جلست أسبح في سكون الليل بضع ساعة، بعد أن أنهيت صلاتي تأهباً لنومٍ عميق، فقد كان النهار مضنياً، الظلام يلف كل شيء حولي عدا خيوطٍ قمرية تسللت من نافذة الغرفة الواسعة، لتضفي على المشهد بعضاً من الشاعرية والسكون.. نسمات تمر على وجهي، كأني أشعر بها تقاوم أجواء ثقيلة رطبة تكاد توقف الزمن وآلية التنفس.
لملمت سجادة الصلاة ودفنت نفسي في فراشي، أحاول عبثاً أن أوقف شلال أفكاري من الانحدار أكثر فأكثر... لما لا أهرب إلى الأحلام؟؟ كانت الفكرة معقولة جداً في ظل ما أشعر به من إحباط وانكسار.. ترى من أين يأتي الحلم؟! أتعجب من هذا الزمان الذي يضن حتى بالأحلام!! هل للأحلام عمر تتوقف بعدها؟ هل يصيبها الهرم؟ عجيب أنت يا عقلي الباطن أراك عاجز حتى عن نسج حلم ولو مبتور دونما نهاية!!
غصت في فراشي أكثر دون جدوى، تقلبت على كل جنب، لا مجال ولا حتى لأصداء حلم، كأنما لم تحتمل جفاف الحياة فرحلت إلى الأبد!!
المدينة خلفي تقبع في هدوء متألق بملابسها الليلية، بينما أقطع الطرقات على غير هدى أبحث عن بائع الأحلام، وهل للأحلام بائع؟! لا شك أنها سلعة غالية، ترى أين يمكن أن أجده في مثل هذه الساعة؟؟ سرت طويلاً بمحاذاة الخليج، أكاد أصل إلى نهايته لأعود من حيث بدأت، فالمدينة شبه دائرية.. هل أعود إلى فراشي يئست حتى من الحصول على حلم يؤنس ليلي الذاهب لصباحٍ لا يعود؟!
هممت بالعودة يبدو أن حركة خافتة استوقفتني وقد صدرت من خلفي تماماً، التفت ذعراً لأجده جالساً على الأرض في منطقة لا تصل إليها أضواء المصابيح الخافتة، ثيابٌ رثة، وقبعةٌ مهترئة على رأسٍ أشعث، معطيات لا تنبأ بخير، وإلى جانبه كانت سرة كبيرةٌ بلون الغبار، وهرةٌ سوداء تحرك ذيلها في استرخاء وتنظر إليّ بلا مبالاة هتفت بصوت مبحوح من شدة الذعر:
- من أنت؟
ابتسم في سخرية وكأنما أعجبه أنه تسبب في ذعري، وهو يقول:
- أنا بائع الأحلام.
تنفست الصعداء وأنا أقول:
- أهو أنت؟! أخيراً..
- هل كنت تبحثين عني؟
- نعم، منذ ساعات، لكم أتعبني طول المسير.
انتفخت أوداجه شاعراً بأهميته، وابتسم ثانية لأنتبه إلى أسنان صفراء غير منتظمة تطل على سحنة دائرية يصعب وصف ملامحها في الظلام.. ترى من أي البلاد هو؟؟ كأنه ينتمي لإحدى الشعوب الآسيوية.. رد بسخرية محاولاً تقليد طريقتي المأسوية في الحديث:
- وماذا تريدين؟ هل ترغبين في شراء حلم؟
وبدأت يده تتعامل مع رباط السرة ليعرض ما في جعبته من أحلام، وأنا أثني ركبتيَّ لأهبط إلى جوار السرة، وكلي شغفٌ ليفتحها، وأمني نفسي بالحصول على حلمٍ جميل يغير طعم الأيام المر ويعيد ريحانة الصبا.. تطلعت بأسى، لم يكن في سرته الكثير من الأحلام، وجميعها لم تكن جذابة بما يكفي.. بل أن بعضها كان أقرب إلى الكوابيس، هتفت بخيبة أمل:
- أهذا كل ما لديك؟
رد بلا مبال ;آه:
- نعم، أليس فيها ما يناسبك؟
حركت رأسي بأسى مؤكدة لما قال، فباغتني بقوله:
- عما تبحثين بالضبط؟
نظرت إليه بعيون حائرة وتردد صدى سؤاله في عقلي مراراً دون أن أعثر له على إجابة، فخفضت رأسي خجلاً ليدرك أن إجابتي "لا أعرف"!!
لملم سرته وأعاد ربطها في عجالة، ونهض قائلاً:
- ابحثي عني حين تعرفين.
مضى وقد تعلقت عينيَّ به وبسرته القديمة بلون الغبار، وبتلك الهرة التي تتبعه وهي تموء وكأنما تقول له مهلاً ولم هذه العجلة!!
سرت في الطريق المعاكس عائدة إلى منزلي بخطى مثقلة، وأنا أفكر في إجابة سؤاله.. ترى.. متى ألقاني وأحلامي!!
واقرأ أيضا :
عِندَ السقوطْ ! / رسائلُ إلي ريم / وجوهٌ شتي !! / حَــيْـضٌ ! / بِـلالُ العِشقِ ! / مَعْـشوقَةُ الأحزانِ !! / أعظَـمُ منْ حبٍّ ! / عفوا يا سيدتي!