هند ذات العشرين ربيعا تنتابها أحوال غريبة…… كلمات غير لائقة وتصرفات وسلوكيات مشينة… ما الخطب إذن!!! أهلها وأقاربها متحيرون بشأنها وقلقون عليها.. فهي ليست هند التي اعتادوها وليست هند التي عهدوها من قبل…. هم الأهل والأقارب فأخذوها إلى أحد الشيوخ..!! تسير هند معهم وتنتابها حالة من الخوف والقلق من هذه الزيارة… وتسترجع ذاكرتها القصص والحكايات وتقول في نفسها…. ها قد جاء دوري لمواجهة الجن… دخلت هند على المعالج الروحي بالقرآن وفي حضرة الكثير من عماتها وخالاتها وبعضا من أقاربها من الرجال…..
وما أن بدأ الشيخ في التمتمة ببعض آيات القران والهمهمة بالأدعية والتعاويذ الخاصة حتى انهارت هند من البكاء وبدأت في الصراخ والتلطيم وصم الآذان عن الاستماع وإبداء البغض والكراهية لكل ما يقال ومحاولة الهروب من الاستجابة للآيات والأدعية……!!! وبدا المشهد رهيبا.. موحشا.. مفزعا, كأن خطبا جللا يحدث.., كأن الأرض تتزلزل من تحت الأقدام… وعمت الرهبة والخوف أرجاء المكان…. وعمت الجميع حالة من الصمت المخيف… حالة ذهنية أعمت الأبصار.. توقف الزمن…., الشلل أصاب العقول….
أصبحت هناك حالة جماعية مشتركة من الخيالات والأوهام والمشاعر.. مليئة بأساطير وخرافات الجان وسيطرته عل جسد الإنسان…. وما يمكن أن يفعل به وكيف يمكن أن يضره ويؤذيه……
وبدأ الحضور يجتر الذكريات المخزونة عن القصص والحكايات التي تجسد فكرة تلبس الجان بجسد الإنسان… هند تنهار من البكاء ويزداد الهياج والصراخ يعلو ويعلو….. ويزداد اللطم………… صورة من الصراع مفزعة ورهيبة… يؤجج هذا الهياج تصورات وأوهام المحيطين وأحاسيسهم حول فعل الجن بجسد تلك المسكينة رغما عنها… وفرضا على إرادتها….. مشاعر مختلطة ملأت المكان……. وبعدما انهارت هند كليا من هذا الصراع.. بدأت تهدأ وتستريح.. عندها استطاعت أن ترفض وتتمرد على قدسية القرآن والدعاء.. بدعوى أن تلك التصرفات بغير إرادتها, فرضا وغصبا, رغما عنها……
الآن وفقط استطاعت هند أن تعبر عن نفسها بحرية.., وتستنكر وتتذمر لقدسية القرآن الذي يخشاه الجميع ويتربى على طاعته….. ارتاحت نفس هند فقد أخرجت طاقتها النفسية الكامنة مرة بالصراخ.. وأخرى بالتلطيم…., تحت سمع وبصر الحضور… تمردت واستنكرت قدسية الدين.. القرآن والدعاء.
دعونا نتساءل هل انتهت مشكلة هند إلى الأبد!! ما هو السبب في الاضطراب النفسي عند هند.., وما هي تلك المشاعر المكبوتة.. وكيف تولدت وتراكمت لديها…., ما هو النفق المظلم الذي تفكر فيه ولا ترى أملا أو نورا في نهايته…, هل يشاركها الحضور وكل من يهتم بها في مشاعرها وأفكارها ومشكلاتها.., هل يبادلونها خبراتهم في الحياة…. هل حرصوا على تعليمها معنى الحياة… قيم.. أخلاق… فضائل…..
ما هي تلك المشكلات التي تشغل تفكير هند وترى عجزا في حلها…. وتنتهي إلى أنه ليس هناك حلول لتلك المشكلات… فقط التمرد والعناد…… والتخلي عن المسئوليات.. في تلك الصورة التي يقبلها المجتمع من حولها… الجان والأعمال السفلية والسحر… تلك العقائد والأفكار التي تتمكن من النفوس المريضة.. العاجزة عن التكيف مع مشاكل الحياة.. إنها تلك النفوس الرافضة لقيم العطاء.. الصبر… والرضا بقضاء الله وقدره.
واقرأ أيضا :
عِندَ السقوطْ !/ رسائلُ إلى ريم/ وجوهٌ شتي !!/ حَــيْـضٌ !/ بِـلالُ العِشقِ !/ مَعْـشوقَةُ الأحزانِ !!/ أعظَـمُ منْ حبٍّ !/ الرأسُ القُطْنِـيَّهْ !/ عفوا يا سيدتي!/ مبايعة/ ثـورَةُ العشرين !!