تتعدد الأسباب.. والتحرش الجنسي واحد.. والمتحرش بها واحدة. والكل يكتب عن هذا الموضوع، إلا أنني قرأت مؤخراً مقالاً للأستاذ عبد الله الطحاوي جاء تحت عنوان (التحرش الجنسي.. طاقة نووية) أثار اندهاشي بقدر ما أثار إعجابي، ولذلك فلنعتبر السطور القادمة هي رد على هذا المقال الذي اعتبره عبقرياً.
في البداية أتفق معك يا أ.عبد الله أن التحرش وسيلة للتعبير عن الرأي بعدما منعت الحكومة الشباب من التعبير عن رأيهم، فما هو إلا كبت.
فالدكتور الشهير هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر على سبيل المثال يرى أن الفاشل في التعبير عن آرائه السياسية لا يجد إلا الجنس كي يعبر عن نفسه فيه. وأتفق معه في هذا.
وأرى أن مجتمعاً يحرم الحديث عن الجنس –باحترام- باعتباره احد المحرمات الثلاثة مع السياسة والدين، مجتمعاً يحرم الحديث عن الجنس، هو مجتمع يدعو للإباحية كما قالها أستاذي الدكتور محمود خليل من قبل.
فقر جنسي
وأعتقد أننا لا يجب أن نحاسب الجائع الذي يسرق بقدر ما يجب أن نحاسب المسئول عن جوعه ومنعه من شراء الطعام.
فعمر بن الخطاب لم يقطع يد السارق في المجاعة. فهل نرجم نحن الشباب لما يعانيه من جوع جنسي؟
حالة الجوع الجنسي هي التي أوصلت شبابنا للتحرش وهتك العرض والاغتصاب.
ولا أدافع عن المتحرشين أو فصيلتهم، فيمكنني القول بقلب مطمئن أنه تقريبا لا توجد فتاة في مصر –وأنا من مصر- لم يتم التحرش بها، والتحرش أنواع أبسطها اللفظي. ولكنني فقط أتفهم دوافعهم.
أما فكرة يتمنعن وهن الراغبات فلا توجد فتاة على وجه الأرض يمكنها أن تمنح جسدها لرجل دون إرادتها، ولا تحب أبداً أن يحدث هذا رغما عنها. وهذا رأي امرأة تم التحرش بها مرات عديدة ولم أكن موافقة في إحداها أبداً.
سرقة بالإكراه
تزويج الشباب هو الحل مثلما فعل عمر بن عبد العزيز بعدما فاض المال في بيت مال المسلمين، فطلب من مساعديه أول ما طلب تزويج الشباب من غير القادر من المسلمين.
والإعلام الفاسد الذي يؤجج مشاعر الشباب ويثير غرائزهم بأجساد عارية وحركات جنسية عاهرة مسئول عما أصاب مجتمعنا من سعار جنسي ومسئول ومحاسب أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون عما فعله بالشباب بأن أوصله لهذه الدرجة الحيوانية. بل إنني أرى أن من يتحرش وصل لدرجة دونية أحط من الحيوان!
وسامحوني لإهانة إنسان –مهما أخطأ- ولكنها حقيقة مرة قاسية حزينة وأنا أقولها. فالحيوان يمارس الجنس بهدف التناسل، فما هي النتيجة المتحققة من التحرش سوى إهانة الطرفين؟ إهانة المرأة لأنها شعرت أنها مجرد جسد، وإهانة الشاب لأنه أصبح دون الحيوان.
إنها سرقة مثلما أصبح كل شيء مسروق في هذا البلد الذي لم يعد آمناً.
أما الشباب المصاب بالعنة فلأنه اعتاد أن يسرق، يسرق قبلة وأشياءً أخرى (تحت بير السلم)... يسرق متعة في خلوة مع نفسه بالعادة السرية أو أمام فيلم جنسي، يسرق الجنس بعلاقة محرمة مع أي امرأة ليست زوجته، في حين أن الجنس حق إنساني وطبيعي ومشروع لكل إنسان. ولا يجب أبداً أن تتم سرقته.
الإبداع والجنس
ولا تعاتب الشباب على تركه للإبداع أو الاكتشاف فالمحروم من فطرة جبلنا الله عليها وهي الجنس، لن يستطيع التفكير إلا به مثل الفقير تماماً الذي لا يفكر إلا في الطعام، ولا تنس يا أستاذي العزيز أن الفقر يولد الكفر لذلك استعاذ به رسولنا الكريم (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر).
وأضيف أن الشباب الغربي لديه قدرة أكبر على الإبداع لأن لديه الوسيلة التي يفرغ بها طاقته الجنسية حتى لو لم يكن متزوجاً وهي علاقة الصداقة بين الجنسين boy & girl friend ، والتي يحرمها الإسلام والتي لا أدعو طبعا لها ولكني أوصف وأفسر واقعاً.
إن الكبت الجنسي لا يمكن أن يجتمع أبداً مع الإبداع -في نظري- إلا في حالات نادرة هي من رحم ربي والتي يلجأ فيها الشباب المكبوت جنسياً لتفريغ طاقته في أنشطة راقية مثل الفن أو الرياضة أو القراءة أو الكتابة الأدبية وهو ما يسمى التسامي، أو حتى الانخراط في علاقة صداقة نظيفة مع الجنس الآخر، وإن كان كل هذا ما هو إلا حلول مؤقتة تنتهي فعاليتها وفق قدرة كل شاب على تحمل الحرمان من الجنس، وكل هذه الحلول لا تغنى عن الزواج ويظل الزواج هو الحل دائماً لهذه المحنة التي يعانيها الشباب. فكل ما ذكرته آنفاً ما هو إلا "تصبيرة" حتى يأتي الطعام المُشبع.
ولتغضب منى النساء لتشبيهي الجنس بالطعام إلا أن كل منهما غريزة فطرية ولا يمكن لإنسان أن يعيش بدونها وهي حاجة بيولوجية في جزء منها كما هي إنسانية وعاطفية.
ويرى الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر -وأنا معه- أن الإنسان الذي يسعد في علاقته الجنسية يكون لديه قدرة أكبر على الإنتاجية والإبداع أكثر من غيره، فما بالك من المحروم منها أصلاً؟
علينا أن نصارح أنفسنا ونقف وقفة جادة معها، ولنأخذ بأيدي هؤلاء الشباب المكبوتين بدلاً من أن نجلدهم، وليكفى ما وصلنا إليه من سرقة الجنس وفشل علاقات الجنس الزوجية، وهذه الأخيرة هي أكبر أسباب الطلاق، فنسبة 40% أو أكثر من حالات الطلاق سببها فشل العلاقة الجنسية بين الزوجين، ولنبحث عن حلول واقعية لهذه الأزمة الكبرى.
حلول يا ولاد الحلال
ولنرى كيف يمكن أن نزوج الشباب لنرحمهم مما هم فيه من نيران تحرق أجسادهم ليل نهار راغبة -هذه الأجساد - في الارتواء والشبع، وإطفاء هذه النار المستعرة.
الحل في نظري حلول واقعية وعملية لتزويج الشباب فبدلاً من البحث عن شقة كاملة متكاملة مزدحمة بالأثاث تكفى حجرة في حال ضيق ذات اليد ، فهل يوجد الآن من هما أفضل من على ابن أبي طالب وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ابنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟
لقد كان مهر السيدة فاطمة درعاً! وكانا يعيشان في حجرة!
فأين نحن من سنة نبينا الكريم؟!
أم أننا مسلمون في البطاقة فقط؟
الحل أن نجعل الدنيا في أيدينا وليس في قلوبنا، أن نكف عن السعي وراء المظاهر الكاذبة التي لا تجر وراءها إلا الحساب العسير من الله إذا لم نحسن شكرها، (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم).
الحل في حسن اختيار شريك الحياة ولتستمر الحياة الزوجية في سعادة واكتمال ففي حال فشل الحياة الجنسية بين الزوجين يأتي الحب منقذاً لهما من هذه المشكلة فيستطيع كل منهما أن يتحمل الآخر بكل نواقصه.
ولا أنسى أبداً ما ذكره الدكتور عادل صادق في إحدى كتبه أنه صادف علاقة زوجية نادرة ظلت فيها الزوجة عذراء لمدة 7 سنوات لأنها كانت تخشى الجماع وظل معها زوجها صابراً كل هذه المدة لأنه كان يحبها.
الحل في هجر الصورة النمطية للزواج بأنه لابد من الدخول في علاقة حب ملتهبة قبل الزواج كما باعها لنا الإعلام لسنوات، واشتريناها نحن كالسذج ، فيظل الشاب والفتاة يطاردان وهماً لا يأتي، وسراباً يحسبه الظمآن ماءً.
الحل وضعه بعض علماء الدين المستنيرين عندما أسقطوا شرط ضرورة توافر بيت للزوجية كشرط من شروط الزواج -للأحوال الاقتصادية المتردية التي نعيشها- وهذا في حالة عدم قدرة الطرفين على توفير مسكن للزواج، وهو ما أسموه زواج الأصدقاء على أن يتم الاتفاق على موعد ومكان يلتقي فيها الزوجان. ولكنا رفضنا في غالبنا الفكرة لأننا نحقر من الجنس ونستقذره حتى وصلت هذه الصفات الوهمية للعلاقة الجنسية بين الزوجين. في حين أنه سلوك طاهر نظيف في حد ذاته طالما يمارس في إطاره الشرعي.
الحل في أن يتزوج الشاب والفتاة في بيت أسرته أو أسرتها بشكل مؤقت وليتحمل كل منهما بعض المشاكل الناجمة عن هذا فلكل عملة وجهان والمشاكل ستحدث في كل الحالات بلا شك حتى في حالة معيشتهما في بيت مستقل، فالحياة ليست "بمبي" كما قالت سعاد حسني في أغنيتها الشهيرة. والحياة ليست بالسهولة التي نتصورها.
إنها شاقة كما قال تعالى: لقد خلقنا الإنسان في كبد.
ومن لا يريد أن يكافح في هذه الحياة وأن يبني نفسه بنفسه فلا مكان له على أرض الواقع، ولينتظر السماء كي تمطر ذهباً!
وزارة تزويج الشباب
في مجتمع وصل فيه عدد العوانس والعانسات ممن تعدوا 35 سنة بدون زواج إلى 11 مليون شاباً وفتاة فنحن بحاجة إلى وزارة تزويج الشباب. نحن بحاجة إلى تفعيل قاعدة التكافل الاجتماعي التي أرساها الإسلام.
نحن بحاجة إلى وقف رحلات الحج والعمرة المتكررة، فوفق فقه الأولويات يكون الأولى هو تزويج الشباب أو الإنفاق على فقير أو أرملة أو محتاج، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون!
نحن بحاجة لمئات بل آلاف النوادي والمراكز الثقافية والمشروعات الخيرية والحملات القومية لاستيعاب طاقات الشباب الجنسية وغيرها واستغلال هذا (الكنز المفقود) بدلاً من أن تضيع في معاكسة هذه وتلك وبدلاً من أن تذهب هباءً في علاقة غير شرعية أو أن تسيطر الهواجس الجنسية على الشباب فتحول ملفات عقله لمجرد ملفات جنسية تحوى إما رغبات أو صور وأفلام جنسية أو معلومات مشوهة ومبتورة عن الجنس، أكثر سلوك إنساني يمارسه الإنسان طوال حياته.
لماذا لا تفتح الدولة الباب للشباب لينطلقوا في الصحراء الشاسعة لتعميرها والاستفادة منه بدلاً من الانحشار على جانبي نهر النيل، فالشخص المشغول الُمتَحقق الذي يفعل شيئاً له قيمة ليس لديه وقت يضيعه فى استمناء أو تحرش أو حتى هواجس جنسية.
فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل كما قال أحد الصالحين.
والباطل كل الباطل أن نترك الشباب فريسة للبطالة فيكون لقمة سائغة للفراغ، الذي يدفعه لأشياء فارغة لا معنى لها، فلو أضفنا للفراغ كبتاً جنسياً فماذا تنتظرون النتيجة؟
نحن مهددون بفناء المجتمع المصري فلا زواج يعني عدم إنجاب، ويعنى أيضاً كبت جنسي ويعنى تحرش جنسي ويعنى اغتصاب ويعنى رواج تجارة الجسد والأفلام الجنسية يعنى فقدان الروح والحياة وعدم القدرة على الإنجاز والإبداع وتحولنا لمجرد آلات غير بشرية ليس لديها القدرة على الإبداع أو التعبير عن مشاعرها، وما الجنس في نظري إلا تعبير عن المشاعر ولتختلفوا معي كما تشاءون.
وقاحة.. قلة أدب؟!
ولتلومونني على صراحتي أو حتى تتهمونني بالوقاحة "وقلة الأدب" لأني أكتب عن الجنس بصراحة، إلا أن كاتبنا ومفكرنا الإسلامي الكبير خالد محمد خالد قالها كلمة خالدة، في كتابه الوصايا العشر: إن كانت لك كلمة فلا تخجل ولتسمع الدنيا كلها كلمتك. وها أنا ذا أسمعها للدنيا، فإن الله لا يستحي من الحق، كما جاء في الذكر الحكيم، وكما قال أستاذي العظيم الصحفي والفارس النبيل جلال الدين الحمامصي: الكلمة أمانة فلا تخنها.
وحين يكون أول ما خلق الله هو القلم، وحين يقسم الله فى القرآن بالقلم وما يسطرون: "نون والقلم وما يسطرون".. من أجل كل هذا فعلىَّ أن أكتب وأكتب حتى يقطعوا يدي، أو يجزوا عنقي!
واقرأ أيضًا:
جاثوم الجنس والفتاة العربية.. خبرة ومحاولة.. (4) / كيف تقي نفسك من التحرش الجنسي(2) / الجنس في حياة الفتاة العربية! / من يعلم الجنس لأولادي !؟