اعترافات مسلمة في عالم الكفر
اليوم الثاني الخميس نفسه، الساعة 11:30 مساء
القضية - من ينام بين القبور يرى الكوابيس
فما بالكم بمن لا ينام إلا وهو يقظان؟
لم أنم ملء جفوني منذ سنين، حتى لم أعد أصدق أن هناك شيئا يسمى نوما. لا أعلم عزيزي القارئ ماذا تفعل أنت أثناء النوم!
أما عني فحدث ولا حرج. إنني أشبه بعقارب الساعة التي تعمل ليلا ونهارا: تيك تاك، تاك تيك كل يوم منذ الأزل وإلى الأبد. وأشكّ أن هناك علاقة وثيقة بيني وبين الساعة، وأذكر أنّي لم يكن لدي ساعة منبهة بجوار فراشي أثناء دراستي الجامعية، فكنت أغادر فراشي مرات عديدة أثناء الليل كي أكتشف الوقت على ساعة الحائط في الصالة.
أما اليوم، فجهاز الجوال يرقد بجوار وسادتي، وها أنذا أطيل النظر إليه مرات ومرات لدرجة الإرهاق فما هي الحكاية؟
ويا عجبي من علاقتي بالزمن أو بالوقت فأنا في سباق معه ولا أدري أين يصل بي ذلك. وأشكّ أيضا أن أكبر مخاوفي هي أن ينتهي الوقت ولم أنهي كل مهامي التي لم أستطيع حتى الآن أن أضع لها بداية أو نهاية. وصرت لا أنام مع الاعتذار لإحسان عبد القدوس رحمه الله.
واضطرابات نومي هذه شبّت معي عندما شببت عن الطوق، وكنت أستيقظ من اليقظة النائمة إذا دقت الساعة في غرفة أبواي، وأظلّ يقظة متيقظة وضابط الساعة نائم.
أسافر، وأسوق السيارة، وأركب البحر، أغوص في الأرض، واقتطف النجوم، وأهرب من العقارب والحنشان، وأتشاجر أنا وأخي البكر، واختبئ من القدر عله يرأف بي وأنا أرمش بعينين مغمضتين. كل هذا وأنا نائمة.
ومما زاد الطين بلّه ما تعلمته عن الوقت الذي هو وهم خادع في حقيقته، ولا وجود له إلا في الشّعر الأبيض والتجاعيد والأسنان المتساقطة، والأبراج التي تبنى في لمح البصر، والأطفال الذين يكبرون، والعجائز الذين يتوفّون.
لماذا أشعر بالغبن لدرجة البكاء والعويل؟ هل أشعر أني خدعت بمجيئي لهذه الحياة؟ وهل أفتقد حياة أخرى كنت أعيشها قبل أن أولد؟
هو ذاك نفس شعوري بالغبن وأنا أفيق من المخدر في غرفة الإنعاش، بعد إجراء عمليات جراحية، وكنت اشعر بالظلمة تطبق على عيني اللتين كنت أحتفظ بهما مغمضتين، وأبكي حزنا وأسأل الممرضة "كم الساعة"؟
لماذا بحق الله أنا في عجلة من أمري؟
عايزة أخلص، مادامت النتيجة محتومة.
لله در الشاعر حين قال:
ألا يانخلة بالسفح
في أكناف جرجان
ألا إني وإياك بجرجان غريبان
هل هذه هي علامات الشيخوخة؟
أشعر بالرثاء والتعاطف مع الأطفال الذين يحيون بدون همومهم التي تنتظرهم عند المنعطف لا محالة، وتعتصرني آلام حزينة لما قد يواجهونه في زمنهم القادم، وأذكر قول خالتي العجوز رحمها الله "الله يعينكم على وقتكم" آآآآآآآآمين.
الوقت يدهمني وأمضي حيث قدّر لي. وقد قرأت مقولة معرّبة في مجلتي الأثيرة التي لم تعد تصدر مجلة المختار"نحن الذين نمضي لا الوقت، والماء هو الذي يجري لا النهر".
صدّقوني إن هذه الكلمات تؤلمني كما كانت تؤلمني في الماضي ولا مفر من نفسي فهي تلاحقني وتسبقني وتنتظرني هناك على الناصية. ولكم أفتقد إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ وسنيّ المراهقة التي قضيتها في البكاء وتمني الموت الذي كنت أخشاه.
أما الآن فلم أعد أخشاه، ربما لأني أعرف أني حينها سوف أنام. ولا أجد شعرا أفضل من شعر أبي تمام حين قال:
حنّ إلى الموت حتى ظن جاهله بأنه مشتاق إلى وطن
لو لم يمت بين أطراف الرماح إذاً لمات إذ لم يمت من شدة الحزن
فيا هل ترى أأنا أعود إلى جذوري؟ لماذا أحن إلى وطن لم أدرج على أرضه ولم أكبر تحت سمائه؟
لا فض فو أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
أغلب الظن أن جذوري تنازعني بعد أن ظننت أنها اجتثّت. فهل سأنام؟ ربما أنا بحاجة إلى ذارعي حبيبي تلتفان حولي تهدهدني حتى أغفو، وأستيقظ لأجد نفسي ما زلت هناك بين ذراعيه.
أوه عزيزي القارئ يا له من يوم طال نهاره ولكم أشتاق العودة إلى البيت، ويا غافل لك الله.
ويتبع:........... اعترافات مسلمة في عالم الكفر2