بالأمس احتدم النقاش بيني وبين زوجتي كنت أنوي أن أقول نعم للتعديلات الدستورية ثقةً مني في رعاية الله وحفظه لمصر تلك الرعاية التي آمنت منذ ثورة يناير بوجودها بعد ظن سوء طال بمصر، وثقة في أن القوة التي أظهرها الله عز وجل لهذا الشعب العظيم موجودة ولا أحسب أحدا يجرؤ على خداع شعب كهذا الشعب الرائع، ثم أن التعديلات الحالية تلزم الأعضاء المنتخبين لمجلسيْ الشعب والشورى المقبلين باختيار أعضاء جمعية تأسيسية خلال 60 يوما من انتخابهم لوضع دستور جديد فلا داعي للعجلة، أقول نعم رغبةً مني في إعطاء فرصة لأخذ النفس ربما، وربما لأنني وكثيرون غيري ما نزال نستشعر عدم الاستقرار في البيت المصري ككل وربما لأننا نشعر بالقلق على اقتصاد بلدنا وربما لأننا نخاف على ما حققته الثورة من مكاسب.... وربما لأنني من الجيل القديم الذي ما زال لا يصدق نفسه وما زال يتساءل أحقا مصر تحررت؟
بينما كانت زوجتي مصرة على قول لا لأسباب عديدة منها مثلا لماذا نرقع الثوبَ؟ إذا كان ممكنا أن نصنع ثوبا جديدا؟ ولأن صياغة دستور جديد تحتاج موافقة 50% من أعضاء مجلس الشعب وهو مجلس لا نستطيع الثقة فيه قبل أن نعرفه، ثم أن الذين قاموا بالثورة أنفسهم يرفضون الاكتفاء بتلك التعديلات فلماذا نخذلهم؟ كذلك أن في الدستور ما تزال نصوص تمنح رئيس الدولة الذي سينتخب مستقبلا سلطات مطلقة فهل نترك احتمالا لأن يركبنا فرعون آخر بعدما أسقطنا الفرعون الكريه؟.... وانتهى نقاشنا دون اتفاق في الظاهر لكنني كنت أراجع قناعاتي بشدة، ما خطورة قول لا؟ هل هو فعلا من الخطر إجبار المجلس العسكري على إعادة النظر في إستراتيجيته هل من الخطر إطالة أمد الفترة الانتقالية؟ وهل وضع دستور جديد يطيلها بالضرورة؟ لا أظن!..... ونمت وقد نويت لا!
في الصباح كان عليّ أن أمر على اللجنة الانتخابية أو لجنة الاستفتاء قبل أن أذهب للعيادة، وهناك في حوالي العاشرة صباحا رأيت ما لم أكن أتوقع بالطابور.... مش طابور واحد لا عدة طوابير في لجنة الاستفتاء... نفس المكان الذي اعتدت الانتخاب فيه وكنت دائما في كل مرة لا أرى أحدا إلا إذا كان مرافقا لي! أو مسئولا في اللجنة أو عسكري شرطة!..... اليوم وفي الزقازيق... المشهد مبهج إلى حد البكاء..... طوابير.... وأناس تأخذك من وسط الطابور تفضل يا دكتور اسمح لنا أن نعتبرك من كبار السن لا تقف في الطابور... وترى وتسمع فلاحا عجوزا يستند على عكازه وعلى كتف حفيده أو ابنه ربما، وهو راجع بعدما أفتى يقول للشباب في الطابور: "أيوه كده حبوا مصر وعلموا أولادكم حبها".............. الله يا مصر وشعبك نفسه مفتوحة لحبك يتواصون عليه.... الله يا مصر صحيح مبارك كان كابوس وانزاح كابوس طويل وطاغوت وانزاح....
قلت الرأي الذي استقر عليه قلبي في الصباح وغمست سبابتي اليمنى في الحبر الأحمر الذي يعتبر بمثابة علامة تبين أنك أعطيت صوتك، وسرت وعيناي تدمعان فرحا وانشراحا، وطالت مسامعي غير مرة عبارات مثل ....لا سأقول لا أو نعم سأقول نعم .... أو ليه نرقع؟ ليه .... وفجأة تسمع أحدا يهتف تحيا مصر .... فقط ليس لأنه ينافق ولا لأنه يتظاهر ولا ليؤدي تحية العلم في الصباح وإنما فقط لأنه يحب مصر ومصر تريه ما يحب!
طوال اليوم وأنا أقابل الناس في عيادتي كنت أسأل من أرى في يده علامة أنه أدلى برأيه قائلا هل كانت اللجنة مزدحمة ....وعرفت أنني كنت من المحظوظين الذين ذهبوا مبكرا إلى لجان الاستفتاء قبل أن يتزاحم الناس عليها من كل فئة ولون .... ففي كل مكان تقريبا في مصر شارك الناس بكثافة فاقت المتوقع والذي كان كثيرا مقارنة بكل ما حدث ربما في تاريخ مصر.... 60% من المرضى النفسيين الذين زاروا عيادتي اليوم شاركوا في الاستفتاء وأدلوا بآرائهم، ومعظم ذويهم كذلك أعطوا آراءهم .... وكنت أسأل من لا أرى الصبغة الحمراء .... وأنت متى ستدلي بصوتك .... وآخذ وعدا منه بأن يفعل!
إذن ها هو برهان جديد على ما ألاحظ ويلاحظ غيري منذ سقوط الفرعون الفاسد، فهناك إشارات كثيرة تبين كم يحب المصريون بلدهم كلهم يحبها وكلهم مستعد للتعبير عن ذلك الحب، أصبح عاديا وأنت تجلس في أي مكان أن تسمع أحدهم يهتف تحيا مصر والغريب أنك لا تشعر أن قائلها منافق..... ياه إلى هذا الحد لم يكن أحد من الصادقين غير المنافقين يعبر عن حبه لمصر في ظلك الثقيل الكريه يا مبارك.... لا أعادك الله ولا أحدا من أمثالك.
واقرأ أيضاً:
الباشا عبد المأمور / معنى كلمة "شاب" و"شابة" والحفاظ على حق الدهشة / حقوق الإنسان الأوْلى بالرعاية