الملفات كلها مفتوحة الآن، تراكم تقصير الدولة المصرية التي استبدت بها عصابات الخراب والتخريب، وتراكم تقصير مجتمع يعاني من أمراض سوء التعليم والتدبير، والتنظيم، وانقراض تقاليد العمل الجماعي، ومساهمة البحث العلمي، وغياب الفكر والجهد الإصلاحي، إلا قليلا.
أجهزة دولة عاجزة،ستحتاج لإصلاحات جذرية، وكل يوم تبرز قضية تحتاج إلى عزم وإرادة، وبحث وتأمل، ومجتمع مشدوه يحاول اللحاق بما أطلقه من تغييرات شاملة، ينوء بسداد استحقاقاتها.... والله الموفق.
القصة في قنا، كما في الصعيد كله، قديمة ومركبة، مشاكل مزمنة، وتشوهات متراكمة، أهلنا الذين فرضت عليهم حياة الموت أفضل منها، قاوموا هذا الوضع باصطفافات طائفية، وتقوية لشوكة القبيلة والعائلة، إذ لا سند يلوذون به، حيث لا دولة، ولا مجتمع مدني طبيعي.
الصبر الطويل، والشعور بالقهر والتمييز، التمييز المركب، كونهم مواطنين، وصعايدة، وفقراء غالبا، وربما أقباط، فأين يذهبون؟؟
تعين القاهرة محافظا، هو رجل أمن، من رجال النظام الذي يقاوم التغيير، ما زال، ولا يريد إلا تفريغ الثورة/الحلم من مضمونه، والرجل مسيحي، أي من الأقلية بالمفهوم الطائفي المستقر هناك، إذن رسالة القاهرة وصلت قنا:أن هذا التعيين عقاب ما، مستمر لبلدة طيبة، سترفض هذا العقاب، لأن الدنيا تغيرت، ومعادلة القاهرة تأمر، والصعيد يرضخ.... قد أصبحت موضع تساؤل.... على الأقل.
الرفض الشعبي التلقائي الغاضب سيكون فرصة ذهبية سانحة وموجة سيركبها السلفيون، كما تعودوا مؤخرا، وينجحون بسبب غباء الآخرين، الهتافات الدينية/الطائفية قريبة من الذهنية السائدة هناك، ومناخ الغضب والتوتر والرفض من الطبيعي أن يستدعي شوكة القوة.. ولا قوة هناك غير للقبيلة والعائلة والطائفة، وبقايا الحزب/العصابة، والأمن/الرعب الذي ما زال يناور!! فكيف سيبدو المشهد؟؟
سيغطي الإعلام ما يجري بوصفه توترا طائفيا، هكذا بسهولة، أو باستسهال، وسيتناقل الناس مقاطع اليوتيوب لرجال طيبين ثائرين ملتحين يهتفون ضد مظالم كثيرة ومركبة بما تسعفهم قريحة الهتاف من صرخات سيكون من السهل نعتها بالطائفية، أو هو من الاستسهال الشعبي، فلماذا يكون الاستسهال حكرا على الإعلام؟؟
وبعد اشتعال الموقف سينزل الإخوان محاولين التهدئة، والتذكير بدور بقايا النظام، دون الإشارة للعلل المزمنة، وكأن كل شيء على ما يرام، ولكن بقايا النظام ما زالت تلعب وتحرض، وتصطاد في الماء العكر، طيب ما تفاصيل تعكير الماء؟؟ لا أحد يسأل، ولا أحد يهتم.
في مناخ من الشائعات، والتغطيات الإعلامية الغامضة، والباحثة عن سبق، أو إثارة، وفي غياب كامل للمنهج العلمي، من قال أن عندنا جامعات أصلا؟؟ فيها أقسام لما يسمى علم النفس، والاجتماع، وغيرها من العلوم الكاشفة للأزمات؟؟
وسط الصراخ والغضب، والتشويش والنحيب، تضيع الحقيقة التي قد تكون منزوية ومختصرة في سطر هنا، أو تصريح هناك، يكاد لا يلمحه أحد، ولا ينبه إليه أحد.
حسنا.. فعل من توجه إلى قنا.. لإطفاء الحريق، وأحسنت الحكومة بالتفهم، وأحسن شباب الثورة بالتدخل السريع والمباشر، لكن هذا كله لا يغني عن مراجعات أعمق وأشمل، ليس فقط لأوضاع الصعيد، ولكن لسد الثغرات الكثيرة التي حاولت الإشارة إليها في مقالي هذا.
وأصرخ مجددا: أين المجتمع المدني..؟؟ أين الجهود الشعبية المستمرة المنظمة؟؟ أين الباحثين المصريين..؟؟ أين التدريب الإعلامي لنحصل على كوادر تعطينا تغطية شاملة وأمينة، بدلا من صحافة التيك أواي، والشو السطحي؟؟
واقرأ أيضاً:
قنا: البحث عن.. جملة مفيدة/ هنا والآن.. الثورة تكون إزاي؟؟/ كشف الطيش.. في مسألة الجيش