تمر السنون بعد قيام الثورات وقد ينسى كثير من الناس أحداثها وربما ينسون دوافعها ومبادئها وشهدائها وأبطالها وأعدائه، وهذا بمثابة فقدان لذاكرة الثورة، ولذلك اهتمت الثورات الكبرى بالحفاظ على الكثير من رموز ذاكرتها حتى تحتفظ بركائزها في نفوس الثوار ونفوس الأجيال التي تليهم. وبناءا على هذه القاعدة أقترح الإبقاء على مقار الحزب الوطني المحترقة ومقار أمن الدولة في القاهرة وفي عواصم الأقاليم، نتركها كما هي بآثار التكسير والدخان على واجهاتها وفي داخله، فقط ننظف أرضياتها ونؤمن مبانيها كأي متحف ونضع محتوياتها في صناديق زجاجية للعرض، ونضمها إلى وزارة الثقافة أو هيئة الآثار.
وربما من المفيد أن نضع لوحات في مقار الحزب الوطني بأسماء الكوادر الحزبية التي مارست نشاطها فيه (خاصة من ثبت تورطهم في الفساد وصدرت ضدهم أحكام قضائية)، ونبذة عن تاريخ الحزب بالكلمة والصورة تعطي فكرة وافية لمن يزور المقر بما فعله الحزب الوطني بمصر وأهلها على مدى ثلاثين عاما من الفساد والإفساد.
أما مقار أمن الدولة فهي بمثابة باستيل مصر، ولذلك يجب الإبقاء عليها كمتحف بكل غرف التعذيب وزنازين الاعتقال والسراديب السرية، والمقابر التي احتوت جثث الذين ماتوا تحت قسوة التعذيب، وأن توضع في هذه المقار لوحات تبين التركيب الإداري لهذا الجهاز ووظائفه وتجاوزاته وإساءاته في حق مصر بالصوت والصورة، ويزود بشهادات مكتوبة أو مسموعة أو مرئية لضحايا التعذيب في هذا الجهاز، كما تعرض كل وسائل التعذيب التي استخدمت ضد المعتقلين، وتوضع صورا للضباط والأفراد الذين قاموا بالتعذيب خاصة أولئك الذين صدرت ضدهم أحكام بالإدانة القانونية.
وقد كانت هناك فكرة بأن يتم هدم مقر الحزب الوطني الرئيسي في ميدان التحرير وإقامة حديقة في مكانه توضع فيها صور الشهداء، وتسمى حديقة الشهداء، وهذه الفكرة أعارضها بشدة لأنها تفقدنا ذاكرة الحدث وتضع صور الشهداء في غير موضعه، بل الأنسب أن توضع صور الشهداء على نصب تذكاري في قلب ميدان التحرير بعيدا عن مقر الحزب الوطني بكل ما يحمله من ذكريات سيئة للمصريين.
أما المتحف المركزي الأكبر للثورة فيفضل أن يكون في ميدان التحرير ويسمى متحف التحرير، وهناك مقترحان لإقامته دون إحداث تغيير في شكل الميدان أو تركيبته الهندسية، الاقتراح الأول أن يكون في مبنى يقام تحت الجزيرة الوسطى للميدان بنفس فكرة مترو الأنفاق، والاقتراح الثاني أن يكون في مبنى مجمع التحرير (كله أو بعض طوابقه) خاصة وأن هناك أفكارا كثيرة حول نقل نشاطات مجمع التحرير خارج قلب القاهرة حتى نتجنب ما يحدثه المجمع من زحام بسبب تردد الآلاف عيه كل يوم لقضاء حاجاتهم، والأفضل أن يكون ذلك النشاط الحكومي في القاهرة الجديدة مثلا.
وفي هذا المتحف نجمع كل الأدوات التي استخدمت أثناء الثورة مثل الخيام واللافتات، كما نجمع إبداعات الثورة من رسوم وقصائد شعر وأغاني ومقاطع فيديو وصور، وتعرض فيه وثائق الثورة وأسرارها وصور أبطالها ودور كل واحد منهم، وقبل هذا صور الشهداء وكيف استشهدوا وتوضع ملابسهم ومقتنياتهم كما وجدت في مسرح الأحداث، ويكون فيه عرضا تسجيليا سينمائيا لأحداث الثورة بتسلسلها من أول يوم وحتى تخلي الرئيس السابق عن السلطة، وما جرى بعدها من أحداث مهمة. ويحوي هذا المتحف سجلا لتجاوزات وجرائم العهد السابق خاصة ممارسات الرئيس وأسرته، والحزب الوطني وأمن الدولة.
والهدف من إقامة هذا المتحف، هو الاحتفاظ بذاكرة الوطن حول هذه الثورة وما سبقها وما تلاه، وعرض وسائلها ومقتنياتها لزوار المتحف من المصريين والأجانب الذين يرغبون في الإطلاع على ما حدث، وبهذا نكسب منطقة جذب سياحي جديدة ، على أن يخصص عائد هذا المتحف لمساعدة أسر الشهداء ومساعدة المصابين، والإنفاق على كل الأنشطة التي من شأنها تحقيق أهداف الثورة.
واقرأ أيضاً:
المستقبل الدستوري لصاحب السيادة/ ثورة 25 يناير وعرس الاستفتاء/ حشود الإسلاميين ومخاوف الأوصياء/ باستيل مصر/ في روضة أطفال الديمقراطية: كى جي ون