كنت من المحتفلين بالتحرير برئاستك للوزراء وبرحيل شفيق ومن المتفائلين بك والمرحبين بزوال عهد أبو الغيط بكل ما يمثله من امتهان لمكانة مصر ولكرامة المصريين ورحيل زميليه وجدي ومرعي وأزعجني كثيرا بقاء الدكتور الجمل في منصبه فهو مؤشر على “نقص” في قراءة الشارع المصري الذي “يلفظ” هذا الرجل وسياساته الملتفة حول الثورة منذ بداياتها هو ورموز النظام الذي يرفض الرحيل إلا بعد إبادة المصريين كمدا وغيظا.
فلم ننسى بعد ولن ننسى ظهور يحيى الجمل في قناة الحياة وكيف أسرف وأسهب في مزايا شفيق ومنها أنه مهذب “لدرجة” إنه عندما يصطحب أحد لدخول غرفته فإنه يجعله يدخل أولا.. وكأن المصريون لابد أن ينحنوا أمام رئيس الوزراء ويدخلون حجرته زحفا. وأكد الجمل أن شفيق أول رئيس وزراء يعتذر للشعب المصري بعد موقعة غزو الجمال “وتناسى” أن شفيق ظهر قبلها بيوم مؤكدا على أنه سيحمي المتظاهرين “برقبته”، وبعد التنكيل بهم اكتفى بالاعتذار بلسانه مع مواصلة التحريض الإعلامي ضد المتظاهرين ومن العار الإدعاء بأنه لم يكن يعلم ولابد من محاكمته مع وجدي..
وامتلأت عيون يحي الجمل بالدموع وغمره التأثر البالغ عند سماعه لمداخلة شفيق هاتفيا وتصريحه بشعوره بالظلم البالغ عندما اتهمه كاتبا ويقصد هيكل بأنه كان يستقل الطائرة ذاهبا لشرم الشيخ لمقابلة مبارك، إحساسه “بالعذاب” الشديد للظلم الواقع عليه وأنه ليس صغيرا لكي يشكو ولكنه كان يستريح عندما “يفضفض” للدكتور الجمل باعتباره أخا كبيرا.
ويحسد المصريون شفيق لأنه “جرب” الظلم مرة واحدة في حياته ومن كلمات لكاتب، ونخشى أن تكون مؤهلات الجمل تنحصر في سماحه لرئيس الوزراء بالفضفضة له ولذا اختاره شرف ليفضفض له وقد أعلن الجمل “صداقته” لشرف ونخبر شرف بأن ميدان التحرير بكل من فيه من بشر وحجر سيستمع لفضفضاته إذا أخرج الجمل وأمثاله من الوزارة ومن دوائر المقربين منه والعكس صحيح أيضا، إلا إذا قام الجمل بالسماح للمصريين بالفضفضة له “بشرط” أن يحبنا بنفس “الإخلاص” الرهيب الذي منحه لشفيق فبعد أن شكا لمذيعة الحياة من الإرهاق وقالها لها “موش ح تفرجي عني بأه” فوجئنا به يطل بنشاط وحيوية في قناة “اون تي في”، ليواصل دفاعه المستميت عن شفيق الذي فقدناه بسبب “رعونة” المتظاهرين ولم تكن مصادفة فتح المكالمات المؤيدة لشفيق.
لذا نطالب دكتور شرف بتذكر أن الشعب المصري كله مشحون بالعذاب وبالظلم ولم ولن يسمعه الجمل وأمثاله وهم كثر. لذا لا يتبق للشعب المصري منافذ للفضفضة سوى على الحدود ولكنها مغلقة مع الأسف.
ففي رفح لن نستطيع اليوم الفضفضة مع الذين حاصرهم مبارك ونظامه وأطلق الغاز المسموم في الأنفاق لمنع الحليب عن أطفالهم، ولن نتمكن من الفضفضة مع السودان الذي ذهب مبارك لإقناع البشير بضرورة قبول الانفصال.. ولن نفضفض مع أهل ليبيا ولا مع المصريين الذي يحاولون العودة ولم يساعدهم أبو الغيط وادعى كذبا اهتمامه بشئونهم.
لذا لم يتبق لنا إلا البحر الأحمر والبحر المتوسط لنغسل بالماء دموعنا لأننا لم نجد من يسمح لنا بالفضفضة وسط انشغال الكثيرون بالتباكي على بقايا نظام مبارك، ومحاولة إعادته بوجوه أخرى. ولن يؤلمنا ماء البحر المالح فهو “مطهر” نحتاجه جميعا حيى لا نسمح لأحد باهانة عقولنا واستباحة كرامتنا مجددا ويمكن وضعه في أعين كل من لا يريد رؤية وجه مصر “الحقيقي” بعد 25 يناير ومن يردد الاسطوانة “السمجة” بأن كل ما يجري بعد الثورة لا يرضي عنه الثوار الحقيقيون، وتناسوا أنهم كانوا يرتدون “البيجاما” طوال أيام الثورة ولياليها، ففي النهار “يخافون” من مغادرة المنزل وليلا يجلسون أمام الفضائيات لكي يلتقطون خيطا “ممزقا” من الأمل في فشل الثورة وليشاركوا بمداخلات هاتفية عقيمة.
وكل من يتباكون خوفا على مصر لم نسمع صوتهم لرثاء الشهداء والآلاف الجرحى لأنهم يلتفون حول الثورة ولكن الشعب أذكى مما يتوهمون.
واقرأ أيضاً:
حشود الإسلاميين ومخاوف الأوصياء/ باستيل مصر/ في روضة أطفال الديمقراطية: كى جي ون/ منظومة الحرية/ الرؤية المستقبلية لمصر