوبو الأخبار كمستشارين إعلاميين للوزارات التي يقومون بتغطية أنشطتها والنتيجة الطبيعية لهذه الظاهرة هو إعلان عن أنشطة تلك الوزارات مما أفقد الإعلام المصري أية مصداقية لدى مشاهده الذي أعرض عن مشاهدة نشرة أخباره التي تعرض الإنجازات التي لا يلمسها المواطن في أي منحى من مناحي حياته إلا على شاشة تلفزيونه الرسمي.
لم تقتصر تلك الظاهرة على الأنشطة الرسمية للدولة بل بالطبع كان التعامل مع كل الأخبار يسير بنفس النهج. وأذكر هنا واقعة حدثت لي عندما ذهبت إلى أوغندا لتغطية رحلة لسيدات أعمال مصر والتي كان ينظمها استثماري مصري مشهور وكانت ملاحظتي الأولية على هؤلاء السيدات هو شبههن الشديد بست سنية اللي كانت سايبة المية نازلة ترخ من الحنفية في الإعلان المصري الشهير القديم ولن يفهم ملاحظتي إلا الأجيال التي عاصرت الإعلان أما الجيل الجديد فعليه أن يحصل علي التفسير من أمه وأبيه.
المهم أن إحدى هؤلاء المستثمرات استفردت بي على الطائرة سائلة إياي عما أفعل فأجبتها بصدق أنا مذيعة أخبار فأومأت بأنها تعرفني ولكنها تسألني عن ما أفعله فأصررت على أن عملي الوحيد هو الإعلام. فنظرت إلي مستخفة وغير مصدقة، مستفسرة بشكل مباشر عن المشروع الذي أديره كي أتكسب قوتي و عيشي. ساعتها أدركت النظرة السائدة عن الإعلاميين المصريين بأن عملهم لا يعدو كونه واجهة لعمل آخر. ومع ذلك ليست الأمور بتلك القتامة فحتى الإعلاميين الشرفاء في هذا الوطن يمكنهم أن يتكسبوا عيشهم بشرف من خلال إستغلال أصواتهم ومواهبهم بفيلم تسجيلي هنا وإعلان من هناك.
وأذكر زميلا شريفا على درجة وظيفية مرتفعة قابلته عند إحدى زميلاتي القديمات حيث كنا نحتفل بزيارة أحد زملائنا الذي يعمل بإذاعة عربية لمصر. انتهت سهرتنا بعد منتصف الليل عرضت علي زميلي المذيع ذي الصوت الرائع الذي لا يملك سيارة بأن أقله لأقرب وسيلة مواصلات فأخبرني بأن عليه أن يتوجه لاستوديو صوت في هذه الساعة المتأخرة بعد يوم عمل شاق، مفسرا بأن تلك هي الطريقة الوحيدة لكي يدخل ابنه مدرسة معقولة ويضمن عيشة مناسبة وليس رغدة. فأوصلته وأنا أدعو له بالصحة وأفكر أن الشرفاء كثير. وأقتبس كلمة للزميل سيد علي "لن توجد صحافة مصرية محترمة إلا بأجور محترمة لصحفييها".
ويتبع:...... اعترافاتي الشخصية: وكرهت أني امرأة
اقرأ أيضاً:
اعترافاتي الشخصية الغباء السياسي / اعترافاتي الشخصية:عندما تحشمت / اعترافاتي اللي يفوت ما بيموت / اعترافاتي الشخصية يا سابل الستر