إنها المرة الأولى التي ينزل فيها تلك المدينة الباردة، يصعب عليه النوم في غرفته الجديدة، يحاول جاهدًا، حين يبدأ جسده
المنهك في الاستسلام المرغم للنوم يفاجئه صوت نشاز يصدر من فتحة عريضة قرب السقف في أعلى الحائط المواجه له.. يستوضح الصوت مضطرًّا.. يتبين صوت شخير أحدهم، يبدو أنه قد أنهكه العمل فراح يعلن عن شجبه المتواري خلف هذا الشخير!
بدأ الصوت يزعجه، يعلو أكثر من ذي قِبل، أو هكذا خيِّل له من شدة سطوته، يتابعه في ملل ولا يستطيع أن يخرج من تلك الدائرة التي أغلقها عليه، خلال ساعة كاملة لم يستطع أن ينام، حتى أنهكه التعب فأسلم جسده بين يدي النوم، وأغلق عينيه.
حينما عاد من عمله الجديد في المساء تناول رغيف خبز وحبتين من الطعمية كان قد اشتراهما معه من محل بجوار الحوش الذي يستأجر فيه الغرفة، سد رمقه بتلك اللقيمات، ثم شرب بنهم من القلة الباردة الراشحة على أرضية الغرفة، وأسلم جسده للفراش منهكًا.
في نفس الوقت من كل ليلة غالبًا ما يعود الشخير، يدور معه ويتابعه في ملل، منخفضًَا مرتفعًا، وأخيرًا يغلبه النوم.
بعد شهر من العمل والشخير المتواصلين، فقد الشخير سطوته الأولى، وأصبح كجزء من طقوس النوم بالنسبة له.
ذات ليلة قلقة.. قطَّب حاجبيه.. أرهف سمعه.. تعجب إذ لم يسمع الشخير من الغرفة المجاورة!
في الصباح سأل الشاب الأسمر الجالس عند بوابة الحوش: أين ذهب ساكن الغرفة المجاورة لغرفتي؟
أجاب الشاب بعد برهة من التفكير: تقصد الشيخ «سالم»؟ البقاء لله يا أخ.. لقد مات منذ أسبوع.. وجاء أهله لاستلام جثته!
باغته الردُّ.. أجابه بصوت حزين خفيض: البقاء لله!
حين عاد من عمله راح يفكر في الشيخ «سالم».. ذلك الرجل الذي لم يره من قبل ولم يسمع منه غير شخيره! طوَّف في آفاق بعيدة.. فجأة قطع عليه تفكيره صوت غريب.. تذكر الليلة الأولى له في تلك الغرفة.. ومرة أخرى سلبه الشخير نومه حتى الإعياء!
مر في الصباح منهكًا بالشاب الجالس عند بوابة الحوش فسأله: هل سُكنت الغرفة المجاورة لغرفتي؟
أجاب الشاب في سرعة: نعم.. لقد جاء ابن الشيخ «سالم» من بلدهم.. واستلم العمل مكان والده!
ابتسم ابتسامة باهتة.. ثم مضى في طريقه المألوف!
واقرأ أيضاً:
نُخْبة! / يد غليظة تطرق الأبواب بعنف / عائد إلى الأرض / بدر / كان جدي.. وكان / القَدَرُ المسكوب / احتياجات خاصة / طفولة مذعورة / قش الأرز / قطار آخر الليل / و. م. و. ز / الضيف